مدونة السلوك في ضوء الواقع
بقلم: الأستاذ/ أشرف الزهوي
المحاماة مهنة جليلة، تسمو برسالتها فوق كل الاعتبارات المهنية، وعلى من يزاولها، أن يكون جديرا بحمل لقب محام، فيتسم بالاستقامة في سلوكه والنبل في تصرفاته، حسنا في مظهره، مما يضفي الوقار والهيبة على هذه المهنة، وضمانا لحسن الآداء، واكتساب المبادئ الأولى للمحاماة.
كانت فترة التدريب بالنسبة للمحامي؛ من أهم مراحل العمل بالمحاماة. من هذا المنطلق علينا أن نضع قواعد السلوك المهني والأخلاقي للمحامين، بحيث نرتقي بمهنتنا ونحفظ للمحاماة هيبتها. ويمكن تلخيص مانراة من اعتبارات يجب أن تتضمنها مدونة السلوك المهني في النقاط التالية :
وضع أسس وضوابط لمرحلة التدريب، تعتمد على برنامج تأهيلي بأحدث الأساليب العلمية وعدم ترك هذه الفترة، للاجتهاد أو التجريب أوبشهادة تصدر من مكتب محام للمدرب باجتياز فترة التدريب، دون قضاء فترة تدريب وصقل حقيقية. لأنه وللأسف الشديد قد يحرص المحامي المبتدئ على الالتحاق بمكتب احد المحامين القدامى، أملا في التعلم، ثم يفاجأ بأنه يتعلم بطريق الصدفة!! نعم يحدث هذا احيانا لأسباب متعددة، منها عدم قدرة المحامي الذي تم الالتحاق بمكتبه على توصيل المعلومات باسلوب تدريجي علمي، يتناسب مع مستوى المحامي المبتدئ وقد يمضي هذا الشاب أغلب فترة التدريب في الاصطفاف أمام خزينة المحكمة لسداد الرسوم أو لاستخراج شهادة من الجدول أو قضاء جل وقته في انتظار حضور جلسة ليطلب أجلا للاطلاع أو المذكرات. وعلى العكس من ذلك، فقد يقوم المحامي بتدريب هذا الناشئ فيصطدم بعدم رغبته في القراءة والاطلاع والتركيز كما كان حال أسلافنا.
لذلك يجب أن يكون البرنامج التدريبي موحدا ومبنيا على أسس علمية. ويكفي أن نلقي نظرة على أجندة الأحكام المدنية لنكتشف حجم المأساة… اغلب الأحكام، يقضي فيها بعدم قبول اوعدم اختصاص أو عدم جواز أو رفض الدعوى بما ينبئ عن وجود خلل ما.
الثقافة جزء من عوامل نجاح المحامي في أداء رسالته، فالقوانين ليست نصوص صماء جامدة، بل هي تعبير عن حاجة المجتمع لضبط الحياة والسلوك المجتمعي في ضوء مقتضيات العقل والمنطق، وإلمام المحامي ببعض العلوم يخدم عمله بالمحاماة، فالحديث في قضايا الضرب يقتضي الإلمام بمعنى الخدش والجرح القطعي والرضى والكدمة وماهي أداة الضرب المستخدمة التي تؤدي لنوع الإصابة وهذا يدخل في الثقافة الطبية. ودراسة اللغة العربية والقواعد النحوية والبلاغة والأدب تمثل جزء مهم للمحامي في عمله.
كذلك الحال في أغلب القضايا التي تستعين فيها المحكمة بأهل الخبرة سواء كان ذلك بتقدير المحكمة أو بقوة القانون مثل قضايا الفرز والتجنيب في العقارات الشائعة، حيث يحتاج المحامي إلى الإلمام بعلم المواريث والأمور الحسابية والمساحية.. الخ وبتجربة شخصية استطعت الحصول على البراءة في جنائيا إحراز مخدر البانجو وفقا لقانون الديناميكا ( الحركة) في حساب السرعة والمسافة مقرنين بالزمن.
إذن لابد من عقد الندوات والمحاضرات واللقاءات الدورية لبث هذا المفهوم والحث على المعرفة في شتي فروع العلوم المختلفة.
تعتمد كليات الشرطة ومعاهد تدريب أعضاء النيابة على العلوم القانونية والاجتماعية والنفسية ليخرج رجل الأمن متسلحا بالعلم والثقافة التي تخدم مهنته. هكذا يجب أن يكون الحال بالنسبة للمحامي.
الهيبة والوقار : إذا ملك المحامي العلم والثقافة وتسلح بالثقة بالنفس والإيمان بقضيته بعد دراستها بالدقة والعناية ثم حافظ على مظهره بارتداء الزي الذي يليق به كمحام ثم حافظ على هيبته ووقاره أثناء عمله كان ذلك سبيلا إلى نجاحه وتفوقه وفرض احترامه.
ضبط التعامل المادي بين المحامي وموكلة بوضع نموذج للتعاقد بينهما يضمن التوازن والحقوق للطرفين ويحمي المحامي من تلاعب بعض الموكلين أو الإيقاع بالمحامي وتوريطه في مشكلات أو مخالفات كان يمكن تفاديها بنوع من الحذر والانتباه، وهذه الجزئية تحتاج إلى شرح تفصيلي في ضوء الواقع العملي.
ضوابط حضور الجلسات ونوتة الانابة.. كنت ولازلت متمسكا برأي في ضرورة إثبات صفة المحامي من خلال كارنيه النقابة عند حضور الجلسات والتوقيع على محضر الجلسة، حتى نضع الضوابط الفعلية أثناء إدارة الجلسة ونضمن إثبات الطلبات ونمنع التلاعب والتحايل وانتحال الصفة وحضور غير المحامين في القضايا في ظل إثبات الحضور شفويا، ولايقلل ذلك من شان المحامي بل يضمن حمايته ويمنع كل صور التحايل التي تحدث يوميا في الجلسات.
يجب تشكيل لجنة ثلاثية من المحامين يتم تشكيلها بمعرفة النقابة الفرعية للتواجد يوميًا في كل المحاكم تتولى التعامل مع المشكلات الطارئة والسلوكيات المعوجة وتتصدي لصلف وتعنت بعض الموظفين في المحاكم بأسلوب ذكي يحترم القانون ويحمي الحقوق متسلحا بالأسلوب الحضاري في الحوار والمناقشة. وتتولي هذه اللجنة ضبط سلوك المحامي الذي ينحرف عن جادة الصواب. لأن من أعلى مراتب العدل القياس على النفس!!!
توفير قنوات للتواصل والتفاعل بين المحامين، ممثلا في نقابتهم العامة والفرعية، وبين المؤسسات والأجهزة الحكومية لضبط العلاقة والإلمام باللوائح وتيسير التعامل، وتخفيف الأعباء من خلال الفهم الصحيح للقانون، مثل الشهر العقارى وأقسام الشرطة ومجالس المدن والأحياء…الخ، وأغلب المؤسسات تقوم بطباعة كتيبات صغيرة لتوضيح كيفية التعامل وفقا للوائح والتعليمات وهذه من الأمور التي يجب توفيرها للمحامين بالتنسيق مع هذه المؤسسات.
ومن أمثلة ذلك كتيب وزارة الداخلية الصادر من مركز بحوث الشرطة بعنوان دليل الخدمات الشرطية للمواطنين والذي يتم توزيعه مجانا في المناسبات المختلفة مثل معرض الكتاب والندوات التثقيفية.
قد لايتسع المقام لعرض كل المقترحات، ولافساح المجال للأفاضل من الزملاء لعرض أفكارهم، فإنني أنهى مقترحاتي من أجل وضع مدونة للسلوك المهني تليق بالمحاماة والمحامين بضرورة جعل المقترحات المنشودة في إطار مسابقة بحثية تتباري فيها الأقلام وتتنافس عليها الخبرات، فلا يكفي في تصوري واعتقادي أن تكون الأفكار المطروحة من خلال إنشاء صفحة عبر الفيس بوك من أجل وضع مدونة السلوك المهنى أو أن شئنا الدقة ميثاق شرف وعمل لكل من يمارس المحاماة، لأن الفكرة صائبة والعمل هادف ونبيل.