استأنف شهيد الوطنية سعيه ، فحضر مؤتمر السلام الذى عقد فى عاصمة هولندا فى أغسطس 1913 ، وحضره معه بعض أقطاب الحزب الوطنى ، وتحدث فيه عن شئون مصر وحركتها الوطنية وتطلعها إلى حقها فى الاستقلال .
وإذ عاد من هولندا إلى جنيف ، فقد لبى دعوة « جمعية أبى الهول » التى كان يرأسها الدكتور يحيى أحمد الدرديرى ، وأقامت له الجمعية حفل تكريم فى آخر ديسمبر 1913 .
وفى لندن ، اشترك الوطنى المجاهد فى مؤتمر الأجناس المضطهدة المعقود فى فبراير 1914 ، واستثمر حضوره فى بسط القضية الوطنية المصرية ، فكعادته انصبت خطبته على الأحوال فى مصر وقانون الصحافة فيها ، ووجوب تحريرها من ربقة قانون المطبوعات ، ونجح فى دفع المؤتمر إلى تضمين توصياته إرسال برقيتين إلى الخديو وإلى الجمعية التشريعية بإلغاء قانون المطبوعات والقوانين الاستثنائية والعفو عن المحكوم عليهم بمقتضاها.
ومن لندن ، انتقل محمد بك فريد إلى ليون ، ليساهم وبعض المحامين منهم الأستاذ عزيز ميرهم المحامى وعضو مجلس الشيوخ فيما بعد ، فى احتفالية ضخمة أقيمت 29 مايو 1914، وحضرها فيمن حضروا من كبار المسئولين الفرنسيين ـ الأستاذ « لامبير » ناظر مدرسة الحقوق الخديوية السابق فى مصر ، والأستاذ بكلية الحقوق بليون . يقول لهم محمد فريد بيانا لبدء اليقظة المصرية : « لا تظنوا أن أبا الهول نائم .. كلا فإنه ينام بإحدى عينيه ، وينظر بالأخرى إلى الأمم الفاتحة التى توالت على مصر ، وذهبت كأمس الدابر !! » .
ومن ليون إلى مؤتمر الشبيبة الذى اختير محمد فريد رئيسـا له ، والمعقــود فى جنيــف فى 25 يوليو 1914، وألقى فيه خطبة عن تاريخ الحركـة الوطنية المصرية ، وكـذا المحامـى السكندرى الأستاذ عبد العزيز خضر .
مصر للمصريين وموقفه فى تركيا .
يذكر الكُتَّاب ، للأستاذ أحمد لطفى السيد أستاذ الجيل ، دعوته أن تكون « مصر للمصريين » والتصقت به هذه الدعوة حتى صارت تنسب إليه ، ولكن الإنصاف يقتضى الإشارة إلى شركاء فى هذه الدعوة .. وكان الأستاذ محمد بك فريد من السباقين إلى اعتناق أن تكون مصر للمصريين ، وحيال الترك أيضا ، وتبنى هذه الدعوة فى اجتماع الوطنيين المصريين بجنيف فى ديسمبر 1915 ، وفى خطبته أعلن أن مطالبته هى بالاستقلال التام عن كل من انجلترا وتركيا ، وعرَّضه ذلك لجفاء وشكوك الأتراك ، وبسبب ذلك لاقى حال وجوده بالآستانة فى فبراير 1916 ـ لاقى عنتا وتضييقا من السلطات التركية ومن طلعت بك ( باشا ) وزير الداخلية ، ويروى أحمد شفيق باشا فى مذكراته (3/364 ـ 368 ) ـ ما صادفـه محمد بك فريد من عنت فى الآستانة واللقاء الجاف الذى دار بينه وبين طلعت بك ( باشا ) ، كما يروى الرافعى ( محمد فريد 392/393 ) ثبات وصلابة محمد بك فريد وموقفه المشرف فى هذا اللقاء ومصادرته على التحقيق الذى أرادوا إجراءه معه !
يُعقّب عباس العقاد على ذلك ( رجال عرفتهم ـ كتاب الهلال ) فيقول إن محمد فريد : « قد غادر وطنه والعداء بينه وبين الخديو عباس على أشد ما يكون العداء ، وقد علم وهو فى الآستانة أن العسكريين من رجال الدولة ( العثمانية ) يقصدون بالحملة على مصر فى أثناء الحرب العالمية الأولى ـ أن يغيروا نظام الحكم فى البلاد المصرية ويتعرضوا لحقوقها وعرشها .. علم هذا وهو فى قبضة أيديهم ، ولعله فى حاجة ماسة إلى كل معونة منهم ، ولا ملاذ له من غضبهم فى مصر ، لأنها موصدة أمامه ، ولا فى أوروبا لأنها تضطرب بأهوال الحرب فى كل بقعة من بقاعها ، فلم يحفل بشىء مما يصيبه من جراء غضبهم ، وراح يعلنهم باستنكاره لخطتهم واحتجاجه عليهم ، وعلق فى عروة كسائه شعار « مصر للمصريين » وقد كان أبغض شعار إلى القائمين بالأمر فى الآستانة يومذاك » !