كيف تقرأ موكلك؟
بقلم/ أشرف الزهوي المحامي
سنوات العمل بالمحاماة تصقل المحامي وتمنحه الخبرة في التعامل مع الموكلين، عندما يلجأ إليك أحد الأشخاص لعرض قضيته أو موضوعه القانوني، فإنه يحتاج إلى الاستماع لرايك ويحاول أن يستنتج النتيجة، ويمكن تقسيم الموكلين إلى ثلاثة أطياف، الطائفة الأولى تعد الأفضل بالنسبة للمحامي، وهم الذين يمنحون للمحامي الثقة الكاملة في التعامل ويطمئنون لما سيقوم به من إجراءات قانونية، ولا يجادلون في تقدير الأتعاب التي يطلبها المحامي، وحتى إذا جاءت النتائج في غير صالحهم، فإنهم يقبلون بها ولا يلقون باللوم على المحامي، لأنهم يعلمون أن كل النتائج بقدر الله ولا مفر من قضائه.
يمكن أن تتعرف على شخصية هؤلاء بسهولة من خلال عدة تصرفات ومظاهر منها انهم يميلون إلى عمل توكيل للمحامي ولا يفضلون الحضور الشخصي، كذلك يقدمون للمحامي كل مستنداتهم دون تحفظ ولا يناقشون التفاصيل ويؤمنون بالتخصص ويتسمون بالصراحة المطلقة. أما الطائفة الثانية فهم أناس يغلب عليهم الخوف والتشاؤم، ولا يثقون في أحد، ويجادلون كثيرا ويبحثون ويدققون، ويناقشون في كل الأمور، ويضع المحامي دائما في اختبارات متكررة ويسألون أسئلة تنبئ عن شخصياتهم، مثل، سؤالهم للمحامي عن سبق العمل في مثل الموضوع الذي يخصهم وماهي النتائج التي حققها ويسألون عن اسم القاضي ووكيل النيابة والسكرتير، ويسعون إلى الحصول على تطمينات من المحامي، فإذا طمأنهم، فإنهم لا يكتفون بذلك بل يريدون معرفة سبب هذه الطمأنينة، وهم يربطون الأتعاب بالنتيجة ويساومون في السداد، وإذا استطاعوا أن يتنصلون من سداد المتبقي فإنهم يفعلون.
وهناك وقائع حدثت لدى بعض الزملاء مع مثل هؤلاء، حيث حضر أحدهم إلى مكتب زميل محام حكي لنا أن الرجل دخل إليه وهو منزعجا ويغلب عليه الخوف من نتيجة القضية، وكانت نوعها غش تجاري، وكان المحامي يعلم مسبقا بأن أغلب هذه القضايا يتم القضاء فيها بالغرامة المحددة، من خلال مباشرة القضايا المماثلة، ولم يكن هذا الموكل المذعور يعرف شيء عن أبعاد القضية، ثم فوجئ زميلنا المحامي بهذا الموكل الذي اشترط عليه تحقيق نتيجة والكشف عن الحكم الذي سيصدر، رغم أن الحكم يظل دائما في علم الله، فما كان من هذا المحامي إلا ‘ن ساير الموكل وافشي إليه بالحكم الذي سيصدر ولكنه لم يخبره بأن جل الأحكام التي تصدر في هذه النوعية من القضايا تكون معروفة لنا كمحامين سلفا، إنما أوعز إليه بقدراته الخاصة في الوصول إلى النتيجة المرجوة بما يملك من قدرات خاصة مهنية وأنها من الأسرار التي يحتفظ بها لنفسه، فاطمأن الموكل ودفع الأتعاب التي طلبها المحامي وأكد عليه بأنه يربط الأتعاب بتحقيق النتيجة وقد تحققت النتيجة وتحققت الثقة بين هذا الموكل وبين المحامي.
أما النوع الأخير، فهو الموكل الذي يريد أن يتابع كل الإجراءات بنفسه مع المحامي وهذا النوع من الموكلين يلجأ إلى البحث عبر الإنترنت ويقرأ في أحكام النقض ويتواصل مع مواقع التواصل الاجتماعي التي تضم أصحاب الخبرة القانونية ويعرض عليهم قضيته ويلتمس النتائج ولا يترك فرصة إلا ويحاول من خلالها معرفة النتيجة وإبعاد الموضوع، فإذا لجأ هذا الموكل إلى المحامي فإنه يدس أنفه في كل شيء، ويقترح المستندات المطلوبة، ويكتب مذكرات الدفاع ويحضر بنفسه ويطلب الحديث أمام المحكمة ويظن أن الأمر بسيطا وأنه على علم ودراية بكل الإجراءات ويتوقع النتائج، ويسعى طول فترة التعامل إلى توصيل رسالة إلى محاميه بأنه يعرف كل شيء انه يستطيع الحضور بمفرده والترافع وتقديم المستندات وكتابة المذكرات واستخراج الشهادات والمخاطبات.
وبالتالي فإن هذا النوع من الموكلين لا يدفع من الأتعاب إلا أقلها، وهو أكثر أنواع الموكلين خطرا على نفسه، ويروي احد الزملاء أن أحد الموكلين من هذا الفصيل لجأ إليه في جنحة مبان، أثناء نظر المعارضة، ولم يعط للزميل المحامي فرصة لإعداد دفاعه أو طلب ندب خبير أو حتى الحضور أمام المحكمة وطلب التصريح باستخراج إفادات تخدم القضية، أصر الموكل على تقديم مستندات معينة يرى من وجهة نظره إنها ستحسم القضية لصالحة ولم تجد محاولات المحامي في أثنائه عن ذلك التوجه أو قبول الطلبات التي كان المحامي ينوي التقدم بها أمام المحكمة تمهيدا للدفاع المناسب، لم يجد المحامي بدا من مسايرة موكلة وعندما حضر الجلسة وقدم المستندات فوجئ في آخر الجلسة بتأييد الحكم. ان هذه الأنماط من الشخصيات موجودة في الواقع ونتعامل معها أثناء ممارسة مهنة المحاماة فعلينا أن نقرأ الموكل ونبحث شخصيته حتى نستطيع التعامل معه وتحقيق أفضل نتيجة لصالحة.
إن قراءة شخصية موكلك جزء من نجاح المحامي.