محاماة مرفوعة الرأس
ماهر الحريري
استيقظت من نومي يعانقني الخمول، تطاردني الأحزان، عشرات الأسئلة تتراكم فوق رأسي، وبقيت كفريق يقاوم الموت غرقا وهو على قيد الحياة، وكاد رأسي بالفعل ينفجر، ورحت ألملم أشلائي الباقيات، فاحتسيت كوبا من الشاي، وأشعلت من السجائر العشرات، لأقف متأملا في أحوال البشر ما بين كاذب، وخدّاع، ومثير لفتنة، وصياد بالمياه العكرة يصطاد، وأثمن الصيد على صفحات التواصل تعديلات لقانون المحاماة، وكل يعدّ لها عدّته ما بين مؤيد ومعارض، وربما معرقل لنفع شخصي. وظن البعض أننا بلهاء، ولا أخفيكم قولا إننى كنت ومازلت من أوائل من ينادون بتعديل قانون المحاماة، ليس تمسكا بأشخاص، بل سعي لمكتسبات أقرها الدستور، ترفع من شأن المحامين والمحاماة.
وازداد حزني، فخرج من بيننا من يحارب تلك التعديلات، ويرفض كل المكتسبات لا لشىء إلا طمعاً في منصب، أو وصولاً لكرسي، وربما لصراعات شخصية وأحقاد انتخابية، فتجاهل البعض إرادتنا، وتناسي أننا من يجلس على الكرسي هذا أو ذاك، فتلك إرادة المحامين، تعلو كل الأشخاص، وتفوق كل الاعتبارات، ومعظمهم ليس بعبدة أشخاص.. فواهم من نصّب نفسه عليهم وصيا، فهم من الوصاية أكبر بكثير. ورغم الدعوى لوقفات واجتماعات، تبقى النيات واضحة، فكل يبكي على ليلاه، متخذا من المحامين لتنفيذ أغراضه أداة، وانساق وراءهم البعض، أولئك الخاسرون أهدافا، وحسبوا أنهم بذلك يحسنون صنعا، لكن هيهات يسعون لمجد شخصى، ونسعى نحن لمحاماة ومكتسبات.
محاماة مرفوعة الرأس، نزداد بها عزا فوق عزة، محاماة تنتصر لكل مظلوم، ونقهر بها كل ظالم. فإن أردتموها صراعات شخصية، ومصالح انتخابية، فتلك هي الساحة، وعلى أصواتنا فليتنافس المتنافسون. فحلبة السباق يتجلى فيها الفرسان، ولا فارس إلا من يقلده المحامون قلادة النصر، وهذا أعظم النياشين. وللمعرقلين في الأذن، أهمس: “لن تزيدكم أعمالكم إلا خسارا”، فعودا لصفوفكم بين زملائكم، والتاريخ عليكم خير شاهد، فكلنا إلى زوال، وتبقى نقابة المحامين قلعة تتوارثها الأجيال.