لا أصل للخلافة في الإسلام! (9) أسس كتاب علي عبد الرازق
من تراب الطريق (951)
لا أصل للخلافة في الإسلام! (9)
أسس كتاب علي عبد الرازق
نشر بجريدة المال الأربعاء 7/10/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
من حق الأستاذ الشيخ علي عبد الرازق، وقد ظُلِمَ ظلمًا كبيرًا في حياته ، ودفع ثمنًا باهظًا لتأليف كتابه « الإسلام وأصول الحكم » ، أن نسجل له أنه التزم أصولاً منهجية وموضوعية في وضع هذا الكتاب .
وهو لم يُخُفِ رأيه الذي خلص إليه من بحثه ، أن الإسلام « برئ » من نظام الخلافة ، وساق فيما ساق من أسس لرأيه ، تعريفًا لكل من الخلافة والملك ، والفارق بينهما ، وتوقف عند المعاني التي اتخذها البعض مفهومًا للخلافة ، وقولهم إن الخليفة عندهم يقوم في منصبه مقام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنه بعد أن لحق عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى ، قام الخلفاء مقامه في « حفظ الدين وسياسة الدنيا » وهم لذلك ينزلون الخليفة من الأمة بمنزلة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من المؤمنين ، وبما له على الأمة من الولاية العامة ، والطاعة التامة ، والسلطان الشامل ، وحق القيام على دينهم والقيام على شؤون دنياهم ، لأنه ـ في تصورهم ـ نائب الرسول عليه الصلاة والسلام .
وبعد أن يستشهد الأستاذ الشيخ على عبد الرازق بآراء ابن خلدون التي أسلفنا وجيزها ، يقفى بأنه كان واجبًا على من أضفوا على الخليفة تلك القوة ، ورفعوه إلى ذلك المقام ، وخصوه بكل هذا السلطان ، أن يقدموا دليلهم على ذلك من القرآن والسنة ، ولكنهم لم يفعلوا !!!
ويقفى بأنه لم يجد في مباحث هؤلاء ، دليلاً على هذه الفرضية بآية من كتاب الله أو بشيء من السنة النبوية ، ولو وجدوا آيةً واحدةً تظاهرهم لما ترددوا في الاستشهاد بها ، أو حديثًا صحيحًا من السنة النبوية لما أحجموا عن الاستناد إليه.
أما عبارة « أولي الأمر » التي وردت بآيتين من آيات القرآن الكريم ، فإنه فضلاً عن أن أغلب المفسرين على أنها تنصرف إلى أمراء المسلمين في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو كبراء الصحابة البصراء بالأمور ، فإن الآيتين لا تظاهران شيئًا من معنى الخلافة التي أخذ بها أصحاب هذا النظر.
الأستاذ الدكتور عبد الحميد متولي
هذا الكتاب أشمل وأعرض وأعمق ما كتب في هذا الباب ، لأستاذنا الجليل المرحوم الدكتور عبد الحميد متولي ، أستاذ القانون الدستوري والأنظمة السياسية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية ، وبجامعة أم درمان الإسلامية ، فقد وضع كتابًا ضافيًا وشاملاً في «مبادئ نظام الحكم في الإسلام » في نحو خمسمائة صفحة ، لم يترك فيه شاردة ولا واردة لكبار الفقهاء والعلماء قديمًا وحديثًا ـ إلاَّ أحاط بها ومحصها ، ليخلص بعد دراسة واسعة ، عريضة وعميقة ، إلى أن الخلافة ليست من أصول الحكم في الإسلام ، وأنه مع أن الإسلام « دين ودولة » ، إلاَّ أنه فيما يتعلق بنظام الحكم جاء « بمبادئ دستورية عامة » ، كمبادئ الشورى والعدالة والمساواة ، ومن ثم لم يفرض على المسلمين نظامًا معينًا من أنظمة الحكم ، ذلك أن الآيات القرآنية قد تركت تفصيل الأحكام لتنظيم الشورى وتحقيق العدل والمساواة ، وكما يقول الأستاذ الكبير الشيخ عبد الوهاب خلاف ، لتراعى فيها كل أمة ما يلائم حالها وتقتضيه مصالحها .
فالخلافة ليست من أركان الدين كما يرى الشيعة ، بل ولا من أصول الحكم كما يرى كثيرون من علماء السنة ، إنما هي من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الأمة ، وأن المطالبة بقيام نظام الخلافة في عصرنا تتنافى مع مقتضيات الواقع في العصر الحديث ، ولا محل للقياس على الخلافة الراشدة التي كانت حتى أواسط عهد خلافة عثمان بن عفان ، ثم في خلافة الإمام على التي تواصلت بصورة ما ـ مع ما كان في عهد أبى بكر وعمر .
ذلك أن مرد هذا النظام المثالي إلى توافر عناصر لم يعد شيء منها متوافرًا بعد ذلك ، فقد كانت هذه الخلافة الراشدة قريبة عهد بنزول القرآن الكريم ، مع بساطة الحياة ووجود صحابة من الرجال العظام الذين تأسوا بالقدوة الحسنة للرسول عليه الصلاة والسلام ، فضلاً عن أن الثابت بمراجعة آيات القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية ، أن الإسلام قد جاء في شئون الحكم ـ بمبادئ عامة تصلح للتطبيق في مختلف الأزمنة والأمكنة ، ولم يقيد بنظام معين من أنظمة الحكم .
وحاصل ذلك ، أن الخلافة ليست أصلاً من أصول الحكم في الإسلام .