محمد فريد شهيد الوطنية الذى لاقى الجحود والنكران (11)

من تراب الطريق ( 1267 )

بقلم الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين رئيس اتحاد المحامين العرب

نشر بجريدة المال الأربعاء 23/2/2022

ــــــــــــــــ

استأنف الأستاذ يحيى حقى عتابه ـ ونحن معه ـ لثورة 1919 فى موقفها من الزعيم الوطنى محمد فريد ، فيؤكد أنه لا يتحدث بلسان المؤرخ ، بل يحاول تصوير وجدان صبى ( يقصد نفسه فهو مواليد 1905) ، كان يمشى فى المظاهرات سنة 1919 ، وشمله المناخ الجديد .

بغير توجبه من أحد ، فإنه لم يفهم لماذا ترحب الثورة بتمزيق صحيفة «المقطم» ، فهى ربيبة الإنجليز ، بينما لا ترحب بالهتاف بسقوط السلطان فؤاد .

إن كان هذا الصبى ـ فيما يقول ـ متألمًا فى قرارة نفسه لما جرى لمحمد فريد ، متململاً من اتصاف الثورة والوطن بالعقوق ، فإنه قد فهم بغريزته أن «أوراق اللعب» تبدلت ، كانت فى الحزب الوطنى ( القديم ) تشمل بالأمس « تركيا + دولية قضية مصر + لا مفاوضة إلاَّ بعد الجلاء + المطالبة لا بوحدة مصر والسودان وحده بل بالملحقات أيضًا ! + زيلع وهرر ومصوع ولا يدرى ماذا أيضًا » ، فإنهم قد أحسُّوا وهم يمشون فى المظاهرات أن هذا كله ضربٌ من الأحلام أو المعوقات ، وأن ثورة 1919 لها نظرة جديدة عملية ، مختلفة كل الاختلاف ، لذلك قبلوا ـ ولو على مضض ـ « ركنة » محمد فريد ، وإن ظل فى قلوبهم صوت يوسوس : ولا محـل فى الثورة « لزعيمين » ، ومحمد فريد إما أن يكون زعيمًا وإما أن يكون لا شىء ، ولا وسط ، ولكنهم لم يتصوروا يومئذ أن النظرة العملية التى نسبوها للثورة قد تهبط إلى حد قبول المساومة على حقوق الوطن ، وتمام استقلاله ، ولم يعلموا إلاَّ فيما بعد وبأسف شديد أن المساومة كانت على حساب زعماء هذه الثورة من أول يوم لهم !

ما لم يقله الأستاذ يحيى حقى ، أن هذا كان حال قيادة ثورة 1919 ذاتها ، فنحن نعرف أن الذين ذهبوا إلى المعتمد البريطانى ثلاثة : سعد زغلول ، وعبد العزيز فهمى ، وعلى شعراوى ، وما هى إلاَّ سنوات قصيرة إلاَّ وخرجوا تباعًا من الساحة ، وطال ذلك كل من شكّلوا نواة الوفد المصرى وعضده ، فقد توالى اختفاؤهم واحدًا وراء الآخر ، مع أن أحدًا من هؤلاء ـ وكلهم شخصيات كبيرة من وزن عبد العزيز فهمى ، وأحمد لطفى السيد ، ومحمد على علوبة ، وإسماعيل صدقى ، وعلى ماهر ، ومحمد محمود ، وإنما كانوا فقط أصحاب رأى ، فلم يتسع لهم صدر الزعيم ، حتى عدلى يكن ، رئيس الحكومة ، لم يقبل الزعيم أن يكون بحكم منصبه كرئيس لوزراء مصر ، رئيسًا لوفدها فى المفاوضات ، وإزاء عدم معقولية المطلوب ، أبدى أقطاب الوفد لزعيمه أن ما يطلبه ويصمم عليه غير جائز ، وأن المصلحة الوطنية تقتضى أن يترأس رئيس الوزراء الوفد المصرى فى المفاوضات ، ولكن سعد زغلول لم يقبل رأى زملائه من أقطاب الوفد ، ولم يقبل المنطق الذى يحسم المسألة ، وطفق ينعت عدلى يكن بأوصاف ثقيلة تشكك وتمس وطنيته ، قائلاً إن معنى ترأسه للوفد أن جورج الخامس يفاوض جورج الخامس.

من يدرس تاريخ ثورة 1919 ، يرى بوضوح أن قمة قيادتها لم تتسع إلاَّ لواحد فقط ، وأن أصحاب الرأى انصرفوا أو صرفوا من حوله تباعًا وترك هذا غصة لدى عبد العزيز باشا فهمى ، طلّق السياسة من أجلها ، ورفض من مرارته أن يتحدث حتى فارق الدنيا. وهذه الظاهرة قد لحقت بالوفد بعد وفاة الزعيم سعد زغلول !

زر الذهاب إلى الأعلى