محمد فريد الزعيم النبيل الشهيد (4)
من تراب الطريق ( 1260 )
نشر بجريدة المال الأثنين 14/2/2022
ـــــــــــــــــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ: رجائى عطية
خرج محمد بك فريد من السجن ــ بعد تنفيذ كل العقوبة ــ خرج في 18 يوليو 1912 ، ليكتب مقالاً ناريًّا في جريدة الحزب الوطنى ، تحت عنوان : « من سجن إلى سجن » ! أما السجن الذى خرج إليه ، فهو سجن الأمة المصرية الذى تحده سلطة الفرد ويحرسه الاحتلال !
طفق محمد بك فريد ، يواصل جهاده للمطالبة بالاستقلال وبحقوق الشعب منبهًا إلى أن الأمم التى أملت أن تتعايش مع أمم قوية ، سرعان ما اكتشفت أن تلك الدول لم تراع عهدًا ، ولم تعمل إلاَّ لمصلحتها ، وها هى موارد مصر تستنفد ، وأنه ليس يكفى الشباب أن يعرف حقوق وطنه ، إنما عليه أن يبثها إلى الشعب ليعرف طريقه إلى الحرية والاستقلال !
تربصت سلطات الاحتلال به الدوائر ، وجعلت تتحين الفرص للنيل منه وضرب الحركة الوطنية بتصفية رأسها ، فلما واصل محمد بك فريد دعوته ، وتبنى تأليف نقابات العمال ، وأثار وجوب العناية بالفلاح والعامل ، وأنشأ مدارس للشعب للتعليم وبث الوعى , وطفق يحث على الجهاد ضد الاحتلال ويطالب بدستور للبلاد ، وما إن ألقى محمد بك فريد خطبته في المؤتمر الوطنى في مارس 1912 ، حتى وجدتها السلطات فرصة للانقضاض عليه !
ولم تضيّع السلطات وقتًا ، ففى مساء 24 مارس 1912 ، يصل إلى محمد بك فريد اخطار على منزله بوجوب المثول أمام النيابة صباح الاثنين 25 مارس ، واذا بالنيابة بعد هذا الاستدعاء السريع ، تستجوبه في بعض فقرات خطبته ، بدعوى أنها تنطوى على التحريض على كراهية الحكومة .
لم يكن الدفاع صعبًا ، فما أبداه نقدٌ مشروع تتناوله الكلمات في مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية ، والنقد المشروع من المحال أن يُحمل على أنه تحريض على كراهية الحكومة .
بيد أنه لم يكن هناك استعداد لدى السلطات لقبول المنطق والحجة ، وانتهى التحقيق الذى حضره أعلام المحاماة إلى جوار الزعيم ، بإقامة الدعوى العمومية ضد محمد فريد ، بتهمة التحريض على كراهية وبغض الحكومة وازدرائها ، وأُحيل إلى محكمة جنايات مصر ومعه إسماعيل بك حافظ مدير جريدة « العَلَم » وعلى فهمى كامل بك ( شقيق مصطفى كامل ) ــ مدير جريدة « اللواء » لنشرهما الخطبة في الجريدتين .
واذ تجلت المقاصد الملتوية ، وضنَّ الوطنيون بالزعيم أن يسجن مرة أخرى وقد خرج بالكاد من السجن السابق ، لذلك فقد ألحّوا عليه في مغادرة البلاد ، واستقر رأى أقطاب الحزب الوطنى على إحباط المؤامرة بهجرة الزعيم محمد بك فريد ليواصل جهاده خارج البلاد ، وحتى لا يسكت صوت الحركة الوطنية ، ثم يعود إلى الوطن من منفاه الاختيارى بعد زوال الغمّة !
وبرغم الدفاع القوى ، بالمنطق والحجة ، الذى أبداه أعلام المحاماة : عبد العزيز فهمى ، ومحمود أبو النصر ، صدر الحكم بحبس محمد بك فريد ( غيابيًّا ) لمدة سنة ، وبحبس إسماعيل بك حافظ وعلى بك فهمى كامل ــ ثلاثة أشهر حبسًا بسيطًا ، بيد أن ما ألقاه المحامون في دفاعهم أمام المحكمة ، كان رسالة شديدة القوة فضحت أساليب السلطات في ضرب الحركة الوطنية !
ظل هذا الزعيم الوطنى النبيل في منفاه الاضطرارى خارج البلاد ، منذ غادرها في مارس 1912 ، إلى حين حضرته الوفاة وحيدًا مريضًا في 15 نوفمبر 1919 .
بيد أن هذه السنوات ، سنوات المنفى الاضطرارى ، ورغم الوحدة والمعاناة وفقده إبنتيه تباعًا عامى 1915 ، 1916 ــ كانت آية الآيات على وطنية ونبل هذا الزعيم الفريد إسمًا ومُسمًّى ، فقد رعى الحركة الوطنية رعايةً كاملة ً مشهودة بخارج البلاد ، على ما سوف نرى .