لا أصل للخلافة في الإسلام ! (7) بين على عبد الرازق والسنهوري
من تراب الطريق (949)
لا أصل للخلافة في الإسلام ! (7)
بين على عبد الرازق والسنهوري
نشر بجريدة المال الاثنين 5/10/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
استقطب اهتمام المهتمين ، كتابان ظهرا تباعًا سنة 1925 ، وسنة 1926 ، أولهما كتاب للشيخ على عبد الرازق ، أصدره بعنوان : « الإسلام وأصول الحكم » ، وهو كتاب يقوم في مبناه ، وفى لحمته وسداه ، على أن الخلافة ليست أصلاً من أصول الحكم في الإسلام ، وأثار الكتاب وقت صدوره ضجة كبرى ، وأدى إلى سحب شهادة العالمية الأزهرية من المؤلف ، وفصله من القضاء ، وكان قاضيًا شرعيًّا ، ورئيسًا للمحكمة الشرعية في المنصورة ، إلاَّ أنه مع توالى الزمن ، طفق الاعتراض على الكتاب يتراجع ، وتأييده والتنويه بمؤلفه يتزايد .
أما كتاب الدكتور عبد الرزاق السنهوري ، وصدر سنة 1926 ، فهو رسالته الثانية للدكتوراه ، موضوعها « فقه الخلافة » ، وهى مكتوبة بالفرنسية ، ولم يظهر الأستاذ السنهوري في حياته رغبة في ترجمتها إلى أن لاقى ربه ، ثم ارتأت ابنته المرحومة الدكتورة نادية السنهوري ، أن تنهض على ترجمة أجزاء من الرسالة ، بتقديم وتعليق زوجها الدكتور توفيق الشاوي أستاذ القانون الجنائي ، وصاحب الميول الإخوانية ، وقد اعتمدت الرسالة في استخلاصها لفقه الخلافة ، وعلى ما سارت عليه حكومة الخلفاء الراشدين باعتبار أنها أقامت الأصول الشرعية لنظام الحكم الإسلامي ، أما الدول التي جاءت بعدها ، سواء الأمويون أو العباسيون أو العثمانيون أو دويلات الأسر التي تفرعت عنها ، فقد اعتبرها الأستاذ السنهوري « خلافة ناقصة » ، حالة كونها جميعًا مع انتسابها للإسلام وإقرارها بمبدأ الشورى والبيعة ، إلاَّ أنها لم تلتزم بشيء من ذلك ، ولم تحترم المبدأ ، وأقامت حكمها على الوراثة ، وكانت عناية الأستاذ السنهوري ـ الشاب آنئذٍ ـ بالخلافة ، تتجه إلى تحقيق وحدة الأمة في صورة تنظيم سياسي يضمن لها المكانة الدولية ، وإزاء تسليمه بأن الظروف الحاضرة يتعذر فيها إقامة الخلافة الكاملة الصحيحة ، فإنه لا بد فيما ارتأى ـ من إقامة خلافة ناقصة بها بناء على خطة تمكنها من أن تستكمل تدريجيًّا مقومات الخلافة الراشدة الكاملة .
ونرى من ذلك ، أن الأستاذ السنهوري ، والعلامة ابن خلدون ، يتفقان في أن الخلافة الخالصة في تعبير ابن خلدون أو الخلافة الراشدة أو الكاملة في تعبير السـنهوري ، لم تحدث إلاَّ في الزمن الأول : زمن الخلفاء الراشدين الأربعة ، ويتفقان أن ما تلا ذلك لم يكن خلافة خالصة أو خلافة راشدة أو كاملة ، فوصف ابن خلدون الأمر بأنه صار إلى « ملك » بعد آخر عهد الإمام علىّ ، ووصفه السنهوري في رسالته بأنه « خلافة ناقصة » ، وكلا التعبيرين يُسلّم بأنه لم تكن هناك خلافة بالمعنى الخالص أو الكامل بعد زمن الخلفاء الراشدين الأربعة !
الذى لم يعد فيه شك ، أن حكام الدول الأموية والعباسية والعثمانية ، قد ذهبوا بالحكم إلى ملك عضوض قائم على الوراثة ، والاستبداد ، وبعيد كل البعد عن الخلافة الخالصة بتعبير ابن خلدون ، وعن الخلافة الراشدة أو الكاملة في تعبير السنهوري.
وجدير بالذكر أن الأستاذ السنهوري الذى لا نمارى في علمه وأستاذيته ، قد كتب رسالة « فقه الخلافة » في مستهل شبابه ، ولم يظهر طوال حياته حماسًا لترجمتها من الفرنسية حتى لاقى ربه ولذلك دلالة لا تفوت ، ولسنا نجارى التعلق بالخلافة بوصف الممارسات الجانحة التي تلت عهد الراشدين بأنها « خلافة ناقصة » ، فقد أفصح الأستاذ السنهوري نفسه عن أن هذا « النقص » مرجعه إلى عدم الالتزام بنظام البيعة ـ أي الاقتراع والانتخاب ، واستبدالها بالتوريث مع ولاية العهد لمتعددين ، ومرجعه أيضًا إلى التحول عن الشورى كوسيلة ومبدأ ، إلى استبداد سافر مَثَّلَ القاسم المشترك في حكومات تلك الدول .
وإقرار الأستاذ السنهوري بذلك، يفرغ التعبير بكلمة « الخلافة » من أي مضمون ، فلا معنى للتمسك بالمسمى ، بينما نظام الحكم في تلك الدول قد افتقد كل مقومات الخلافة ، وساقه هذا الاستبداد إلى الطغيان الذى كان من نتائجه هذه الدماء التي أريقت بغير حق على جدار السلطة !!!