كيف نعزز اللغة العربية القانونية ؟ (4)

بقلم الدكتور / محمد عبد الكريم أحمد الحسيني

لغة القانون المعنية هي تلك اللغةُ الفنيَّةُ التي تدخل في تكوين القاعدة القانونية جوْهرا، وتمثل وِعاءَها شكلا ومظْهرا ، فهي جزءٌ رئيس ومكون أصيلٌ لتلك القاعدة ، مثل باقي عناصرها من الفَرْض والحكم كما في القواعد التجريمية ، وهي لازمةٌ لزومَ عنصر الفرضِ حالَ غابَ الحكمُ كما في القواعد القانونية التكميلية .

 

وليس يصحُّ ما يذهبُ إليه البعض من أنَّ اللغة القانونية صناعة اللغويين فحسب…!!!

وأنَّ القانوني قاضيا كان أو محاميا أو غيرهما …. يكفيه ما قد ألمَّه من معارف اللغة العربية ومهاراتها ليمضي على درب الصواب وجادة العمل القانوني بلا احتياج إلى مزيد منها ….!!!

وأن كفايته القانونية تغنيه عن أي كفاية لغوية أخرى .. فحسبه أنه تخرج في كليات القانون ودرس علوم القانون ….!!!!!!

هذا والله هو المخوف منه….!!!

وهذا الوهم هو سبب الارتكاس اللغوي الذي يعاني منه كثير من القانونيين … !!!!

 يا سادة …يا أيها القانونيون والمعنيون بلغة القانون ….. !!

إن لغة القانون التي نُعنى بها ونحامي عنها ونلهج بذكرها ، ونقول بوجوبها ليست هي اللغة العربية الفصحى بأجناسها وفنونها التي نعرفها على ما يبدو للوهلة الأولى … كلا ثم كلا !!!

 بل إنها – وإن كان تستمد ابتداء من مصدرها الأولي اللغة العربية الفصحى – لغة قانونية فنية مخصوصة ومقيسة ، محددة بالقانون ومفصلة للقانونيين ، فهي مكون جوهري للقاعدة القانونية ، لا تقوم القاعدة إلا بها ، ولا تنهض في أداء عملها من افتراض التجريم -وما يتبع ذلك من المطابقة للنموذج القانوني للجريمة …. وصولا إلى وجوب إعمال الحكم أو الجزاء (شقها الثاني ) – إلا بتلك اللغة القانونية الفنية …!!!

فهي لغة قانونية فنية تشارك القاعدة القانونية في جوهرها وعناصرها ، وتمثل شكلها وبنيانها ، وتُقاسمُها العملَ والأداءَ في الافتراض والحكم وفي سائر وظائف القواعد القانونية على تعددها وتنوعها ….!!!

ونظرا لجدة هذه المعطيات سابقة الذكر وأهميتها؛ فلنا معها وقفة بل وقفات تاليات بإذن الله تعالى …

ونعود إلى موضوع المقال لنؤكد على أن احترام لغة القانون ورعايتها وحمايتها لن يتأتى على الوجه الصحيح إلا بتدخل تشريعي مباشر يفرضُ وجودها، ويعزِّزُ حضورها، ويجعلها حاضرة فاعلة في مؤسسات القانون وفي أعمال السادة القانونيين ، ومن ثم فقد اقترحنا هذا الميثاق العربي ليكون محل دراسة ومناقشة من كافة الدول العربية برعاية جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي من خلال أجهزتهما القانونية …. للوصول إلى تشريع جامع يكفل حماية لغة القانون الفنية ورعايتها .

ومتابعة لعدة المقالات السابقة تأتي هذه المقالة الرابعة لعرض مقترحنا الفعلي في صياغة الميثاق العربي ، ميثاق لغة القانون من خلال عرض عناصره المتمثلة في :

1-ديباجته.

2- بنوده المقترحة .

لغاية رئيسة هي رعاية لغة القانون وتعزيزها وتفعيل رعايتها وضمان حمايتها ، تطبيقا لما سبق ذكره من تأصيلات ومفترضات .

(1)

مقترحات ديباجة ميثاق لغة القانون

 

انطلاقاً عن كون اللغة العربية القانونية وعاء النظام القانوني العربي أجمع ، وأنها وحدها دون غيرها لغة الدساتير والتشريعات ، ولغة المحاكم في التداعي والتقاضي والحكم، ولغة المخاطبات والتعاملات الرسمية، كما أنها لغة التعاقدات والاتفاقات القانونية ما بين أفراد كافة الدولة العربية ، بل وما بين الدول العربية وبين بعضها .

وبناء على اعتداد نصوص الدساتير العربية كافة، ونصوص التشريعات العادية في كل الدول العربية بــ”اللغة العربية القانونية “وتخصيص مواد قانونية مفردة وغير مفردة في التنوية بها وفي وترسيمها لغةً رسميةً للقانون والتقاضي وإدارة البلاد ، وكونها لغة الدولة الرسمية في مخاطبة الكيانات والأفراد ، وفي استقبال شكاويهم وكشف مظالمهم وتلبية احتياجاتهم .

وإيمانا بأن اللغة العربية القانونية هي لغة إحقاق الحقوق وصون المراكز القانونية ، والدفاع عن الحرية وتحقيق العدالة ، تعزيز المساواة .وانطلاقا عن آمال الوحدة العربية والتاريخ الحضاري المشترك والحلم العربي في توحيد التشريعات العربية المشتركة والعمل على تلاؤم التشريعات العربية الداخلية .

وسعيا في سبيل تحقيق هذا الحلم، وعملا على تمهيد أرضيته الفنية بالتماشي مع الجوانب الإيجابية في توحيد التوجهات الوطنية والإرادات السياسية نحو هذا التوحيد التشريعي وذلك التكامل القانوني بين كافة الدول العربي.

وتأسيسا على أن اللغة العربية القانونية هي فرع من اللغة العربية القانونية الفصحى لغة القرآن الكريم ولغة السنة النبوية وهما مصدر أساسي من مصادر التشريع في جل الأقطار العربية ، ثم إنها لغة التاريخ والحضارة والعلوم والفنون العربية والإسلامية على مدار القرون .

بناء على ما تقدم جميعا اتفقت أطراف هذه الوثيقة على الاعتداد بها ميثاقا عربيا موحدا موضوعه احترام لغة القانون وتعزيزها وتدعيمها والتمكين لها، وتشجيع السادة القانونيين والمعنيين على تحصيلها والتمهر بها وعلى توظيفها في أعمالهم القانونية الشفاهية والكتابية …. تم الاتفاق على الآتي :

 

 

 

الباب الأول : أحكام اللغة العربية القانونية ومقوماتها.

فصل 1 :

مكانة اللغة العربية القانونية في الدستور والقانون.

 

مبحث (1)

الاعتداد باللغة العربية القانونية (لغة القانون)

وتعلق أحكامها بالنظام العام

 

فرع (1) أحكام تأسيسية للغة العربية القانونية

 

بند ( 1 )

يستجيب هذا الميثاق للنصوص القانونية الدستورية والتشريعية في كافة دساتير وتشريعات الدول العربية بأن: ” الإسلام دين الدولة، و اللغة العربية لغتها الرسمية” ، ونصوص التشريع القاضية بأن “لغة المحاكم هي اللغة العربية”. ويقر الميثاق كذلك كافة النصوص القانونية في جميع التشريعات العربية المتعلقة باللغة العربية وأحكامها .

بند ( 2 )

“اللغة العربية القانونية” – ويمكن تسميتها اختصارا بــــ”لغة القانون” – مصطلح جامع أصله ومصدره هو “اللغة العربية الفصحى” بقواعدها ونظامها اللغوي المعتبر ، ونقصد بهذا المصطلح: تلك اللغة العربية التي تصاغ بها النصوص القانونية والأحكام والعقود وسائر المكاتبات الرسمية ذات المضمون القانوني والغاية القانونية، وهي كذلك لغة الخطاب والتخاطب القانوني الرسمي في المؤسسات والكيانات القانونية .

 

بند ( 3 )

تستمد “اللغة العربية القانونية أصولها وروافدها من اللغة العربية الفصحى الأم ، فهي تجري على سننها وتأخذ بنظامها مع ما يناسبها من سمات تركيبية وخصائص دلالية تقتضيها طبيعتها القانونية ووظيفتها العدلية، فهي لغة عربية فصحى ذات مضمون قانوني ووظيفة قانونية وسمات وخصائص تناسب النص القانوني وطبيعته ووظيفته .

 

بند ( 4 )

تعتبر اللغة العربية القانونية مُقوِّما رئيسا من مُقومات الدول العربية القانونية المعاصرة ، باعتبارها لغة النصوص القانونية، ولغة نظامها القانوني الوطني، إضافة إلى أنها فرع عن اللغة العربية الفصحى ، لغة الدولة الرسمية، ولغة القرآن الكريم، ولغة التاريخ والحضارتين العربية والإسلامية.

 

بند ( 5 )

مع مراعاة أحكام القوانين العربية المتعلقة باللغة العربية الرسمية، ووجوب الاستجابة لنصوصها الدستورية والقانونية ومقتضياتها بهذا الخصوص، يُعْتدُّ باللغة العربية القانونية وَحْدها لغةً رسميةً في كافة النصوص القانونية والمكاتبات والمشافهات والاتصالات القانونية الرسمية في جميع الدول العربية الموقعة على هذا الميثاق .

 

زر الذهاب إلى الأعلى