مسئولية رئيس تحرير الجريدة في قضايا النشر.. «حكم نقض»
كتب: علي عبدالجواد
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٩٦٠٣، لسنة ٨٨ قضائية، الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢٠/١٠/٢٧، أن مسئولية رئيس التحرير مفترضة مبناها صفته ووظيفته في الجريدة، ملازمتها له متى ثبت أنه يباشر عادة وبصورة عامة دوره في الإشراف، ولو صادف أنه لم يشرف بالفعل على إصدار هذا العدد أو ذاك من أعداد الجريدة، عهده ببعض اختصاصه لشخص آخر، لا يرفع عنه هذه المسئولية، ما دام قد استبقى لنفسه حق الإشراف عليه.
الحكم
باسم الشعب
محكمة النقض
دائرة الثلاثاء ( ج ) الجنائية
الطعن رقم ٩٦٠٣ لسنة ٨٨ القضائية
جلسة الثلاثاء الموافق ٢٧ من أكتوبر سنة ٢٠٢٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤلفة برئاسة السيد المستشار/ مجدي عبد الحليم ” نائب رئيس المحكمة “
وعضوية السادة المستشارين/ يوسف قايد ” نائب رئيس المحكمة “
هاني صبري، محمد أبو المكارم وتامر جاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) صحافة. “مسئولية رئيس تحرير الجريدة”. سب. قذف.
مسئولية رئيس التحرير: مفترضة مبناها صفته ووظيفته في الجريدة. ملازمتها له متى ثبت أنه يباشر عادة وبصورة عامة دوره في الإشراف ولو صادف أنه لم يشرف بالفعل على إصدار هذا العدد أو ذاك من أعداد الجريدة. عهده ببعض اختصاصه لشخص آخر. لا يرفع عنه هذه المسئولية. ما دام قد استبقى لنفسه حق الإشراف عليه.
(٢) حكم ” بيانات حكم الإدانة ” ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “.
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي لما رتبه عليها واستعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي. محقق لحكم القانون.
(٣) سب وقذف. محكمة النقض ” سلطتها “. حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “.
القذف المعاقب عليه. ماهيته ؟
لمحكمة النقض مراقبة استخلاص قاضي الموضوع لوقائع القذف من عناصر الدعوى. علة ذلك ؟
مثال.
(٤) سب وقذف. قصد جنائي. محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي “. حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “.
استظهار القصد الجنائي في جريمة القذف. موضوعي.
استخلاص الحكم المطعون فيه بمدوناته قصد التشهير علناً بالمدعي بالحق المدني. كفايته للتدليل على سوء نية الطاعنة.
(٥) سب وقذف. جريمة ” أركانها “. قصد جنائي. موظفون عموميون. حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “.
الخوض في مسألة النية في جرائم القذف والسب والإهانة. لا محل له. متي تحقق القصد الجنائي فيها. حد ذلك ؟
إدانة الطاعن بعد عدم تمكنها من إقناع المحكمة بسلامة نيتها والتدليل على حقيقة ما أسندته إلى المدعي بالحق المدني. لا عيب.
(٦) دفوع ” الدفع بنفي التهمة “. دفاع ” الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره “. محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير أقوال الشهود “.
الدفع بنفي التهمة. موضوعي. لا يستأهل رداً. استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها. غير جائز أمام محكمة النقض.
(٧) صحافة. “مسئولية رئيس تحرير الجريدة “. سب. قذف.
النعي بعدم استخدام المدعين بالحقوق المدني حق الرد المقرر بالمادة ٢٤ من القانون ٩٦ لسنة ١٩٩٦. علة ذلك ؟
(٨) عقوبة ” تطبيقها “. مصادرة. حكم ” تسبيبه. تسبيب معيب “. نقض ” حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون “. صحافة. نشر.
إدانة الطاعن بجريمة الإخلال بواجب الإشراف على النشر وتوقيع غرامة تجاوز الحد الأقصى. خطأ في تطبيق القانون. تصححه محكمة النقض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- لما كان الحكم قد دان الطاعن بجريمة الإخلال بواجب الإشراف على النشر المنصوص عليها بالمادة ۲۰۰ مكرر/أ من قانون العقوبات والتي تنص على أن “…. تكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف على النشر مسئولية شخصية…. “، وكان الطاعن هو رئيس التحرير المسئول جنائياً طبقاً لحكم المادة سالفة البيان، ويجب أصلاً أن يكون رئيساً فعلياً، أي أنه يجب أن يباشر التحرير بنفسه أو يشرف عليه أو يكون في استطاعته هذا الإشراف – وهو ما لا يماري فيه الطاعن – وتكون مسئولية رئيس التحرير الجنائية مبنية على افتراض قانوني بأنه اطلع على كل ما نشر في الجريدة وأنه قدر المسئولية التي قد تنجم عن النشر ولو لم يطلع فعلاً، وهو لا يستطيع دفع تلك المسئولية بإثبات أنه كان وقت النشر غائباً عن مكان الإدارة أو أنه وكل إلى غيره القيام بأعمال التحرير أو أنه لم يطلع على أصل المقالة المنشورة أو أنه لم يكن لديه الوقت الكافي لمراجعتها، ويظهر من ذلك أن المسئولية الجنائية في جرائم النشر أتت على خلاف المبادئ العامة التي تقضي بأن الإنسان لا يكون مسئولاً إلا عن العمل الذي يثبت بالدليل المباشر أنه قام به فعلاً، فهي إذن مسئولية استثنائية رتبها القانون لتسهيل الإثبات في جرائم النشر، ومتى كان الأمر كذلك فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه، ويجب قصر تلك المسئولية الفرضية على من نص القانون عليهم بشأنها، فمتى وجد رئيس التحرير – بحسب ما تقدم بيانه – أصبح مسئولاً جنائياً بهذا الوصف عن كل ما ينشر في الجريدة التي يرأس تحريرها، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـــــــــــــــــع
اتهمت النيابة العامة الطاعن – وآخرين سبق الحكم عليهما غيابياً – في قضية الجنحة رقم …. لسنة ٢٠١٣ جنح الدقى ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم …. لسنة ٢٠١٤ كلي ) بأنه في يوم ١٨ من يونيو لسنة ٢٠١٢ بدائرة قسم الدقى – محافظة الجيزة :
المتهمان الأول والثانى :
– قذفا بإحدى طرق العلانية موظفين عموميين / …. رئيس محكمة بمحكمة جنوب القاهرة، و…. قاضى بمجلس الدولة، والفريق / …. وكيل جهاز المخابرات العامة، و…. ضابط شرطة، و….، وذلك في الخبر الذى حرروه ونشر بجريدة …. العدد …. بتاريخ ١٨ من يونيو لسنة ٢٠١٢ والمعنون بلاغات تتهم النيابة العامة بمجاملة لواء بجهاز سيادي وحفظ القضية المتهم فيها ابنه وكيل جهاز سيادي بعد مكالمة تليفونية، بأن أسند إليهم على لسان المتهم الثاني استعمالهم لنفوذهم لحفظ البلاغ الرقيم …. لسنة ٢٠١٢ المقدم ضدهم من المتهم الثاني واكتفت النيابة العامة بتحقيقها بواسطة موظف الاستيفاء أمين شرطة دون تحقيق قضائي وأمروا بحفظها حيث إن من بين المشكو في حقهم قاضيين أحدهما بمجلس الدولة ويدعى / ….، وشقيقه / …. بمحكمة جنوب القاهرة، والأول زوج شقيقة المشكو في حقها الأولى / …. زوجة مقدم البلاغ، ودهس قانون العقوبات تحت الأقدام لصالح وكيل الجهاز السيادي وأقاربه وقيامهم باحتجاز حارس العقار الذي يقطن به المتهم الثاني واستيلائهم على هاتفه المحمول، وكان ذلك بسوء قصد وبلا سند لكل قالة أسندوها إليهم.
المتهم الثالث ” الطاعن ” :
– بصفته رئيس تحرير جريدة …. أخل بأداء واجبات وظيفته المنوط به أدائها حال كونه مشرفاً على النشر بالجريدة، وذلك بأن تقاعس عن أداء واجب الإشراف على المقال محل الاتهام الأول ولم يباشر اختصاصه الوظيفي من حذف وتعديل ما يلزم مما ترتب عليه نشر المقال محل التهمة الأولى بما تضمنه من عبارات قذف.
وأحالتهم لمحكمة جنايات الجيزة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت غيابياً بتاريخ ٥ من مارس لسنة ٢٠١٤ وعملاً بالمواد ١٧١، ٣٠٢، ٣٠٣، ٣٠٦، ٣٠٧ من قانون العقوبات بمعاقبة كل من …. و….، و…. بتغريمه مبلغ ثلاثين ألف جنيه، وألزمتهم المصاريف الجنائية، وبإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة بلا مصروفات.
فعارض المحكوم عليه / …. وقُضي في معارضته بتاريخ ١٠ من يناير لسنة ٢٠١٨ بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه والمصاريف.
فطعن الأستاذ / …. المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ ٢٧ من فبراير لسنة ٢٠١٨، وبذات التاريخ أودعت مذكرة بأسباب الطعن بالنقض موقعاً عليها من ذات المحامي المقرر.
وبجلسة اليوم حيث سمعت المحكمة المرافعة كما هو مبين بمحضر الجلسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن المادة ٣٠ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ المستبدل بالقانون رقم ٧٤ لسنة ۲۰۰۷ لا تجيز الطعن بطريق النقض في الأحكام الصادرة في مواد الجنح المعاقب عليها بالغرامة التي لا تجاوز عشرين الف جنيه، ومن ثم فإن مناط عدم جواز الطعن هو قدر العقوبة المقررة بالحدود التي تضمنها النص، تقديراً من المشرع بأن العقوبة المذكورة في قصارى حدها الأقصى ليست من الخطورة أو الأهمية التي تتناسب مع إجازة الطعن فيها بطريق النقض، ومن ثم فإن الحكم الصادر في هذه الجرائم إذ لم يلتزم الحد الأقصى للعقوبة المقررة، بأن جاوز وأوقع عليه عقوبة أشد منها، فلا يسوغ أن يغلق أمام المحكوم عليه طريق هذا الطعن بعد أن أهدر الحكم الاعتبارات التي قدرها المشرع وكانت أساس هذا الحظر، والقول بغير ذلك أمر تأباه العدالة وينفر منه منطق القانون وتنأى عنه محكمة النقض، لكون وظيفتها الأساسية هو مراجعة صحة تطبيق القانون لما فيه من التسليم بعقوبة محکوم بها نهائياً لم ينص عليها القانون، وهو يخالف قاعدة شرعية الجرائم والعقاب والتي تعني حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون بحيث لا يجوز للقاضي أن يوقع عقوبة غير العقوبة التي حددها المشرع في هذا النص متقيداً بنوعها ومقدارها، وإهدار هذا المبدأ هو اهدار لحقوق الأفراد، ومن ثم يكون استدراك هذا الخطأ بإجازة الطعن فيه بطريق النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة الإخلال بواجب الإشراف على النشر لكونه رئيس تحرير جريدة …. وترتب على ذلك قذفاً لموظفين عموميين والمعاقب عليها بالغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، إلا أنه لم يلزم الحد الأقصى للعقوبة المقررة التي نص عليها القانون بل جاوزها مؤيداً الحكم الغيابي فيما قضى به من تغريم الطاعن مبلغ ثلاثين ألف جنيه، فإنه يكون من المتعين إجازة الطعن فيه بطريق النقض، باعتبار أنه السبيل القانوني الوحيد أمام المحكوم عليه لتصحيح الخطأ الذي تردی فيه الحكم.
ومن حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه باعتباره رئيس التحرير لجريدة …. بجريمة الإخلال بواجبات الإشراف على النشر لمقال ترتب عليه قذفاً لموظفين عموميين، قد شابه قصور في التسبيب، وانطوي على بطلان، وإخلال بحق الدفاع، وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن أسبابه جاءت في عبارات مرسلة ومبهمة على نحو ينبئ أن المحكمة لم تحط بواقعة الدعوى، وجاء قاصراً في استظهار الركنين المادي والمعنوي في حقه، إذ لم ينطو المقال على ألفاظ تجريح للمطعون ضدهم، كما خلت الأوراق من دليل يقيني قبله، ودانه رغم أنه لم يقم بثمة فعل مادي مؤثم، وتم تحريك الدعوى الجنائية عليه بصفته وليس بشخصه، ورغم حسن نيته واعتقاده بصحة الوقائع التي أسندت إلى المطعون ضدهم، وأن الغرض منها هو المصلحة العامة مما يعد سببا من أسباب الإباحة، وعدم استعمال المدعين بالحق المدني لحق الرد المكفول لهم بالمادة ٢٤ من القانون ٩٦ لسنة ١٩٩٦، فضلاً على بطلان ورقة التكليف بالحضور لشواهد عددها، كما قضى الحكم بمعاقبته بغرامة تزيد عن الحد الأقصى للعقوبة المقررة لتلك الجريمة، وأخيراً التفت عن الرد على ما أثاره من دفوع جوهرية، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث أنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن ما أثبته في مدوناته كافٍ لتفهم واقعة الدعوى وظروفها حسبما تبينتها المحكمة وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو كافٍ، وكان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، كان ذلك محققاً لحكم القانون. لما كان ذلك، وكان الأصل في القذف والسب الذي يستوجب العقاب قانوناً هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه، ومن حق قاضي الموضوع أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى، ولمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها ومرامي عبارتها لإنزال حكم القانون ووجهه الصحيح، وكان الحكم المعارض فيه المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أورد الوقائع والأخبار والمقال الذي نشرته جريدة …. وانتهى صائباً إلى أنها توجب لو صحت عقاب المسند إليه واحتقاره عند أهل وطنه، الأمر الذي تتوافر به في حق الطاعن جريمتا القذف والسب كما هما معرفتان به في القانون، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن استظهار القصد الجنائي في جريمتي القذف والسب علناً من اختصاص محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها دون معقب عليها ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، فإن الحكم إذ استخلص قصد التشهير علناً بالمدعين بالحقوق المدنية يكون قد دلل على سوء نية الطاعن وتوافر ركن العلانية بما يسوغ الاستدلال عليه وتنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكانت حرية الصحفي هي جزء من حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص، وكان القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً خاصاً بل يكتفي بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف أو إحتقاره، ولا يؤثر في هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية، أي معتقداً صحة ما رمی به المجني عليه من وقائع القذف، ولما كان الثابت من العبارات التي حصلها الحكم نقلاً عن صحيفة …. أنه قصد بها النيل من المدعين بالحقوق المدنية، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد تضمن بیان القصد الجنائي على وجهه الصحيح، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الدليل موكول لمحكمة الموضوع، وأنه متى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك، ولما كانت الأدلة التي أوردها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها، فإن ما يثيره الطاعن من خلو الأوراق من دليل يقيني على ثبوت الاتهام قبله لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دان الطاعن بجريمة الإخلال بواجب الإشراف على النشر التي المنصوص عليها بالمادة ۲۰۰ مكرر/أ من قانون العقوبات والتي تنص على أن “…. تكون مسئولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف على النشر مسئولية شخصية…. ” وكان الطاعن هو رئيس التحرير المسئول جنائياً طبقاً لحكم المادة سالفة البيان، ويجب أصلاً أن يكون رئيساً فعلياً، أي أنه يجب أن يباشر التحرير بنفسه أو يشرف عليه أو يكون في استطاعته هذا الإشراف – وهو ما لا يماري فيه الطاعن – وتكون مسئولية رئيس التحرير الجنائية مبنية على افتراض قانوني بأنه اطلع على كل ما نشر في الجريدة، وأنه قدر المسئولية التي قد تنجم عن النشر، ولو لم يطلع فعلاً، وهو لا يستطيع دفع تلك المسئولية بإثبات أنه كان وقت النشر غائباً عن مكان الإدارة، أو أنه وكل إلى غيره القيام بأعمال التحرير، أو أنه لم يطلع على أصل المقالة المنشورة، أو أنه لم يكن لديه الوقت الكافي لمراجعتها، ويظهر من ذلك أن المسئولية الجنائية في جرائم النشر أتت على خلاف المبادئ العامة التي تقضي بأن الإنسان لا يكون مسئولاً إلا عن العمل الذي يثبت بالدليل المباشر أنه قام به فعلاً، فهي إذن مسئولية استثنائية رتبها القانون لتسهيل الإثبات في جرائم النشر، ومتى كان الأمر كذلك فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه، ويجب قصر تلك المسئولية الفرضية على من نص القانون عليهم بشأنها، فمتى وجد رئيس التحرير- بحسب ما تقدم بيانه -أصبح مسئولاً جنائياً بهذا الوصف عن كل ما ينشر في الجريدة التي يرأس تحريرها، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن أوجه البطلان المتعلقة بإجراءات التكليف بالحضور ليست من النظام العام فإذا حضر المتهم أو بوكيل عنه فليس له أن يتمسك بهذا البطلان، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن وكيل الطاعن مثل بجلسات المحاكمة وأبدى دفاعه، فلا يكون مقبولاً ما يثيره الطاعن بشأن الدفع ببطلان ورقة التكليف بالحضور ما دام أنه يعتبر دفعاً قانونياً ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكانت المادة ۲٤ من القانون رقم ۹٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن تنظيم الصحافة قد ألغيت بالقانون رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ المنشور بتاريخ ٢٧/٨/٢٠١٨، فإن ما ينعاه الطاعن من عدم استخدام المدعين بالحق المدني حق الرد بناء على ذلك النص لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الحكم الغيابي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أوقع على الطاعن عقوبة الغرامة ثلاثين ألف جنيه، رغم أن الحد الأقصى المقرر لجريمة الإخلال بواجب الإشراف على النشر التي دان الطاعن بها والمنصوص عليها في المادة ٢٠٠ مكرر/أ من قانون العقوبات، هو الغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف جنيه، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه أن تصحح محكمة النقض هذا الخطأ عملاً بحقها المقرر قانوناً، وذلك بقصر عقوبة الغرامة المقضي بها على الطاعن على عشرة آلاف جنيه، ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة / قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً بجعل عقوبة الغرامة المقضي بها على الطاعن عشرة آلاف جنيه، ورفض الطعن فيما عدا ذلك.