محكمة النقض توضح العبرة في تحديد طبيعة الإجارة

كتب: علي عبدالجواد

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٥٥٧٩ لسنة ٩٠ قضائية، الصادر بجلسة ٢٠٢٢/٠٢/٠٢، أنه إذا نُصَ في عقد الإيجار على تأجير العين لاستعمالها في غرض السكنى وفي غير هذا الغرض في آن واحد ، دون أن يُحدد بالعقد كيفية استغلالها في أي من الغرضين ، فإن العبرة في تحديد طبيعة الإجارة تكون بالعنصر الغالب في استعمال مستأجر العين لها أخذاً بحقيقة الواقع الفعلي دون الثابت بالعقد .

الحكم

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر / أشرف عبد الحي القباني ” نائب رئيس المحكمة ” ، والمرافعة ، وبعد المداولة .

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضدهم في البند أولاً أقاموا على الطاعن والمطعون ضدهن في البند ثانياً الدعوى رقم ١٠٣٨ لسنة ٢٠١٥ إيجارات جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ ١ / ٤ / ١٩٤٩ والإخلاء والتسليم ، وقالوا بياناً لدعواهم إنه بموجب هذا العقد استأجر مورث الأخيرين الحجرتين المبينتين بالصحيفة لاستعمالهما كمكتب ومسكن ، وإذ توفى وكان العقد منعقداً لاعتبارات تتعلق بشخصه ولعدم ممارسة نشاط بالعين المؤجرة فقد قاموا بالتنبيه عليهم بالإخلاء بتاريخ ٢٩ / ٩ / ٢٠١٥ ، ومن ثم أقاموا الدعوى ، حكمت المحكمة برفضها . استأنف المطعون ضدهم في البند أولاً هذا الحكم بالاستئناف رقم ٥٦٠٨ لسنة ١٣٣ ق القاهرة ، ندبت المحكمة خبيرا ً، وبعد أن أودع تقريره أقام الطاعن والمطعون ضدهن في البند ثانياً استئنافاً فرعياً بطلب الحكم بامتداد عقد الإيجار إليهم ، وبتاريخ ١٣ / ١ / ٢٠٢٠ قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبالإخلاء والتسليم ، وبعدم قبول الاستئناف الفرعي . طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرِضَ الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة ، حددت جلسة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها .

وحيث إن الطاعن ينعى بالشق الأول من الوجه الثاني من أوجه الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون ، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بقبول السبب المبدى لأول مرة أمام محكمة الاستئناف من المطعون ضدهم في البند أولاً بانتهاء عقد إيجار عين النزاع بوفاة المستأجر وعدم استعمال ورثته لها في ذات النشاط الذي كان يمارسه وقت الوفاة تطبيقاً لنص الفقرة الثانية من المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩٧ مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن هذا النعي في غير محله ، ذلك بأن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مقتضى الأثر الناقل للاستئناف ، أنه يعتبر مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية الأسباب التي أقام المستأنف عليها طلباته بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف سواء في ذلك الأسباب التي فصل فيها لغير صالحه أو تلك التي لم تعرض لها محكمة أول درجة ، وأنه على المحكمة الاستئنافية أن تعرض لها ما لم يتنازل المستأنف عن التمسك بها صراحةً أو ضمناً .
لما كان ذلك ، وكان الثابت من الصورة الرسمية لصحيفة افتتاح الدعوى – المقدمة من الطاعن رفق صحيفة طعنه – أن المطعون ضدهم في البند أولاً قد تساندوا في طلب الحكم بانتهاء عقد إيجار عين النزاع إلى السبب المشار إليه بوجه النعي بالإضافة إلى وفاة المستأجر باعتبار أن العقد قد انعقد لاعتبارات تتعلق بشخصه ، فحكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى ، وإذ استأنف سالفو الذكر الحكم الابتدائي بذات السببين فيكون لمحكمة الاستئناف أن تتصدى لهما وأن تقيم قضاءها على أي منهما ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر ، فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون ، ويضحى النعي عليه في هذا الشأن على غير أساس .

وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بباقي أوجه الطعن الثلاثة مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن مورثه استأجر حجرتي النزاع في ظل العمل بالقانون رقم ١٢١ لسنة ١٩٤٧ كمكتب ومسكن ، وصرح له المالك بتأجيرهما من الباطن ، فأقام الحكم المطعون فيه قضاءه بانتهاء عقد الإيجار بمقولة عدم توافر الإقامة بالعين استناداً لتقرير الخبير الباطل الذي عول على شهادة حارس العقار لصالح الملاك رغم توافر الإقامة الحكمية ، ولم يعرض لدفاعه من أن تأجير العين من الباطن كمدرسة للحياكة بموافقة المالك هو في حقيقته استغلال تجاري وحرفي لا ينتهي به عقد الإيجار بوفاة المستأجر عملاً بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩٧ مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن هذا النعي بأوجهه مردود ، ذلك أنه إذا نُصَ في عقد الإيجار على تأجير العين لاستعمالها في غرض السكنى وفي غير هذا الغرض في آن واحد ، دون أن يُحدد بالعقد كيفية استغلالها في أي من الغرضين ، فإن العبرة في تحديد طبيعة الإجارة تكون بالعنصر الغالب في استعمال مستأجر العين لها أخذاً بحقيقة الواقع الفعلي دون الثابت بالعقد .
لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق – وبما لا خلاف عليه بين طرفي الخصومة – أن حجرتي ‏النزاع استأجرهما مورث الطاعن والمطعون ضدهن في البند ثانياً لاستعمالهما كمكتب ‏ومسكن دون تحديد بالعقد لكيفية استغلالهما ، وأنه أجرهما من الباطن بتصريح من المؤجر كمدرسة للحياكة وقعد عن استعمالهما للسكنى حتى وفاته ، فيضحى معه العنصر الغالب في الإجارة هو استعمال العين في غير غرض السكنى ، فلا يكون للطاعن أن يتمسك ‏بالإقامة الحكمية ، وبأن العين مؤجرة كمسكن خلافاً للواقع الفعلي ، ويضحى ما ورد بوجه النعي من تعييب الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه بقضائه في هذا الشأن – وأياً كان وجه الرأي فيه – غير منتج ، ومن ثم غير مقبول ، ولا يجدي الطاعن من بعد التحدي بأن تأجير العين من الباطن كمدرسة حياكة بموافقة المالك يُعد استغلالاً تجارياً وحرفياً لا ينتهي به عقد الإيجار بوفاة المستأجر ، إذ إن النص في الفقرة الثانية من المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩٧ يدل على أن مناط امتداد عقد الإيجار إلى ورثة المستأجر المشار إليهم في النص أن تكون العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي ، وأن تثبت هذه الصفة للنشاط الذي يمارسه المستأجر وقت وفاته ، وأن يستعمل المذكورون العين استعمالاً فعلياً بذاتهم أو بواسطة نائب عنهم في ذات النشاط الذى كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد حال حياته ، وذلك بالنظر في وقت امتداد العقد للمستفيدين من المستأجر الأصلي باعتباره ضابطاً استلزمه المشرع للحفاظ على الرواج المالي والتجاري ، فإن انتفت إحدى هذه الشروط فإن العقد يخرج عن نطاق تطبيق هذه المادة ، وكان من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن تأجير الأماكن من الباطن بناءً على تصريح المؤجر للمستأجر لا يُعد بذاته عملاً تجارياً يخول امتداد عقد الإيجار لورثة المستأجر الأصلي طالما لم يقترن التأجير بتقديم ضروب من الخدمة الخاصة للمستأجر ، بحيث تغلب العناصر التجارية المتعددة على الجانب العقاري فيه ، ولا يعني ترخيص المؤجر به إلا رغبته في الحصول على علاوة التأجير من المستأجر ، وتوقي الأخير دعوى الإخلاء التي قد يقيمها المؤجر عليه لهذا السبب ، ولا مجال للقول بمزاولة المستأجر الأصلي لأحد الأنشطة – الواردة بالفقرة الثانية من المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩٧ – بالعين المؤجرة عن طريق المستأجر من الباطن بوصفه نائباً عنه ، بحسبان أن استغلال الأخير للعين يعود غُنمه إليه ويقع غرمه عليه وحده وهو ما يتنافى مع الطبيعة القانونية لأحكام الإنابة ، ومن ثم فلا محل لإعمال حكم القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩٧ في حالة استغلال المستأجر للعين المؤجرة بطريق تأجيرها للغير من الباطن ، ذلك بأن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه ، ولا يغير من ذلك صدور القانون رقم ٩١ لسنة ٢٠٠٥ بشأن الضريبة على الدخل والذي أخضع الأرباح الناتجة عن التأجير للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية ، باعتبار أن ذلك استثناءً من القواعد العامة التي تحكم طبيعة الأعمال التجارية ، فإنه ينبغي عدم التوسع في تفسيره ويلزم تحديد نطاقه بالهدف الذي ابتغاه المشرع من وضعه ، وهو إخضاع هذا النشاط الوارد به للضريبة حرصاً من المشرع على أن تحصل الدولة على مورد مالي من العائد المجزي الذي يحصل عليه المؤجر من التأجير .
لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق – وعلى النحو السالف وبلا خلاف بين الخصوم – أن حجرتي النزاع قد استأجرهما مورث الطاعن والمطعون ضدهن بالبند ثانياً ثم قام بتأجيرهما من الباطن حتى وفاته كمدرسة للحياكة بتصريح من المؤجر ، ولا يماري الطاعن في أنه لم تُقدَّم للمستأجر أيٌ من الخدمات المشار إليها آنفا ً، فإن هذا الترخيص بالتأجير من الباطن لا يغير من طبيعة الإجارة فيجعل الغرض من التأجير هو الاستغلال التجاري ولو كان المستأجر من الباطن يباشر في العين أياً من الأنشطة الواردة بالفقرة الثانية من المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩٧ ، إذ لا يُعد نائباً عن المستأجر الأصلي ، ومن ثم فإن تأجير حجرتي النزاع من الباطن لا يدخل ضمن الأنشطة الواردة بالقانون سالف الذكر بما لا يحق معه لورثة المستأجر الأصلي استمرار عقد إيجار عين النزاع لصالحهم ، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالإخلاء والتسليم ، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة قانوناً ، ولا يعيبه ما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة ، إذ لمحكمة النقض تصحيحها دون أن تنقضه ، ويكون ما يثيره الطاعن بالوجه الثالث للطعن في شأن إغفال الحكم المطعون فيه تطبيق أحكام القانون المذكور غير منتج ، طالما أنه لا يستند إلى أساس قانوني سليم .

ولما تقدم ، يتعين رفض الطعن .

لذلك

حكمت المحكمة برفض الطعن ، وألزمت الطاعن المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة ، مع مصادرة الكفالة .

أمين السر نائب رئيس المحكمة

زر الذهاب إلى الأعلى