مغالبة السبات !

مغالبة السبات !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 12/12/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

من أحد عشر عامًا، صحونا من نوم طويل، أطللت عليه في صحف يوم الجمعة الموافق 22/5/2009 قرأت فيها خبرًا عن مطالبة مصرية تأخرت أكثر من نصف قرن، فقالت الصحف إن مصـر طلبـت رسميـا من بريطانيا « المساهمة » بشكل فعال وحقيقي في الخطة القومية المصرية لتطهير الساحل الشمالي الغربي من الألغام، وأن وزيرة التعاون الدولي أكدت خلال لقائها أمس الخميس (آنذاك ) بيل راميل وزير الدولة للشئون الخارجية أن بريطانيا طرف أساسي في الحرب العالمية الثانية ومسئولة عن زرع ما يزيد على 60% من إجمالي الألغام في المنطقة التي تمثل ربع مساحة مصر الكلية وتزخر بموارد تنموية هائلة غير مستغلة !

ولست أدرى لماذا اقتصرت المطالبة التي تأخرت أكثر من نصف قرن على مجرد « المساهمة » في خطة التطهير، ولا لماذا اقتصرت على إنجلترا دون دولتي المحور ألمانيا وإيطاليا اللتين خاضتا وبريطانيا حرب شمال أفريقيا ما بين العلمين وإلى آخر الحدود المصرية مع ليبيا ؟! وتبادلت جيوشهما في الكر والفر الذي يعرفه الدارسون لمجريات تلك الحرب التي لم تكن لمصر ناقة فيها ولا جمل ـ تبادلت زرع الألغام في الساحل الشمالي المصري، فإذا كانت إنجلترا مسئولة عن زرع ما يزيد على 60% من إجمالي هذه الألغام، فإن ألمانيا وإيطاليا مسئولتان عن زرع 40% من حقول هذه الألغام التي لا زالت تحمل الموت في قلب قطعة غالية من الأراضي المصرية !

والاقتصار على إنجلترا دون ألمانيا وإيطاليا تفريط غير مقبول، في حين يعلم الجميع أن ألمانيا دفعت مليارات المليارات من التعويضات لإسرائيل رغم أن إسرائيل لا تحمل تفويضاً ممن طالتهم ممارسات ومحارق ألمانيا النازية، كما أن الاقتصار على طلب المساهمة دون تحمل كافة التكاليف بالإضافة للتعويضات، هو بدوره تفريط غير مقبول . إن إنجلترا وألمانيا وإيطاليا مسئولون جميعا وبالتضامن فيما بينهم طبقا لقواعد المسئولية، عن رفع هذه الألغام، وعن التحمل بكافة تكاليف رفعها، وعن تعويض مصر عن الأضرار التي لحقت وتلحق بها من جراء وجود هذه الألغام في بطن الأراضي المصرية البالغة ربع مساحتها لأكثر من نصف قرن .

وتعرف وزارة التعاون الدولي، كما تعرف وزارة الخارجية، والحكومة المصرية بعامة، أن عالم اليوم يموج بمبادئ وبممارسات جديدة للمسئولية الدولية وفرض أحكامها على العالم حتى بلغت حد تحميل ليبيا بتعويضات حادث لوكيربى دون حصرها في الفاعلين أو المسئولين الفعليين عنه، وبلغت حد غزو وتدمير أفغانستان برمتها تفتيشا عن أفراد ينتمون إلى تنظيم القاعدة، وحد غزو وتدمير العراق بحثا عن أسلحة دمار شامل استبان أنه لا وجود لها . وذات النظرية التي يستبيح بها الأقوياء هذه الأعمال، هي التي تنطلق منها في عالم اليوم والقانون الدولي مسئولية الدول عن تعويض أضرار وضحايا الحروب .

والحرب التي دارت في الشمال الأفريقي إبان الحرب العالميـة الثانية، بين إنجلترا من ناحية ودولتي المحور ألمانيا وإيطاليا من ناحية أخرى، هي حرب غريبة عن مصر وإن جرت جبرا على أراضيها، فمصر في ذلك الأوان كانت محتلة، وكانت إنجلترا هي دولة الاحتلال المالكة لزمام ومقادير القرار والفعل، ولم تكن لمصر مصلحة ولا هدف ولا ناقة في هذه الحرب التي فرضت فرضا على أراضيها بين المتصارعين من دول الحلفاء والمحور، وقد تأخر طويلا إلزام هذه الدول بالمساهمة في الخطة القومية المصرية لتطهير هذه الألغام عن أراضيها، بل الاضطلاع الكامل بأعمال وكافة تكاليف هذا التطهير، مشمولة بتعويضات كافية عما لحق بمصر من أضرار جسيمة متراكمة على مدار أكثر من نصف قرن، فإن لم يتراض الأطراف على تعويض مصر بالقدر الملائم لما أصابها من ضر وما فاتها من كسب بتعطيل مشروعاتها على هذه القطعة الغالية من أراضيها، وجب تصعيد الأمر إلى منظمات المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية بل وإلى المحكمة الجنائية الدولية لإقامة المسئولية وفرض وكفالة التعويض المستحق لمصر حكومة وشعبا على ما لحقها ويلحقها من أضرار جسيمة، ويوقف أي مشروعات لبناء العمار والمشروعات في هذه القطعة الغالية من أرض مصر !

أسمع وأقرأ من آن لآخر آخبارًا تبدو سارة عن التزام بريطانيا بمبالغ تختلف تقديراتها بين الصحف المختلفة والمواقع الإخبارية، ولكنى لم أقرأ للآن ما يفيد تمام سداد بريطانيا لها على هذه التعويضات، ولم أسمع ـ في حدود علمي ـ أن أيًّا من ألمانيا أو إيطاليا قد التزمت بالوفاء .

أخشى وقد غالبنا السبات وصحونا، أن نعود إلى ما اعتدنا عليه !!!

زر الذهاب إلى الأعلى