مستقبل المحاماة

بقلم الدكتور: أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2018م، عقدت جامعة مورجيت للقانون في لندن لقاءً للطلبة الجدد مع أربعة من كبار المحامين، حيث طرحت عميدة الكلية (Jill Howell Williams) التساؤل عن الكيفية التي ستبدو عليها شركات المحاماة في السنوات العشر القادمة.

وقد بدأ هذا اللقاء بكلمة لعميدة الكلية موجهة حديثها إلى الطلاب، قائلة: «تخيل يومك الأول كمتدرب، حيث تبدأ يومك بالانتقال بشكل سلس من المنزل إلى العمل مستقلاً حافلة بدون سائق، ثم تتناول من الروبوت الخاص بك مشروبك الساخن المفضل «شاي لاتيه سوبر فروت» قبل توجهك إلى المكتب.

ثم تدخل مكتبك وتنظر إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بك (الموجود على معصمك طبعاً)، للتحقق من أن ملف العميل قد تمت مراجعته أثناء الليل بواسطة خوارزمية ما، ومن ثم تم توزيعه تلقائياً على جميع الأطراف المعنية في كافة الدول. هذه هي الصورة المستقبلية التي رسمتها العميدة، عند استقبالها لأكثر من تسعين طالباً في حرم الجامعة، قبل انضمام نخبة من المحامين في مجموعة سيتي إلى الطلاب للتحدث عن مستقبل المهنة في فترة تتسم بالتغير والاضطراب الهائل.

وبالإشارة إلى رؤية العميدة، قالت المحامية «لويز بوسويل» (Louise Boswell)، وهي من كبار المحامين في شركة (CMS)، «إن بعض ما قيل في هذا الصورة موجود مسبقاً في حياتنا، ويمكنني أن أرى تحقق البعض الآخر في غضون العامين المقبلين، وبعضه قد يتطلب وقت أطول قليلاً». ومن وجهة نظر بوسويل، «على المدى الطويل، ستكون التكنولوجيا التحدي الرئيسي الذي سيواجه شركات المحاماة.

فالتكنولوجيا آخذة بالتطور المستمر؛ وبصراحة، إن شركات المحاماة التي لن تواكب التكنولوجيا ستتخلف عن الركب. ولهذا السبب ستجد أن معظم شركات المحاماة لديها الآن فريق مخصص للتركيز على معرفة ما هي آخر التطورات في التكنولوجيا وما الذي يجب عليهم فعله للتأكد من مواكبتهم التطور».

أما فيليب ساندرسون (Philip Sanderson)، الشريك في شركة روبس آند جراي، فقد تحدث في هذا اللقاء، مؤكداً أنه لكي تبقى في المقدمة أيها المحامي عليك مواكبة التطور، ولكن لا تتجاهل محاميي المدرسة القديمة، الذين يميلون إلى التقليل من أهمية التكنولوجيا في الوقت الحالي. وللتدليل على وجهة نظره، قال: انظر إلى شركات المحاماة التي حققت نجاحاً حقيقياً على مستوى العالم في الوقت الحالي – هل أصبحوا معروفين على هذا النحو بسبب نهجهم في التكنولوجيا؟ يمكنني أن أضمن لكم أن نجاحهم لم يكن نتيجة هذا السبب. يقول ساندرسون: «إن الأمر يتلخص في كونهم محاميين جيدين ومستشارين جيدين، أعتقد أن الناس في بعض الأحيان يصبحون مهووسين بالتكنولوجيا بشكل مفرط كما لو كانت هناك حدود جديدة عظيمة ستحدث ثورة في القانون».

وبعد ذلك، حكي السيد «ساندرسون» عن تجربته الشخصية مع التكنولوجيا في مزاولة مهنته، قائلاً: من الصعب تخيل أنه عندما انضم ساندرسون إلى مجموعة سيتي، لم يكن لديه جهاز كمبيوتر في مكتبه لمدة أربع سنوات، فقال ساخراً: «كانت المستندات تُطبع خارج مكتبي والتي يمكنني إجراء تغييرات عليها بواسطة مزيل الحبر – لا أعرف إذا كنت تعرف هذا المصطلح أصلاً…». وتساءل ساندرسون: «من الواضح أن التكنولوجيا قد تغيرت كثيراً خلال ذلك الوقت، ولكن هل تغيرت من حيث تحديد ما هو المطلوب لتكون محامياً جيداً أو شركة محاماة مرموقة؟» وبدلاً من ذلك، يتمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه شركات المحاماة حالياً، وفقاً لساندرسون، في العديد من الموضوعات الأخرى، مثل المنافسة الشرسة على سوق الخدمات القانونية، بدليل المعركة الكبرى للطلب على الخدمات القانونية التي استمرت على مر السنين بين نيويورك والقانون الإنجليزي. إن مسائل العولمة وكيف تتفاعل معها شركات المحاماة، وبريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، والاقتصاد البريطاني وغير ذلك من العوامل الجيوسياسية الأخرى، أعتقد بأنها ستكون مهمة جدًا بالنسبة لكم جميعاً.

كان هذا هو حديث بعض كبار المحامين البريطانيين إلى الطلبة في إحدى كليات القانون في العاصمة البريطانية لندن.

والسؤال الآن: ماذا لو عقدت نقابة المحامين المصرية أو إحدى كليات الحقوق في جامعاتنا ندوة أو لقاء علمياً لشباب المحامين أو لطلبة القانون، ويكون موضوع هذا اللقاء هو محاولة التنبؤ واستشراف المستقبل بشأن هذه المهنة العريقة، وما هي الآليات والوسائل التي تكفل تعزيز الدور المهني للمحامين المصريين على المستوي الوطني والإقليمي والعالمي. إن الابتكار في عمل المحامين ومكاتب وشركات المحاماة أمر لا غني عنه، إذا كنا جادين فعلاً في تطوير المهنة.

وللتدليل على ذلك، يكفي أن نشير إلى أن مكاتب المحاماة العالمية يوجد ضمن أعضاء مجالس إدارتها مدير مسؤول عن الابتكار (Chief innovation officer).

والابتكار قد يكون من خلال استغلال التكنولوجيا في أعمال المهنة ومواكبة التطور الحاصل في كافة المهن والوظائف، وقد يكون من خلال وسائل أخرى سواء فيما يتعلق بإدارة المكتب أو متابعة القضايا أو التعامل مع الموكلين وطالبي الاستشارات القانونية. والله من وراء القصد…

زر الذهاب إلى الأعلى