محمد حسين هيكل.. محامي وأديب وسياسي كبير تولى رئاسة مجلس الشيوخ وعدة حقائب وزارية وصاحب أول رواية عربية
كتب: محمد علاء
محمد حسين هيكل (1305 هـ / 1888 – 1376 هـ / 1956م)، محامي وأديب وسياسي كبير، ولد في 20 أغسطس 1888م الموافق 12 ذو الحجة 1305 هـ في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين، محافظة الدقهلية، مصر.
هو محامي وقانوني بارز حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون في فرنسا، كما كان عضوًا ًفي لجنة الثلاثين التي وضعت دستور1923، وسياسي كبير تولى رئاسة مجلس الشيوخ، وعدة حقائب وزارية، ورئاسة حزب الأحرار الدستوريين، ودبلوماسي ومثل مصر في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945م كما ترأس وفد مصر في الأمم المتحدة عدة مرات، إضافة إلى كونه أديب لامع صاحب أول رواية مصرية -زينب-، وله العديد من المؤلفات البارزة بعضها عن التاريخ الإسلامي.
دراسته
نشأ في أسرة على جانب من الجاه والثراء، والتحق بكتاب القرية، حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ولما بلغ السابعة التحق بمدرسة الجمالية الابتدائية بالقاهرة، وظل بها حتى أتم دراسته بها سنة 1901 م، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية وأتم دراسته بها سنة 1905م، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية وتخرج منها سنة 1909م.
كما سافر على نفقته الخاصة إلى باريس ليتم دراسته في الحقوق، فحصل على درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون في فرنسا سنة 1912م، واستغل تواجده في فرنسا والتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية وحصل فيها على دراسات مختلفة، وواظب على الاستماع لمحاضرات عديدة في الأدب الفرنسي، وأقبل على قراءته بعد أن أتقن الفرنسية، هذا إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار.
ولدى عودته إلى مصر عمل بالمحاماة والصحافة في جريدة الأهرام، وجريدة الجريدة صحيفة حزب الأمة التي كان يرأسها أحمد لطفي السيد.
شخصيات مؤثرة في حياته
اتصل بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، كما تأثر بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وغيرهم.
عمله السياسي
كان عضوًا ًفي لجنة الثلاثين التي وضعت دستور1923، أول دستور صدر في مصر المستقلة وفقًا لتصريح 28 فبراير 1922م.
ولما أنشأ حزب الأحرار الدستوريين جريدة أسبوعية باسم السياسة الأسبوعية عُيِّن في رئاسة تحريرها سنة 1926، وكانت ميدانًا لنشر البحوث الأدبية والتاريخية والسياسة، وتولَّى تحريرها والكتابة فيها نفر من كبار الكتاب وأئمة الأدب، مثل: طه حسين، وتوفيق دياب، ومحمود عزمي، ومحمد عبد الله عنان، وعبد العزيز البشري، وشهدت صفحاتها معارك فكرية حامية، مثل معركة الشعر الجاهلي التي فجَّرها طه حسين، وعلى صفحاتها نشر هيكل فصولاً من كتابه «حياة محمد».
كما اختير سنة 1941م نائبًا لرئيس حزب الأحرار الدستوريين، ثم تولى رئاسة الحزب سنة 1943م، وظلَّ رئيساً له حتى ألغيت الأحزاب بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952.
وتولى «هيكل» عدد من الحقائب الوزارية بينها وزارة المعارف -التربية والتعليم- التي تقلدها في عدة حكومات، إضافة لمنصب وزير دولة، ووزير الشئون الاجتماعية.
كما تولى رئاسة مجلس الشيوخ سنة 1945م وظل يمارس رئاسة هذا المجلس التشريعي حتى يونيو 1950م حيث أصدرت حكومة الوفد المراسيم الشهيرة التي أدت إلى إخراج هيكل وكثير من أعضاء المعارضة من المجلس نتيجة الاستجوابات التي قدمت في المجلس وناقشت اتهامات وجهت لكريم ثابت أحد مستشاري الملك فاروق.
ومثل مصر في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945م، كما تولى تمثيلها في كثير من المحافل الدولية، فمثلها رئيسًا لوفد مصر في الأمم المتحدة أكثر من مرة سنة 1946 وما بعدها، وكانت له مواقف محمودة في قضيتي مصر وفلسطين.
عمله الأدبي
سبق غيره من أبناء جيله في تأليف أول رواية عربية بقصته المعروفة زينب، وفتح لأصحاب القلم والبيان كتابة التاريخ الإسلامي على نحو جديد يجمع إلى جانب العمق والتحليل العرض الجميل، والأسلوب الشائق، والربط المحكم بين أحداث التاريخ.
وكتب أيضًا أدب الرحلة، وسجَّل خواطره وما يجول في نفسه في كتابه الرائع في منزل الوحي، ودوَّن مذكراته السياسية، وما شاهده وشارك فيه من أحداث في كتابه مذكرات في السياسة المصرية.
ومن بين أبرز مؤلفاته:
- حياة محمد.
- الصديق أبو بكر أبو بكر.
- الفاروق عمر.
- عثمان بن عفان.
- رواية زينب (تحولت لأول فيلم صامت بمصر).
- مذكرات في السياسة المصرية.
- منزل الوحي.
- الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة.
- الإيمان والمعرفة والفلسفة.
- تراجم مصرية وغربية.
- ثورة الأدب.
- في أوقات الفراغ.
- الشرق الجديد.
- جان جاك روسو – حياته وكتبه.
- هكذا خلقت.
حياة محمد
كان كتابه الكبير حياة محمد هو باكورة أعماله الإسلامية، تناول فيه بأسلوب طلي حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وردّ على آراء المتجنين من كتاب الغرب على سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في منطق وبراعة، وختم كتابه بمبحثين عن الحضارة الإسلامية كما صوَّرها القرآن الكريم ومقارنتها بالحضارة الغربية، وخصَّص البحث الآخر للرد على مزاعم بعض المستشرقين حول بعض المواقف الإسلامية.
وأحدث ظهور الكتاب دويًّا هائلاً، وأقبل الناس على قراءته على نحو غير مسبوق، وتناوله المفكرون والكتاب فأنصفه بعضهم، وغض من قيمته آخرون، لكن على أية حال كان الكتاب فتحًا جديدًا في كتابة السيرة النبوية على هذا النحو الشائق الذي جعل فضيلة الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي يكتب مقدمة للكتاب، جاء فيها: “وقد وُفِّق الدكتور هيكل في تنميق الحوادث، وربط بعضها ببعض، فجاء كتابه عقدًا منضدًا وسلسلة متينة محكمة الحلقات، يجعل القارئ مطمئن النفس رضي القلب ليستمتع بما يقرأ”.
ثم أتبع كتابه “حياة محمد” بكتاب بديع عن رحلته في أرض الحجاز بعنوان “في منزل الوحي”، كتبه بأسلوب رفيع، ووقف على الأماكن التي وقف فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلمس سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستخلص العبرة والمثل، والكتاب يجمع بين المشاهدة العيانية، والبحث التاريخي، والرؤية العاطفية في بيان خلاب، وعناية بأدق التفاصيل.
شخصيته
يجمع كثير من المعاصرين للدكتور محمد حسين هيكل على أنه كان وديع النفس، جم الأدب، يميل إلى الدعابة في مجالسه، حاضر البديهة والمنطق الأدبي السليم، مثالاً للتواضع، لم تغير المناصب شيئًا من أخلاقه.
وانضم هيكل إلى كثير من الهيئات العلمية فكان عضوًا في الجمعية المصرية للقانون الدولي والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، واختير عضوًا في مجمع اللغة العربية سنة 1940 فكان من الرعيل الأول لأعضاء المجمع، ويذكر له اقتراحه على المجمع بوضع “معجم خاص لألفاظ القرآن الكريم”، فوافق المجمع على اقتراحه، وكان من أعضاء اللجنة التي تألفت لوضع منهجه.
وفاته
توفي يوم السبت 5 جمادى الأولى 1376 هـ الموافق 8 ديسمبر 1956م عن عمر يناهز 68 عامًا.