لن ينال السلام إلاَّ القادر على الحرب
نشر بجريدة الأهرام الاثنين 27/7/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
لا مراء في أن الحرب ليست من المرغوبات، كما أنها لا تقف في مقدمة قائمة الخيارات طالما وجدت البدائل التي لا تغني عنها، ومما لا يغني عنها أن تكون «حرب ضرورة»، تدعو إليها ضرورة أو ضرورات لا محيص عنها ولا بديل لها.
في شأن القتال حدثنا القرآن الحكيم فقال: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ».
(البقرة 216).
والقتال يكون مكتوبًا حين يكون «ضرورة»، ويكون ضرورة حين يكون مفروضًا والقعود عنه تفريط.. ويرجح أن يكون «ضرورة مفروضة» حين يكون دفاعًا، فالعدوان بكل المقاييس لا ضرورة فيه.
لذلك دلّت دروس التاريخ على أن حرب الضرورة يكون النصر فيها لمن فرضت عليه الضرورة إذ لا خيار له إلاَّ النصر، وبديل النصر في حرب الضرورة -هو الضياع وربما الاندثار- لذلك فإن «الضرورة» تمنح العزم والإصرار والثبات والبذل والفداء.
أقول هذا لأنه واضح للعيان أن مصر مستهدفة ، شرقًا وجنوبًا وغربًا ، أتاها الإرهاب من الشرق، وحققت عليه نصرًا ملحوظًا في سيناء يقي البلاد من غائلته، ويأتيها الخطر من الجنوب ممثلاً في «السد الأثيوبي» ، ولا يعنيني تبرير أثيوبيا لسدها بأنه سد النهضة، وهو تعبير مضلل لإجازة ما لا يجوز، فأثيوبيا لديها من الماء فوق الكفاية بكثير، وتعلّة الكهرباء فيها قدر كبير من الافتعال، حالة كون محطات توليد الكهرباء والطاقة جاوزت المائة بكثير في أثيوبيا، ثم إن توليد طاقة إضافية لا يحتاج إلى أكثر من اندفاع الماء لتشغيل التوربينات ولا يحتاج إلى ملء ما وراء السد، إلاَّ أن يكون الهدف تعطيش مصر، وتهديد الحياة فيها، ضمن مخطط يبدو واضحًا من تعدد خيوطه وتنوع أساليبه لإضعاف مصر وتقويض ما غدت تحققه في جميع المجالات.
والخطر القادم من الغرب يهدد الأمن القومي للبلاد، ويفتح عليها نار إرهاب مصنوع مدفوع على ليبيا ليندفع منها إلينا عبر الحدود الطويلة المشتركة، ولا يمكن لمراقب سياسي أن يتجاهل سكوت الولايات المتحدة عن اتخاذ خطوات جادة فاعلة ومؤثرة -وهي تملكها- لوقف التمدد التركي في سوريا والعراق، وفي ليبيا، فضلاً عن التعدي على حقوق قبرص واليونان في مياههما الإقليمية بقصد الاستيلاء على الغاز الطبيعي الموجود فيها إضرارًا بحقوق الدولتين، واكتفاء الولايات المتحدة باعتراضات شكلية كلامية لا تعني إلاَّ أن ما تفعله تركيا يوافق هواها.
كان من المؤسف، ولا يزال، أن معظم الأنظمة العربية قد تركت الآخرين يعتقدون بأنها فقدت القدرة ومعها النخوة، وباتت وهي التي تدعم بنوك الغرب وشركاته الكبرى بأموالها، مكتفية بالفتات، مما لا موضع له في دنيا السياسة، ولا في حق الأوطان في رعاية مصالحها بالعزة والكرامة.
والسؤال!
لماذا تجرأت تركيا لتعبث هذا العبث المتعدد في سوريا والعراق وليبيا، ولماذا اطمأن مؤيدوها إلى أن ما ترتكبه من أوزار سيمضي إلى غايته ودون حساب، ولماذا تجرأت أثيوبيا على تعطيش مصر وتهديد الحياة فيها، ولماذا اطمأنت ومؤيدوها الظاهرين والمستخفين إلى حيازة التأييد بل والتمويل من دويلة قطر التي تحالفت معها بأموالها وما أتاحته من قواعد على أرضها للولايات المتحدة، ثم لتركيا لتهدد منها جيرانها وتفرض دعمًا لمخططاتها في سوريا والعراق، وأخيرًا في ليبيا !
ولماذا تتغطرس إسرائيل، وتمضى مع تهويد الدولة، في سعيها للاستيلاء على كامل فلسطين، وتشريد شعبها، والإعراض عن كل مساعي السلام القائم على العدل ؟!
هنا تشرئب القاعدة: لن ينال السلام إلاَّ القادر على الحرب.
هذه القاعدة ليست دعوة إلى الحرب، بل هي إعمال لقاعدة لا تفوت أن احتياز أسباب القوة والمنعة، وأسباب التصدي والردع، والقدرة من ثم على الحرب، هي التي تحقق السلام للقادر عليها، وافتقادها يجعله نهبًا لأطماع الغير وتغوّلاته على حقوقه بل ومصيره.
الإقناع بالقدرة على الحرب ليس طنطة لفظية، ولا أقاويل استعراضية، إنما بما أعدته الدولة -وقد أعدت مصر- من قوات مسلحة كفئة ومتميزة في البر والبحر والجو، وقادرة على أن تخوض الغمار وتحمي وطنها وشعبها.
يذكرنا ذلك بالآية القرآنية التي تحث على إعداد القوة لاحتياز القدرة على الدفاع ومواجهة والتصدي لأطماع الطامعين.
يقول القرآن الحكيم: «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ» (الأنفال 60)
هذه الآية تعبير إلهي عن قاعدة أنه لا ينال السلام إلاَّ القادر -بما أعد من قوة- على الحرب، بإثناء العدو الظاهر والخفي عن استسهال الطمع والتغوّل على حقوق غيره ومصيره، بل وحياته نفسها !
مصر تدعو إلى السلام ولا تحيد عن هذه الغاية.
ولكن مصر قادرة على الحرب، وهي أكثر قدرة عليها حين تكون «ضرورة» مفروضة عليها.
وستحيا مصر، ولو رغمت أنوف !