كيف سيغير التحول التقني من ملامح سوق العمل القانوني في مصر؟

بقلم: الأستاذ/ مصطفى جمال

مما لاشك فيه أننا أصبحنا نشهد بداية موجة جديدة من موجات التحول التقني أو التحول الرقمي في العالم، فقد أدى التطور المتنامي للتكنولوجيا إلى استحداث وابتكار تقنيات جديدة ساعدت في تيسير حياة الفرد في المجتمع، فأصبح بإمكانك الأن إنهاء العديد من الأعمال التي كانت تتطلب الوقت والجهد من موقعك وبضغطة زر، كما أصبحت الحكومات تتسابق في تطوير أنظمتها الإدارية وخدماتها بإستخدام التكنولوجيا لتيسير حياة مواطنيها إلى أن ظهر ما يسمى بالحكومة الذكية .

كما أصابت موجات التحول التقني كذلك سوق الأعمال فأدت إلى ظهور مجالات جديدة لم نكن نسمع عنها وأدت أيضاً إلى اندثار أخرى لم يعد المجتمع في حاجة لها بفضل التكنولوجيا، فأصبحت إدارة الأعمال في كبرى الشركات تعتمد وبشكل أساسي على التقنيات الحديثة  مثل الذكاء الإصطناعي والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء .. إلخ وقل معها الدور البشري  وحلت التقنيات الحديثة محلها.

ولأن التحول الرقمي أصبح يفرض نفسه على الدول والحكومات، بإعتبار أن التكنولوجيا هي لغة العصر الحالي، فقد رضخت العديد من الدول أمام هذه التقنيات الحديثة وأصبحت تضع الخطط وتنفق الأموال في سبيل الوصول إلى التطور التقني الذي يحقق رفاهية لمواطنيها وتيسير تقديم الخدمات لهم.

وبين هذا وذلك ومن منطلق التطور التقني الذي غير خريطة سوق العمل القانوني وظهور مصطلح الـ Legal Tech، سنتحدث في هذا المقال عن تأثير التحول التقني الذي نشهده على سوق العمل القانوني في مصر

بدايةً يشير مصطلح legal Tech  إلى استخدام التقنيات التكنولوجية في تقديم  الخدمات القانونية  وفي إدارة الأعمال القانونية وإدارة مكاتب المحاماة.

فمنذ 50 عاماً، إذا كنت بحاجة إلى إستشارة قانونية كان عليك التوجه إلى مكتب الأستاذ المحامي لعرض مشكلتك عليه، ثم الإستماع إلى مشورته القانونية، وظلت هذه الطريقة سائدة إلى وقتنا هذا بل لازالت موجودة بشكل كبير في مصر، في حين شهدت طرق تقديم الإستشارات القانونية شكلاً أخر في العديد من شركات المحاماة الكبرى فأصبح بإمكانك الحصول على إستشارتك القانونية عبر الإيميل ودفع المقابل من موقعك بوسائل الدفع الإلكترونية، وهناك العديد من شركات المحاماة صممت تطبيقاً إلكترونياً للتواصل مع العملاء والرد على استشاراتهم .

كذلك أيضاً البحث القانوني فقد تم الاستغناء عن الكم الهائل من الكتب والتي كان يصعب التنقل بها من مكان إلى أخر إلى مواقع بحثية مؤرشف عليها ألاف الكتب وملايين الوثائق والأحكام القضائية الهامة، كما ساهمت هذه المواقع في سرعة البحث والوصول على المعلومة نظراً لإستخدام التقنيات الحديثة في الأرشفة والتي تسهل البحث من خلال الكلمات الدلالية  وذلك مثل Westlaw و Lexis Nexis – و East Law

كما اختلفت كلياً عمليات التسويق القانوني ،  فأصبح البحث عن المحامين يتم من خلال مواقع التواصل الإجتماعي و موقع لينكد إن والموقع الإلكتروني الخاص بشركة المحاماة أو بالمحامي وذلك بدلاً من أن كان يتم من خلال دليل الهاتف وسؤال المعارف أو من خلال اللافتات الكبيرة التي يتم تعليقها على واجهات المكاتب، حيث لجأت العديد من شركات المحاماة العالمية إلى إنشاء قسم خاص بها مسئول عن  تسويق خدماتها القانونية والترويج لمنصتها القانونية أو موقعها الإلكتروني إن كانت تملك ذلك، فأصبحنا نجد العديد من شركات المحاماة الكبرى تمتلك فريق تسويق إحترافي يتبع أحدث نظريات التسويق مثل Local store marketing ( LSM ) و Open Market Valuation (OMV)  .

ومن كل ماسبق ذكره يظل التساؤل قائماً كيف سيكون سوق العمل القانوني في مصر بعد الدخول في موجة التحول الرقمي التي نشهدها ؟

بالتأكيد ستغير موجة التحول الرقمي السائدة من ملامح سوق العمل القانوني في مصر تغيراً جذرياً، والريادة ستكون لمن أدرك ذلك التحول مبكراً وسبق بإعداد نفسه وتغيير وجهته التقليدية بأخرى أكثر تماشياً مع العصر الرقمي الذي نشهده،

حيث ستصبح المكاتب تعتمد إعتماد كبير على التكنولوجيا في إدارة أعمالها وتوزيع المهام على الفريق وأرشفة القضايا والبيانات الخاصة بهم وأرشفة كافة الوثائق الهامة .

كما ستشهد نماذج شركات المحاماة الإفتراضية Virtual Law Firm Model  انتشاراً كبيراً ، وهي شركات المحاماة التي  ليس لها تواجد مادي ومقر لها، وإنما تقوم بتقديم خدماتها من خلال موقعها الإلكتروني على شبكات الانترنت.

كما سنجد توسع كبير في إستعانة شركات ومكاتب المحاماة بالتطبيقات الإلكترونية لإدارة كافة أعمالهم أو سيقومون ببناء أنظمة و تطبيقات خاصة بهم ، بل قد نجد بعد عدة سنوات الكثير من المحامين يغلقوم مكاتبهم ويفضلون العمل من المنازل نظراُ لكونه أكثر إنتاجية و أقل تكلفة بالنسبة لهم .

كما ستقوم شركات المحاماة بتوجيه إنفاقها على القسم التسويقي الإلكتروني وصرف ميزانيات ضخمة له، وسيقل الصرف بشكل كبير على التوسع التقليدي والذي كان يعتمد على فتح مكاتب جديدة لخدمة مدن جديدة، و سيتم توجيه هذه الأموال للإستثمار في الأفراد والتقنية و التسويق، كما سيتم إغلاق الفروع الأكثر تكلفة و الأقل إنتاجية و الاكتفاء بعدد بسيط من المحاميين لأداء جميع المهام عن بعد.

كما سيتجه المحاميين إلى التركيز أكثر على بناء علامات شخصية مميزة لهم، بدلاً من الإعتماد على  إعادة نشر المعلومات القانونية والقوانين والتشريعات والأحكام الحديثة دون تعليق يوضح شخصية المحامي.

وأخيراً سيؤدي التحول الرقمي إلى  توفير قدر كبير من الشفافية لم نعهده من قبل، حيث سيكون رضاء العميل  محل اهتمام كبير، فسيكون للعملاء القدرة على معرفة تقييمات العملاء السابقين ومدى رضاؤهم عن الخدمة المقدمة .

وختاماً، لابد أن نعي أنه لن يخسر في مرحلة التحول الرقمي سوى التقليدي الذي يصم أذانه عن التطوير ولايعطي له أي إهتمام، وستكون الريادة لمن ركب موجة التطور باكراً وحجز لنفسه مقعداً مميزاً، بالتالي لابد أن نكون أكثر إطلاعاً على كل مايحدث في سوق العمل القانوني في العالم خاصةً أن هناك سمة تطورات كثيرة قد حدثت خاصةً بعد جائحة كورونا، لذا فإذا لم تستطع اللحاق بركب التطوير فسيلتهمك دون أن تشعر، وهذا ما حدث مع الكيانات الإقتصادية العملاقة التي اختفت بين عشية وضحاها نتيجة عدم إعترافها بالتطوير الذي يحدث من حولها.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى