متى تُضاعف العقوبة المقررة لجريمة القذف ؟

كتب: علي عبدالجواد

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٨٥٤٨ لسنة ٨٣ قضائية، الصادر بجلسة ٢٠٢٠/٠١/١٩، أن العقوبة المقررة لجريمة القذف : الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه، ووقوعها بطريق النشر في إحدى الجرائد يرفع حدي الغرامة الأدنى والأقصى إلى ضعفيه. 

القاعدة 

الحكم

باســم الشعــب

محكمــة النقــض

دائـــرة الأحد ( أ ) الجنائية

الطعــن رقم ١٨٥٤٨ لسنة ٨٣ قضائية

جلسـة الأحـد الموافق١٩من يناير سنة ٢٠٢٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

برئاسة السيد القاضـــــي / حمـــــد عبـــــــد اللطيـــــــــف نائـــــب رئيــــس المحكمـــة

وعضوية الســــادة القضــــــــاة / خالـــــــــد مقلــــــــــــد ، محمـــــــد قنديــــــل

و مصطفــــــــى الدخميســـــــى نواب رئيس المحكمة ، محمــــــد غنيـــــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) قذف . عقوبة ” تقديرها “. غرامة . نقض ” ما يجوز الطعن فيه من الأحكام”.

العقوبة المقررة لجريمة القذف : الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه . وقوعها بطريق النشر في إحدى الجرائد . يرفع حدي الغرامة الأدنى والأقصى إلى ضعفيه . مؤدى ذلك : جواز الطعن بالنقض في الحكم الصادر بإدانة الطاعن بتك الجريمة . أساس وعلة ذلك ؟

 (٢) حكم ” بيانات التسبيب ” ” تسبيبه . تسبيب غير معيب”.

بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر الجريمتين اللتين دان بهما الطاعن وإيراده على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة . لا قصور .

عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .

(٣) دعوى جنائية ” تحريكها “. دعوى مباشرة . نقض ” أسباب الطعن . مالا يُقبل منها “.

إيراد الحكم أن الدعوى أُقيمت بطريق الادعاء المباشر بصحيفة أُعلنت للطاعن . مؤداه : إقامة الدعوى قبله بشخصه . النعي بخلاف ذلك . غير مقبول .

(٤) قصد جنائي . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي “.  سب. قذف . حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “. جريمة ” أركانها “.

استظهار القصد الجنائي في جريمتي القذف والسب . موضوعي . شرط ذلك ؟

جريمة القذف لا تتطلب قصداً خاصاً . كفاية توافر القصد العام . مناط تحققه ؟

لا محل للخوض في مسألة النية أو صحة وقائع القذف . إلا إذا كان الطعن موجهاً لموظف عام أو من في حكمه . علة ذلك ؟

نعي الطاعن بانتفاء أركان جريمة القذف لتوافر حسن نيته لابتغاءه الصالح العام . غير مقبول . مادام لم يقنع المحكمة بسلامة نيته ولم يدلل على الوقائع التي اسندها للمدعي المدني .

 (٥) قذف. جريمة ” أركانها “. محكمة الموضوع” سلطتها في تقدير الدليل”. محكمة النقض” سلطتها”.

القذف والسب المستوجبان للعقاب . ماهيتهما ؟

لمحكمة النقض مراقبة قاضي الموضوع فيما يرتبه من نتائج لبحث واقعة القذف لتبين مناحيها ومرامي عباراتها إنزالاً للقانون على وجهه الصحيح .

مثال .

(٦) قذف . أسباب الإباحة” استعمال الحق “. مسئولية جنائية. نقض” أسباب الطعن. مالا يُقبل منها”.

النقد المباح . ماهيته ؟

نعي الطاعن بأن ما نشره من قبيل النقد المباح . غير مقبول . متى كانت العبارات المنشورة من شأنها لو صحت استجاب عقاب المدعي بالحق المدني واحتقاره عند أهل وطنه .

(٧) دفوع ” الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها “. دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . مالا يوفره”.

للمحكمة الالتفات عن الرد على دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها . مادام لم يبين أساسه وماهية الدعوى المدفوع بسبق فصلها.علة ذلك؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائــع

أقام المدعي بالحق المدني دعواه ضد الطاعن بطريق الادعاء المباشر بموجب صحيفة معلنة قيدت برقم …… لسنة ٢٠١١ جنح بولاق أبو العلا (والمقيدة بالجدول الكلي برقم ….. لسنة ٢٠١١) أمام محكمة جنايات القاهرة لتحريك الدعوى الجنائية قبله ومطالباً بمبلغ ٥٠٠١ جنية تعويض مدني مؤقت على سند من أنه في يومى ٢٠ ، ٢٣ من فبراير سنة ٢٠١١ بدائرة قسم بولاق أبو العلا ــــ محافظة القاهرة .

ـــــ قذف بإحدى طرق العلانية المجني عليه/ …… ( المدعي بالحق المدني ) بأن أسند إليه عن طريق النشر بالصحف أموراً لو صحت لأوجبت عقابه قانوناً واحتقاره عند أهله ووطنه وكما قام بسببه علانية على النحو المذكور بعبارات تخدش الشرف والاعتبار بقصد التشهير به .

ومحكمة جنايات القاهرة نظرت الدعوى وبجلسة ٢ من إبريل سنة ٢٠١٢ قضت غيابياً بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمه عشرون ألف جنية وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ ٥٠٠١ جنية تعويضاً مدنياً مؤقتاً .

عارض الطاعن في هذا الحكم وبجلسة ١٠ من إبريل سنة ٢٠١٣ قضت المحكمة حضورياً عملاً بالمواد ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ من قانون العقوبات بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بمعاقبته بتغريمه مبلغ عشرة آلاف جنيه وبإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ ٥٠٠١ جنيه على سبيل التعويض المؤقت .

فطعن الأستاذ/ المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في ٥ من يونيه سنة ٢٠١٣ ، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن في ذات التاريخ موقعاً عليها من الأستاذ/ المحامي .

وبجلسة اليوم نظرت المحكمة الطعن حيث سمعت المرافعة على النحو المبين بمحضر الجلسة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقــــرر والمرافعة وبعد المداولة قانونــاً .

حيث إن العقوبة المقررة لجريمة القذف طبقا للمادة ۳۰۳ من قانون العقوبات المعدلة بالقانون ١٤۷ لسنة ۲۰۰٦ ، والتي عومل الطاعن بها – بحسبان أنها عقوبة الجريمة الأشد – هي الغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه ، وأوجبت المادة ٣٠٧ من قانون العقوبات في حالة ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بطريق النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات رفع الحدين الأدنى والأقصى لعقوبة الجريمة إلى ضعفيهما ، وكان من المقرر أن ضعفا الشيء في صحيح قواعد اللغة هو مثلاه ، مما لازمة ألا تزيد عقوبة الغرامة على خمسة وأربعون ألف جنيه . وإذ كان ذلك ، وكانت العبرة في تقدير العقوبة بما يرد به النص عليها في القانون لا بما ينطق به القاضي في الحكم ، الأمر الذي مفاده أن جريمة الطاعن تجاوز العشرين ألف جنيه ويكون الطعن المقام منه جائزاً.

حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القذف والسب بطريق النشر قد شابه قصور في التسبيب ، وفساد في التدليل ؛ ذلك أنه لم يحط بواقعات الدعوى ، وخلا من إيراد أن الدعوى أقيمت قبل الطاعن بشخصه على الرغم من أن صحيفة الادعاء المباشر أقيمت قبله بشخصه وبصفته ، كما لم يدلل الحكم على توافر القصد الجنائي للجريمتين اللتين دانه بهما ، وأغفل الرد على دفاع الطاعن القائم على أن ما نشره لا يحقق أركان الجريمة المنسوبة إليه لصدوره عن حسن نية ، وما قصد به إلا المصلحة العامة في حدود النقد المباح عملا بنص المادة ٦٠ من قانون العقوبات ، وعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الجنحة رقم ….. لسنة ٢٠١١ بولاق ، كل أولئك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان بهما الطاعن ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبة الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ، كان ذلك محققاً لحكم القانون ، كما جرى به نص المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم بالقصور لا محل له . لما كان ذلك ، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه لم يورد أن الدعوى أقيمت قبله بشخصه فمردود بما أورده الحكم المطعون فيه في صدر بيانه لواقعة الدعوى حين ذكر أن المدعي بالحق المدني أقام دعواه بطريق الادعاء المباشر بصحيفة أعلنها لكل من الطاعن …… رئيس تحرير جريدة الأخبار سابقاً ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن استظهار القصد الجنائي في جرائم القذف والسب علنا من اختصاص محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها دون معقب عليها ، مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، وكان القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً خاصاً بل يكتفى بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف أو احتقاره ، وهذا العلم مفترض إذا كانت العبارات موضوع القذف – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – شائنه بذاتها ومتى تحقق القصد الجنائي في جرائم القذف والسب ، فلا محل للخوض في مسألة النية أو صحة وقائع القذف إلا في صورة ما يكون الطعن موجهاً إلى موظف عام أو من في حكمة ، ففي هذه الصورة إذا أفلح المتهم في اقناع المحكمة بسلامة نيته في الطعن بأن كان يبغى الدفاع عن مصلحة عامة واستطاع مع ذلك أن يثبت حقيقة كل فعل أسنده إليه المجني عليه بصفته ، فلا عقاب عليه برغم ثبوت سوء القصد ، أما إذا تبين أن قصده من الطعن إنما هو مجرد التشهير والتجريح ، فالعقاب واجب ، ولو كان في استطاعته أن يثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه . وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يفلح في إقناع المحكمة بسلامة نيته في الطعن، ولم يستطع التدليل على حقيقة الوقائع التي أسندها إلى المدعى بالحقوق المدنية ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون غير صائب . لما كان ذلك ، وكان الأصل في القذف والسب الذي يستوجب العقاب قانوناً هو الذي يتضمن إسناد فعل يُعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه، ومن حق قاضي الموضوع أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى ، ولمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها ومرامي عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الوقائع والأمثلة على ما نشره الطاعن بجريدة الاخبار ، وانتهى صائباً أنها توجب عقاب المسند إليه واحتقاره عند أهل وطنه لو صحت ، الأمر الذي تتوافر معه في حق الطاعن القذف والسب كما هي معرفة به في القانون ، فإن ما يثيره في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من قدره أو كرامته ، فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه ، وكانت العبارات التي تضمنتها المقالات التي نشرها الطاعن بجريدة الأخبار من شأنها لو صحت استجاب عقاب المدعي بالحقوق المدنية واحتقاره عند أهل وطنه ، فإن ما يثيره الطاعن على الحكم بقاله أن ما نُشر هو من قبيل النقد المباح يكون غير قويم . لما كان ذلك ، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن دفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها إلا أنه لم يبن أساس دفعه ، بل أطلقه في عبارة مرسلة دون أن يكشف عن ماهية الدعوى المدفوع بسابقة الفصل فيها وما آلت إليه ، فمن ثم فإن هذا الدفع على هذه الصورة يكون ظاهر البطلان لا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة .

فلهــذه الأسبــاب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة .

زر الذهاب إلى الأعلى