محكمة النقض : لا محل لإعمال المادة ٣ من قانون المحاماة لعام ١٩٨٣ فى إطار نظام التحكيم الحالي

    أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٨٣٠٩ لسنة ٨٩ قضائية ، الصادر بجلسة ٢٠٢٠/١٠/٢٧ ، مكتب فنى ( سنة ٧١ – قاعدة ٧٦ – صفحة ٥٩٨ ) ، أنه لا محل لإعمال المادة ٣ من قانون المحاماة لعام ١٩٨٣ فى إطار نظام التحكيم الحالى مؤسسيًا كان أو غير مؤسسى، وطنيًا كان أو دوليًا.

   وتابعت: «وأن حق المحتكمين فى حرية اختيار ممثليهم أو وكلائهم إنما ينبع من قانون التحكيم ذاته، ولا يتوقف على اختيارهم لقواعد تحكيم تنص صراحة على إمكانية تعيينهم لغير المحامين كممثلين عنهم. فإذا اتفقوا على قواعد إجرائية تسمح بذلك، فليس اتفاقهم هذا إلا تأكيدًا لما جاء به قانون التحكيم، كما هى الحال فى الدعوى الماثلة حيث اتفق الطرفان على إخضاع إجراءات التحكيم لقواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى والتى تنص فى المادة ٥ (١) منها على أنه يجوز أن يختار كل طرف شخصًا أو أكثر للنيابة عنه أو لمساعدته، دون اشتراط أن يكون ممثلو المحتكمين من المحامين المقيدين بجداول نقابة المحامين المصرية».

الحكم

جلسة ٢٧ من أكتوبر سنة ٢٠٢٠

برئاسة السيـد القاضي/ نبيل عمران “نائب رئيس المحكمة”

وعضوية السادة القضاة/ محمود التركاوى، د. مصطفى سالمان، ياسر بهاءالدين “نواب رئيس المحكمة”، ومحمد على سلامة.

(٧٦)

الطعن رقم ١٨٣٠٩ لسنة ٨٩ القضائية

(٢،١ (تحكيم ” اتفاق التحكيم : التنازل الضمنى عن بطلان الاتفاق ” .

(١) استمرار أحد طرفى النزاع فى إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط فى اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام ق التحكيم مما يجوز الاتفاق على مخالفته . عدم تقديمه اعتراضًا على هذه المخالفة فى الميعاد المتفق عليه أو فى وقت معقول عنـد عدم الاتفاق . مؤداه . اعتباره نزولًا منه عن حقه فى الاعتراض . المادتان ٨ ،١١ ق التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ . علة ذلك . حماية إجراءات التحكيم من إساءة استغلال أحد أطراف النزاع .

(٢) عدم تقديم الطاعنة ما يفيد تمسكها أمام هيئة التحكيم ببطلان اتفاق التحكيم لإبرامه من نائب رئيس مجلس إدارتها بدلًا من عضو مجلس الإدارة المُنتدب مع علمها بوجود المخالفة التى تدعيها واستمرارها فى إجراءات التحكيم . مؤداه . اعتباره نزولًا عن حقها فى إثارة هذا الاعتراض فيما بعد . البطلان المتعلق بهذه الحالة نسبى مقرر لمصلحة الخصوم . مقتضاه . جواز النزول عنه صراحة أو ضمنًا . قضاء الحكم المطعون فيه برفض دفع الشركة الطاعنة فى هذا الخصوص . صحيح .

(٤،٣) التزام ” قاعدة من سعى فى نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه (الإستوبل estoppel”) “

(٣) ليس للمخطئ أن يُلقى بتبعة خطئه غشًا كان ذلك أو تقصيرًا على سواه أو أن يستفيد من خطئه فى مواجهة غيره ولو كان هذا الغير بدوره مخطئًا.

(٤) القاعدة العالمية “منع التناقض إضرارًا بالغير” المعروفة بقاعدة “من سعى فى نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه” أو “الإستوبل” . مفادها . الطرف الذي يتسبب بفعله فى حدوث مخالفة لاتفاق التحكيم أو لقانون التحكيم أو لأى قانون آخر لا يسعه بعد أن تعامل معه الطرف الآخر اعتمادًا على صحة ما بدر عنه أن ينقض ما تم على يديه . غياب نص تشريعى صريح يقرر للقاعدة . مقتضاه .  جواز تطبيق القاضي لها بموجب م ١(٢) من ق المدنى . معيار تطبيق هذه القاعدة . قاعدة عامة . شرطه . صدور عن طرف ما قول أو فعل أو امتناع يتعارض وسلوك سابق لذات الطرف وأن يكون من شأن ذلك التعارض إلحاق الضرر بالطرف الآخر الذي تعامل مع الطرف الأول اعتمادًا على صحة ما صدر عنه من سلوك سابق . نطاقها. ليس مقصورًا على مجال التحكيم بل يمتد لسائر المعاملات الأخرى . للقاضى سلطة تقدير مدى توافر موجبات إعمال هذه القاعدة طبقًا لظروف كل دعوى .

(٥) تحكيم ” إجراءات التحكيم : عدم اشتراط مباشرة محام للدعوى التحكيمية ” .

القواعد الخاصة بتمثيل الأطراف أمام هيئات التحكيم . لا تتعلق بالنظام العام . ق التحكيم الحالى . قانونًا خاصًا فى شأن كل ما يخص التحكيم . اختلافه عن القانون السابق فى فلسفته وأسسه ومفاهيمه . خلوه من النص على وجوب مثول وكلاء أو ممثلين عن الأطراف أمام هيئات التحكيم ومن اشتراط أن يكون طلب التحكيم وسائر الأوراق الخاصة بإجراءات خصومة التحكيم موقعة من محامٍ . مقتضاه . عدم ورود أى قيد على حرية الأطراف فى تمثيل أنفسهم أو فى توكيل من يمثلهم أمام هيئات التحكيم ولو كانوا من غير المحامين أو من المحامين الأجانب الذين يُعدون فى نظر قانون المحاماة من غير المحامين خلافًا لما هو معمول به أمام قضاء الدولة ونظام التحكيم القائم وقت صدور ق المحاماة عام ١٩٨٣ . علة ذلك .

(٦) تحكيم ” إجراءات التحكيم : وجوب تكافؤ فرص عرض وشرح دعوى كل طرف ” .

الاتفاق على الإجراءات التى تتبعها هيئة التحكيم . حق للأطراف . لازمه . تهيئة فرصة متكافئة وكاملة لكل منهما لعرض دعواه وحق كل طرف فى شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته . المواد ٢٥، ٢٦، ٣٣(١) ق التحكيم .

(٧) تحكيم ” إجراءات التحكيم : عدم اشتراط مباشرة محام للدعوى التحكيمية ” .

قانون التحكيم . لا يشترط اختيار المُحَكَمين من جنس أو جنسية أو من مهنة بعينها كالمحاماة . لازمه . عدم اشتراط ذلك فى حق ممثلى الأطراف . توكيل المحتكمين لغير المحامين . مُقتضاه . تمثيلهم فى المنازعات ذات الجوانب الفنية المعقدة وخاصةً إذا ما كان مقطع النزاع ينطوى على مسائل فنية أكثر منها قانونية .

(٨) تحكيم ” إجراءات التحكيم : جواز الاعتماد على المحامين الأجانب لتمثيل الأطراف فى دعاوى التحكيم ” .

اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨. مناطها . البعد تدريجيًا بالتحكيم عن فكرة التوطين والارتباط بإقليم جغرافى بعينه . مؤداه . عدم ارتباط مفهوم المقر القانونى كفكرة مجردة بالمكان الفعلى لعقد جلسات التحكيم . مثال . جواز الاعتماد على المحامين الأجانب لتمثيل الأطراف فى دعاوى التحكيم التى يكون مقرها القانونى فى مصر دون أن يستلزم ذلك عقد أى من جلسات التحكيم داخل الإقليم المصرى . علة ذلك .

(٩) تحكيم ” حكم التحكيم : بطلان حكم التحكيم : حالاته ” .

حالات بطلان حكم التحكيم . ورودها على سبيل الحصر . م ٥٣ ق التحكيم . مؤداه . عدم جواز الطعن لسبب آخر . ليس من بينها البطلان لتمثيل طرف من غير المحامين .

(١٠) تحكيم ” إجراءات التحكيم : جواز الاعتماد على المحامين الأجانب لتمثيل الأطراف فى دعاوى التحكيم ” .

نظام التحكيم الحالى مؤسسيًا أو غير مؤسسى وطنيًا أو دوليًا . لا محل بشأنه لإعمال المادة ٣ من قانون المحاماة لعام ١٩٨٣ . مؤداه . حق المحتكمين فى حرية اختيار ممثليهم أو وكلائهم ينبع من قانون التحكيم ذاته . أثره . لا يتوقف على اختيارهم لقواعد تحكيم تنص صراحة على إمكانية تعيينهم لغير المحامين كممثلين عنهم . لازمه . اتفاق الأطراف على قواعد إجرائية تسمح بذلك تأكيدًا لما جاء به قانون التحكيم . مثال . اتفاق الطرفان على إخضاع إجراءات التحكيم لقواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى والتى تجيز اختيار كل طرف شخصًا أو أكثر للنيابة عنه أو لمساعدته دون اشتراط أن يكونوا من المحامين المقيدين بجداول نقابة المحامين المصرية . التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر . صحيح . علة ذلك .

(١٢،١١) تحكيم ” إجراءات التحكيم : علة اختيار مُحكم ذو خبرة بالمسائل الفنية ” .

(١١) المُحَكَم . يختاره الخصوم لتوافر خبرته بالمسـائل المماثلة لموضوع النزاع محل التحكيم . لازمه . انعكاس خبرات أعضاء هيئة التحكيم على الحكم الصادر منهم .

(١٢) حكم هيئة التحكيم . لا يصح أن يوصم بالبطلان لافتراض أن قضاءها أقيم وفقًا للعلم الشخصى لأحد أعضائها . افتراض يفتقر إلى الدليل ويتعارض مع الأصل المفترض من أن تشكيل هيئة التحكيم تم باتفاق الطرفين باختيار المُحَكَمين المؤهلين والمناسبين للفصل فى النزاع . مثال .

(١٣-١٦) تحكيم ” حكم التحكيم : بطلان حكم التحكيم : حالاته ” .

(١٣) ثبوت تمام المداولة بين أعضاء هيئة التحكيم وصدوره بإجماع الآراء . لازمه . أن الإجراءات قد روعيت . مؤداه . عدم جواز دحض ما أثبته الحُكم من تمام المداولة والاطلاع على الأوراق إلا بطريق الطعن بالتزوير .

(١٤) حكم التحكيم . رفع الدعوى ببطلانه فى الأحوال التى أوردتها المادة ٥٣ ق التحكيم . مؤداه . عدم جواز الطعن عليه للخطأ فى فهم الواقع أو فى تطبيق القانون أو مخالفته .

(١٥) دعوى بطلان حكم التحكيم . ليست طعنًا عليه بالاستئناف . مؤداه . لا تتسع لإعادة النظر فى موضوع النزاع وتعييب قضاء ذلك الحكم . مؤداه . ليس لقاضى دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير مدى ملاءمته أو مراقبة حُسن تقدير المحكمين . علة ذلك .

(١٦) تعييب الشركة الطاعنة لحكم التحكيم فيما يخص عدم ندب هيئة التحكيم لخبير هندسى لبحث الأمور الفنية فى الدعوى . خروجه عن حالات البطلان المنصوص عليها حصرًا فى المادة ٥٣ من قانون التحكيم . التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر . صحيح .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١- إذ كان النص فى المادة ١١ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على أنه ” لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعى أو الاعتبارى الذي يملك التصرف فى حقوقه …”، إلا أن المقرر فى قضاء محكمة النقض، عملًا بالمادة ٨ من ذات القانون، أنه إذا استمر أحد طرفى النزاع فى إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط فى اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته ولم يقدم اعتراضًا على هذه المخالفة فى الميعاد المتفق عليه أو فى وقت معقول عنـد عدم الاتفاق، اعتبر ذلك نزولًا منه عن حقه فى الاعتراض. إذ تنحاز هذه القاعدة إلى حماية إجراءات التحكيم من إساءة استغلال أحد أطراف النزاع، وهو عادةً الطرف الخاسر، لحق من الحقوق التى يجوز النزول عنها بهدف إبطال حكم التحكيم لاحقًا.

٢- إذ كانت الطاعنة لم تقدم ما يفيد تمسكها أمام هيئة التحكيم ببطلان اتفاق التحكيم لإبرامه من نائب رئيس مجلس إدارتها بدلًا من عضو مجلس الإدارة المُنتدب، مع علمها بوجود المخالفة التى تدعيها واستمرارها فى إجراءات التحكيم على الرغم من ذلك، فإنها تكون قد نزلت عن حقها فى إثارة هذا الاعتراض فيما بعد، لاسيما وأن البطلان المتعلق بهذه الحالة هو بطلان نسبى مقرر لمصلحة الخصوم مما يجوز النزول عنه صراحة أو ضمنًا. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دفع الشركة الطاعنة فى هذا الخصوص على سند من عدم تمسكها بهذا الدفع – مع قدرتها على ذلك – أمام هيئة التحكيم المختصة بالفصل فى الدفوع الخاصة ببطلان اتفاق التحكيم، فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا، ويضحى النعى عليه بهذا السبب على غير أساس.

٣- بفرض تمسك الطاعنة بهذا الاعتراض (ببطلان اتفاق التحكيم لإبرامه من نائب رئيس مجلس إدارتها بدلًا من عضو مجلس الإدارة المُنتدب) خلال الميعاد المبين بالمادة ٨ من قانون التحكيم، فإن تمسكها ما كان ليغير من مصير هذا النعى؛ ذلك بأنه من المستقر عليه أنه ليس للمخطئ أن يُلقى بتبعة خطئه، غشًا كان ذلك أو تقصيرًا، على سواه أو أن يستفيد من خطئه فى مواجهة غيره، ولو كان هذا الغير بدوره مخطئً.

٤- الطرف الذي يتسبب بفعله فى حدوث مخالفة لاتفاق التحكيم أو لقانون التحكيم أو لأى قانون آخر لا يسعه – بعد أن تعامل معه الطرف الآخر اعتمادًا على صحة ما بدر عنه – أن ينقض ما تم على يديه، تطبيقًا للقاعدة العالمية المستمدة من القانون الرومانى non concedit venire contra factum proprium   أى “منع التناقض إضرارًا بالغير”، وهو ما بات معروفًا بقاعدة “من سعى فى نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه” أو الإستوبل estoppel، وعلى الرغم من غياب نص تشريعى صريح يقرر هذه القاعدة، إلا أنه يجوز للقاضى تطبيقها بموجب المادة ١(٢) من القانون المدنى والتى تنص على أنه ” فإذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة”. ومعيار تطبيق هذه القاعدة تحقق شرطين: الأول، أن يصدر عن طرف ما قول أو فعل أو امتناع يتعارض وسلوك سابق لذات الطرف؛ والثانى، أن يكون من شأن ذلك التعارض إلحاق الضرر بالطرف الآخر الذي تعامل مع الطرف الأول اعتمادًا على صحة ما صدر عنه من سلوك سابق. وباعتبار أن قاعدة “منع التعارض إضرارًا بالغير” قاعدة عامة، فإن نطاق تطبيقها ليس مقصورًا على مجال التحكيم، بل يمكن أن يمتد لسائر المعاملات الأخرى. وللقاضى سلطة تقدير مدى توافر موجبات إعمال هذه القاعدة طبقًا لظروف كل دعوى بحسب الأحوال.

٥- المقرر فى قضاء محكمة النقض أن القواعد الخاصة بتمثيل الأطراف أمام هيئات التحكيم لا تتعلق بالنظام العام. ولا يغير من ذلك ما تنص عليه المادة ٣(١) من قانون المحاماة رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ من اعتبار “الحضور عن ذوى الشأن أمام المحاكم وهيئات التحكيم …” من أعمال المحاماة المقصورة على المحامين، ذلك أن نظام التحكيم القائم وقت صدور قانون المحاماة عام ١٩٨٣، والذي كان يشير إليه المشرع آنذاك، هو ذلك الوارد بالباب الثالث من الكتاب الثالث (المواد ٥٠١-٥١٣) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨. أما قانون التحكيم الحالى والصادر عام ١٩٩٤ – والذي يختلف تمام الاختلاف عن القانون السابق فى فلسفته وأسسه ومفاهيمه – فلم يرد به أو بشأنه أى قيد على حرية الأطراف فى تمثيل أنفسهم أمام هيئات التحكيم أو فى توكيل من يمثلهم أمامها ولو كانوا من غير المحامين، أو من المحامين الأجانب الذين يُعدون – فى نظر قانون المحاماة – من غير المحامين. هذا إلى أن قانون التحكيم لعام ١٩٩٤ يُعد قانونًا خاصًا فى شأن كل ما يخص التحكيم، وقد خلا هذا القانون من النص على وجوب مثول وكلاء أو ممثلين عن الأطراف أمام هيئات التحكيم، كما خلا من اشتراط أن يكون طلب التحكيم وسائر الأوراق الخاصة بإجراءات خصومة التحكيم موقعة من محامٍ، خلافًا لما هو معمول به أمام قضاء الدولة.

٦- تنص المواد ٢٥، ٢٦، ٣٣(١) من قانون التحكيم على حق الأطراف فى الاتفاق على الإجراءات التى تتبعها هيئة التحكيم، ووجوب تهيئة فرصة متكافئة وكاملة لكل منهما لعرض دعواه، وحق كل طرف فى شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته.

٧- إذا كان قانون التحكيم لا يشترط اختيار المُحَكَمين من جنس أو جنسية أو من مهنة بعينها كالمحاماة (مادة ١٦)، فمن باب أولى عدم اشتراط ذلك فى حق ممثلى الأطراف. ولذلك فقد يؤثر المحتكمون توكيل غير المحامين لتمثيلهم فى المنازعات ذات الجوانب الفنية المعقدة وخاصةً إذا ما كان مقطع النزاع ينطوى على مسائل فنية أكثر منها قانونية.

٨- التحكيم أخذ يبعد تدريجيًا عن فكرة التوطين localization، أى ارتباط التحكيم بشكل وثيق بإقليم جغرافى بعينه، بعد اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨. وفى ظل العولمة التى طالت مجال المحاماة، بات من الشائع الاعتماد على المحامين الأجانب لتمثيل الأطراف فى دعاوى التحكيم التى يكون مقرها القانونى فى مصر، دون أن يستلزم ذلك عقد أى من جلسات التحكيم داخل الإقليم المصرى، لعدم ارتباط مفهوم المقر القانونى كفكرة مجردة seat of arbitration بالمكان الفعلى لعقد جلسات التحكيم venue، لا سيما مع ازدياد الإقبال على عقد جلسات التحكيم بواسطة وسائل الاتصال الحديثة virtual hearings.

٩- تحديد أسباب بطلان أحكام التحكيم وورودها على سبيل الحصر فى المادة ٥٣ من قانون التحكيم، مؤداه أنه لا يجوز الطعن بالبطلان فى دعوى التحكيم لسبب آخر خلاف الأسباب التى أوردتها هذه المادة، والتى ليس من بينها البطلان لتمثيل طرف من غير المحامين.

١٠- لا محل لإعمال المادة ٣ من قانون المحاماة لعام ١٩٨٣ فى إطار نظام التحكيم الحالى مؤسسيًا كان أو غير مؤسسى، وطنيًا كان أو دوليًا. وأن حق المحتكمين فى حرية اختيار ممثليهم أو وكلائهم إنما ينبع من قانون التحكيم ذاته، ولا يتوقف على اختيارهم لقواعد تحكيم تنص صراحة على إمكانية تعيينهم لغير المحامين كممثلين عنهم. فإذا اتفقوا على قواعد إجرائية تسمح بذلك، فليس اتفاقهم هذا إلا تأكيدًا لما جاء به قانون التحكيم، كما هى الحال فى الدعوى الماثلة حيث اتفق الطرفان على إخضاع إجراءات التحكيم لقواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى والتى تنص فى المادة ٥(١) منها على أنه يجوز أن يختار كل طرف شخصًا أو أكثر للنيابة عنه أو لمساعدته، دون اشتراط أن يكون ممثلو المحتكمين من المحامين المقيدين بجداول نقابة المحامين المصرية. لما كان ذلك، و كان الحكم المطعون فيه قد رفض دفع الشركة الطاعنة فى هذا الخصوص ملتزمًا ذات النظر، وكانت هى التى اختارت أحد المهندسين الاستشاريين للنيابة عنها ومساعدتها وتقديم خطة دفاعها وفقًا لما قدرته باعتباره الأصلح لها، كما أنها لم تدعِ أن هيئة التحكيم تسببت على أى نحو فى حرمانها من فرصة تعيين محامٍ لتقديم دفاعها، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بهذا السبب، يضحى على غير أساس.

١١- المقرر فى قضاء محكمة النقض أن المُحَكَم يختاره الخصوم بالدرجة الأولى لتوافر خبرته بالمسـائل المماثلة لموضوع النزاع محل التحكيم ومن الطبيعى أن تنعكس خبرات أعضاء هيئة التحكيم على الحكم الصادر منهم.

١٢- لا يصح أن يوصَم حكم هيئة التحكيم بالبطلان لمجرد افتراض أن قضاءها أقيم وفقًا للعلم الشخصى لأحد أعضائها باعتبار أنه وحده من المهندسين فى حين أن رئيس الهيئة والعضو الآخر من رجال القانون من غير أصحاب الخبرات الهندسية، وهو افتراض يفتقر إلى الدليل من ناحية، ويتعارض مع الأصل المفترض من أن تشكيل هيئة التحكيم تم باتفاق الطرفين ووفقًا لإرادتهما الحرة باختيار المُحَكَمين المؤهلين والمناسبين للفصل فى النزاع.

١٣- إذ كان الثابت من الترجمة الرسمية المُقدمة من حكم التحكيم أنه قد أثبت فى مدوناته ما يفيد تمام المداولة بين أعضاء هيئة التحكيم وصدوره بإجماع الآراء، وكان الأصل أن الإجراءات قد روعيت فلا يجوز دحض ما أثبته الحُكم من تمام المداولة والاطلاع على الأوراق إلا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم تفعله الشركة الطاعنة، ومن ثم فلا يُقبل منها ما تثيره فى هذا الشأن.

١٤- المقرر فى قضاء محكمة النقض أنه لا يجوز الطعن بالبطلان فى دعوى التحكيم لسبب آخر خلاف ما أورده نص المادة ٥٣ من قانون التحكيم، فلا يجوز الطعن عليه للخطأ فى فهم الواقع أو فى تطبيق القانون أو مخالفته.

١٥- دعوى بطلان حكم التحكيم ليست طعنًا عليه بالاستئناف فلا تتسع لإعادة النظر فى موضوع النزاع وتعييب قضاء ذلك الحكم، وليس لقاضى دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير مدى ملاءمته أو مراقبة حُسن تقدير المحكمين، باعتبار أن دعوى الإبطال تختلف عن دعوى الاستئناف.

١٦- إذ كان تعييب الشركة الطاعنة لحكم التحكيم فيما يخص عدم ندب هيئة التحكيم لخبير هندسى لبحث الأمور الفنية فى الدعوى يخرج عن حالات البطلان المنصوص عليها حصرًا فى المادة ٥٣ من قانون التحكيم، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فى معرض رفضه لما أثارته الشركة الطاعنة فى هذا الخصوص فإن النعى عليه بما ورد بهذا السبب يضحى على غير أساس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تـلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت على الشركة المطعون ضدها الدعوى رقم … لسنة ١٣٥ ق أمام محكمة استئناف القاهرة بطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم الصادر بتاريخ ٢٠/٢/٢٠١٨ فى الدعوى التحكيمية المقيدة برقم … لسنة ٢٠١٣ بمركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى. وبيانًا لذلك قالت إن المطعون ضدها لجأت إلى التحكيم إعمالًا للشرط الوارد فى البند رقم ١٦ من عقد المقاولة من الباطن المؤرخ ١٩/٤/٢٠٠٤ والذي بموجبه أسندت الشركة الطاعنة إليها وأُخرى مشروع إنشاء مصنع لمعالجة مياه الصرف الصحى بسعة ٨٠٠٠٠ متر مكعب فى اليوم بمنطقة … بمحافظة القاهرة، السابق إسناده للشركة الطاعنة من هيئة مدينة … وفقًا للشروط الواردة بذلك العقد، وأن الشركة الطاعنة تقاعست عن تنفيذ التزاماتها بموجب ذلك العقد فلجأت       – المطعون ضدها – إلى التحكيم وصدر لصالحها الحكم المشار إليه. وبتاريخ ٧/٧/٢٠١٩ قضت المحكمة برفض دعوى البطلان. طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بقبول الطعن شكلًا وفى الموضوع برفضه. عُرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعَى الشركة الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، ذلك أنه رفض دفعها ببطلان اتفاق التحكيم لإبرامه من نائب رئيس مجلس إدارتها رغم أن صاحب الصفة والأهلية فى تمثيلها هو عضو مجلس الإدارة المُنتدب عملًا بالمادة ٢٣ من القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ بشأن شركات قطاع الأعمال العام، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى غير سديد، ذلك أنه ولئن كان النص فى المادة ١١ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على أنه “لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعى أو الاعتبارى الذي يملك التصرف فى حقوقه …”، إلا أن المقرر  – فى قضاء هذه المحكمة – عملًا بالمادة ٨ من ذات القانون، أنه إذا استمر أحد طرفى النزاع فى إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط فى اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته ولم يقدم اعتراضًا على هذه المخالفة فى الميعاد المتفق عليه أو فى وقت معقول عنـد عدم الاتفاق، اعتبر ذلك نزولًا منه عن حقه فى الاعتراض. إذ تنحاز هذه القاعدة إلى حماية إجراءات التحكيم من إساءة استغلال أحد أطراف النزاع، وهو عادةً الطرف الخاسر، لحق من الحقوق التى يجوز النزول عنها بهدف إبطال حكم التحكيم لاحقًا. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تقدم ما يفيد تمسكها أمام هيئة التحكيم ببطلان اتفاق التحكيم لإبرامه من نائب رئيس مجلس إدارتها بدلًا من عضو مجلس الإدارة المُنتدب، مع علمها بوجود المخالفة التى تدعيها واستمرارها فى إجراءات التحكيم على الرغم من ذلك، فإنها تكون قد نزلت عن حقها فى إثارة هذا الاعتراض فيما بعد، لاسيما وأن البطلان المتعلق بهذه الحالة هو بطلان نسبى مقرر لمصلحة الخصوم مما يجوز النزول عنه صراحة أو ضمنًا. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دفع الشركة الطاعنة فى هذا الخصوص على سند من عدم تمسكها بهذا الدفع –مع قدرتها على ذلك- أمام هيئة التحكيم المختصة بالفصل فى الدفوع الخاصة ببطلان اتفاق التحكيم، فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا، ويضحى النعى عليه بهذا السبب على غير أساس.

هذا فضلًا عن أنه وبفرض تمسك الطاعنة بهذا الاعتراض خلال الميعاد المبين بالمادة ٨ من قانون التحكيم، فإن تمسكها ما كان ليغير من مصير هذا النعى؛ ذلك بأنه من المستقر عليه أنه ليس للمخطئ أن يُلقى بتبعة خطئه، غشًا كان ذلك أو تقصيرًا، على سواه أو أن يستفيد من خطئه فى مواجهة غيره، ولو كان هذا الغير بدوره مخطئًا. كما أن الطرف الذي يتسبب بفعله فى حدوث مخالفة لاتفاق التحكيم أو لقانون التحكيم أو لأى قانون آخر لا يسعه – بعد أن تعامل معه الطرف الآخر اعتمادًا على صحة ما بدر عنه – أن ينقض ما تم على يديه، تطبيقًا للقاعدة العالمية المستمدة من القانون الرومانى non concedit venire contra factum proprium   أى “منع التناقض إضرارًا بالغير”، وهو ما بات معروفًا بقاعدة “من سعى فى نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه” أو الإستوبل estoppel. وعلى الرغم من غياب نص تشريعى صريح يقرر هذه القاعدة، إلا أنه يجوز للقاضى تطبيقها بموجب المادة ١(٢) من القانون المدنى والتى تنص على أنه “فإذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة”. ومعيار تطبيق هذه القاعدة تحقق شرطين: الأول، أن يصدر عن طرف ما قول أو فعل أو امتناع يتعارض وسلوك سابق لذات الطرف؛ والثانى، أن يكون من شأن ذلك التعارض إلحاق الضرر بالطرف الآخر الذي تعامل مع الطرف الأول اعتمادًا على صحة ما صدر عنه من سلوك سابق. وباعتبار أن قاعدة “منع التعارض إضرارًا بالغير” قاعدة عامة، فإن نطاق تطبيقها ليس مقصورًا على مجال التحكيم، بل يمكن أن يمتد لسائر المعاملات الأخرى. وللقاضى سلطة تقدير مدى توافر موجبات إعمال هذه القاعدة طبقًا لظروف كل دعوى بحسب الأحوال.

وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول إنها دفعت ببطلان الهيكل الإجرائى للخصومة التحكيمية لأن من باشر الدفاع عنها أمام هيئة التحكيم كان أحد المهندسين الاستشاريين ولم يكن أحد المحامين عملًا بالقاعدة الآمرة المتعلقة بالنظام العام المنصوص عليها بالمادة ٣ من قانون المحاماة رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣، وهو ما كان على هيئة التحكيم أن ترفضه باعتباره أمرًا ضروريًا لتحقيق العدالة، غير أن الحكم المطعون فيه رفض دفعها على سند من أن قواعد تحكيم مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى تجيز تمثيل الأطراف من غير المحامين، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى غير سديد، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن القواعد الخاصة بتمثيل الأطراف أمام هيئات التحكيم لا تتعلق بالنظام العام. ولا يغير من ذلك ما تنص عليه المادة ٣(١) من قانون المحاماة رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ من اعتبار “الحضور عن ذوى الشأن أمام المحاكم وهيئات التحكيم …” من أعمال المحاماة المقصورة على المحامين، ذلك أن نظام التحكيم القائم وقت صدور قانون المحاماة عام ١٩٨٣، والذي كان يشير إليه المشرع آنذاك، هو ذلك الوارد بالباب الثالث من الكتاب الثالث (المواد من ٥٠١ إلى ٥١٣) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨. أما قانون التحكيم الحالى والصادر عام ١٩٩٤ – والذي يختلف تمام الاختلاف عن القانون السابق فى فلسفته وأسسه ومفاهيمه – فلم يرد به أو بشأنه أى قيد على حرية الأطراف فى تمثيل أنفسهم أمام هيئات التحكيم أو فى توكيل من يمثلهم أمامها ولو كانوا من غير المحامين، أو من المحامين الأجانب الذين يُعدون – فى نظر قانون المحاماة – من غير المحامين. هذا إلى أن قانون التحكيم لعام ١٩٩٤ يُعد قانونًا خاصًا فى شأن كل ما يخص التحكيم، وقد خلا هذا القانون من النص على وجوب مثول وكلاء أو ممثلين عن الأطراف أمام هيئات التحكيم، كما خلا من اشتراط أن يكون طلب التحكيم وسائر الأوراق الخاصة بإجراءات خصومة التحكيم موقعة من محامٍ، خلافًا لما هو معمول به أمام قضاء الدولة. كما تنص المواد ٢٥، ٢٦، ٣٣(١) من قانون التحكيم على حق الأطراف فى الاتفاق على الإجراءات التى تتبعها هيئة التحكيم، ووجوب تهيئة فرصة متكافئة وكاملة لكل منهم لعرض دعواه، وحق كل طرف فى شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته. وإذا كان قانون التحكيم لا يشترط اختيار المُحَكَمين من جنس أو جنسية أو من مهنة بعينها كالمحاماة (مادة ١٦)، فمن باب أولى عدم اشتراط ذلك فى حق ممثلى الأطراف. ولذلك فقد يؤثر المحتكمون توكيل غير المحامين لتمثيلهم فى المنازعات ذات الجوانب الفنية المعقدة وخاصةً إذا ما كان مقطع النزاع ينطوى على مسائل فنية أكثر منها قانونية. ويؤكد النظر المتقدم، أن التحكيم أخذ يبعد تدريجيًا عن فكرة التوطين localization، أى ارتباط التحكيم بشكل وثيق بإقليم جغرافى بعينه، بعد اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨. وفى ظل العولمة التى طالت مجال المحاماة، بات من الشائع الاعتماد على المحامين الأجانب لتمثيل الأطراف فى دعاوى التحكيم التى يكون مقرها القانونى فى مصر، دون أن يستلزم ذلك عقد أى من جلسات التحكيم داخل الإقليم المصرى، لعدم ارتباط مفهوم المقر القانونى كفكرة مجردة seat of arbitration بالمكان الفعلى لعقد جلسات التحكيم venue، لاسيما مع ازدياد الإقبال على عقد جلسات التحكيم بواسطة وسائل الاتصال الحديثة virtual hearings. يُضاف إلى ما تقدم، أن تحديد أسباب بطلان أحكام التحكيم وورودها على سبيل الحصر فى المادة ٥٣ من قانون التحكيم، مؤداه أنه لا يجوز الطعن بالبطلان فى دعوى التحكيم لسبب آخر خلاف الأسباب التى أوردتها هذه المادة، والتى ليس من بينها البطلان لتمثيل طرف من غير المحامين. ومؤدى ما سلف ولازمه، هو أنه لا محل لإعمال المادة ٣ من قانون المحاماة لعام ١٩٨٣ فى إطار نظام التحكيم الحالى مؤسسيًا كان أو غير مؤسسى، وطنيًا كان أو دوليًا. وأن حق المحتكمين فى حرية اختيار ممثليهم أو وكلائهم إنما ينبع من قانون التحكيم ذاته، ولا يتوقف على اختيارهم لقواعد تحكيم تنص صراحة على إمكانية تعيينهم لغير المحامين كممثلين عنهم. فإذا اتفقوا على قواعد إجرائية تسمح بذلك، فليس اتفاقهم هذا إلا تأكيدًا لما جاء به قانون التحكيم، كما هى الحال فى الدعوى الماثلة حيث اتفق الطرفان على إخضاع إجراءات التحكيم لقواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى والتى تنص فى المادة ٥(١) منها على أنه “يجوز أن يختار كل طرف شخصًا أو أكثر للنيابة عنه أو لمساعدته، دون اشتراط أن يكون ممثلو المحتكمين من المحامين المقيدين بجداول نقابة المحامين المصرية”. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رفض دفع الشركة الطاعنة فى هذا الخصوص ملتزمًا ذات النظر، وكانت هى التى اختارت أحد المهندسين الاستشاريين للنيابة عنها ومساعدتها وتقديم خطة دفاعها وفقًا لما قدرته باعتباره الأصلح لها، كما أنها لم تدعِ أن هيئة التحكيم تسببت على أى نحو فى حرمانها من فرصة تعيين محامٍ لتقديم دفاعها، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بهذا السبب، يضحى على غير أساس.

وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد فى الاستدلال، ذلك أنه رفـض دفعها ببطـلان عمـل هيئة التحكيم لقضـائها بالعلم الشخصى لأحد المُحَكَمين -المهندس …- الذي يملك وحده الخبرة الهندسية والدراية الفنية التى تمكنه من فهم موضوع الدعوى، دون مشاركة حقيقية فى المداولة من العضوين الآخرين أصحاب الخبرة القانونية فقط، وبغير ندب خبير هندسى للوقوف على المسائل الفنية الهندسية الغالبة على موضوع النزاع، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى فى جملته مردود، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن المُحَكَم يختاره الخصوم بالدرجة الأولى لتوافر خبرته بالمسـائل المماثلة لموضوع النزاع محل التحكيم ومن الطبيعى أن تنعكس خبرات أعضاء هيئة التحكيم على الحكم الصادر منهم، ومن ثم فلا يصح أن يوصَم حكم هيئة التحكيم بالبطلان لمجرد افتراض أن قضاءها أقيم وفقًا للعلم الشخصى لأحد أعضائها باعتبار أنه وحده من المهندسين فى حين أن رئيس الهيئة والعضو الآخر من رجال القانون من غير أصحاب الخبرات الهندسية، وهو افتراض يفتقر إلى الدليل من ناحية، ويتعارض مع الأصل المفترض من أن تشكيل هيئة التحكيم تم باتفاق الطرفين ووفقًا لإرادتهما الحرة باختيار المُحَكَمين المؤهلين والمناسبين للفصل فى النزاع. وكان الثابت من الترجمة الرسمية المُقدمة من حكم التحكيم أنه قد أثبت فى مدوناته ما يفيد تمام المداولة بين أعضاء هيئة التحكيم وصدوره بإجماع الآراء، وكان الأصل أن الإجراءات قد روعيت فلا يجوز دحض ما أثبته الحُكم من تمام المداولة والاطلاع على الأوراق إلا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم تفعله الشركة الطاعنة، ومن ثم فلا يُقبل منها ما تثيره فى هذا الشأن. وكان المقرر – فى قضاء هذه المحكمة وعلى ما سلف بيانه – أنه لا يجوز الطعن بالبطلان فى دعوى التحكيم لسبب آخر خلاف ما أورده نص المادة ٥٣ من قانون التحكيم، فلا يجوز الطعن عليه للخطأ فى فهم الواقع أو فى تطبيق القانون أو مخالفته، ذلك أن دعوى بطلان حكم التحكيم ليست طعنًا عليه بالاستئناف فلا تتسع لإعادة النظر فى موضوع النزاع وتعييب قضاء ذلك الحكم، وليس لقاضى دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير مدى ملاءمته أو مراقبة حُسن تقدير المحكمين، باعتبار أن دعوى الإبطال تختلف عن دعوى الاستئناف. لما كان ذلك، وكان تعييب الشركة الطاعنة لحكم التحكيم فيما يخص عدم ندب هيئة التحكيم لخبير هندسى لبحث الأمور الفنية فى الدعوى يخرج عن حالات البطلان المنصوص عليها حصرًا فى المادة ٥٣ من قانون التحكيم، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فى معرض رفضه لما أثارته الشركة الطاعنة فى هذا الخصوص فإن النعى عليه بما ورد بهذا السبب يضحى على غير أساس.

ولِما تقدم يتعين رفض الطعن.

زر الذهاب إلى الأعلى