قمة المناخ (27 COP) والحاجة إلى التطوير التشريعي
بقلم الأستاذ/ محمد ثروت المغربي ـ المحامي وباحث دكتوراه بفلسفة القانون
أظهرت قمة المناخ بمصر مؤشرات نجاح غير مسبوقة على المستوي المحلي والدولي على كافة القطاعات ومع النجاح الذي حققته مصر في قمة المناخ كوب 27 ومع ما أكده فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة المناخ، حيث شددا سيادته على أهمية التحرك لمعالجة أزمة المناخ التي أصبحت مصيرية وتُعتبر أكبر التحديات التي تواجه العالم على الإطلاق. معرباً فخامته عن أمله ببذل الجهود من أجل تنفيذ خطوات حسية في مجال معالجة ازمة المناخ، وقد أعرب سيادته عن نواياه ان تكون هذه القمة هي قمة التنفيذ كون أن المعاناة الإنسانية بسبب تغير المناخ تتكرر وتؤكد الحاجة الملحة لإنهائها.
ولضمان استثمار هذا النجاح كان لابد من النظر إلى الاتجاه التشريعي بجانب كافة الاتجاهات الأخرى ولضمان فاعلية معالجة أزمة المناخ كان لابد من إصلاح وتطوير تشريعي يهدف إلى معالجة القصور التشريعي الموجود في التشريعات الخاصة بالبيئة، حيث إن مصر تعاني من تشريعات قانونية قديمة في قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 أصبح بحاجة ملحة للتطوير.
ورغم ما جاء في نصوص الدستور المصري من مبادئ واضحة بشأن حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة حيث نصت المادة 46 على أن “لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها”.
ومع تعزيز مصر لقدراتها في مجال مواجهة التغيرات المناخية جاء إطلاق “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050″ التي تشمل 5 أهداف رئيسية و22 هدفاً فرعياً تهدف الاستراتيجية إلى تحقيقهم وتتمثل الأهداف الرئيسية في الآتي:
الهدف الأول: تحقيق نمو اقتصادي مستدام ومنخفض الانبعاثات في مختلف القطاعات.
الهدف الثاني: بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ.
الهدف الثالث: تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ.
الهدف الرابع: تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية.
الهدف الخامس: تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة ورفع الوعي لمكافحة تغير المناخ.
وعلى الرغم من شمولية ودقة اهداف “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050″ للتصدي لتداعيات أزمة المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والسعي لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والحفاظ على النظم البيئية والموارد الطبيعية إلا أننا نحتاج لتشريعات وقوانين أكثر تحديدا ودقة لتتماشي مع الدور الريادي التي برزت به مصر في قمة المناخ والعمل على ترجمة مكتسبات مؤتمر المناخ إلى واقع يحقق كافة أهداف “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050″.
وبمطالعة التشريعات الرئيسية والقوانين الرائدة بشأن المناخ، نجدها قد بدأت من قبل السلطة التنفيذية في خطواتها الاولي، وأن الأكثر فاعلية وجدوى هو تعديل التشريعات القائمة كون أنه لا يوجد حل واحد يتناسب مع أزمة المناخ لكافة الدول لذا دائما ما تتطلب التشريعات والقوانين الفعالة الخاصة بالمناخ إلى الكثير من البحث والإعداد والمشاركة المجتمعية الفعالة والدراسة الجيدة لكافة العوامل المؤثرة مثل الأطر العامة للقوانين القائمة، والكثافة السكانية والوضع الاقتصادي، ومؤشرات التنمية والميزانيات والتمويل المطلوب.
ومعوقات التنفيذ المحتمل مواجهتها والموارد المتاحة والقدرة على التنفيذ والتطوير بالوزارات ذات الصلة وغير ذلك من العوامل المؤثرة علي التطوير التشريعي المنشود فحتي التشريعات والقوانين الأكثر تقدما في مجال قضايا البيئة والمناج تكون بلا طائل في حالة عدم القدرة علي تطبيق ذلك التطوير في التشريع القوانين علي ارض الواقع لذا يجب علي البرلمان المصري بذل الجهد والدراسة لاستغلال الفرص المتاحة والاستفادة القصوى من النجاح المصري المبهر بمؤتمر المناخ (27 COP) بما يحقق اهداف “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050″ ويرسل للمانحين والمستثمرين رسالة قوة بان الدولة المصرية قادرة علي تحقيق أهدافها وغايتها بما يعود علي الدولة بنمو اقتصادي مستدام ويجذب المزيد من المستثمرون من القطاع الخاص.
ورغم الحاجة الملحة للتطوير التشريعي في مجال البيئة والتغير المناخي الا انه لا يحتاج البرلمان المصري للبدء من الصفر حيث يمكنه التطوير من خلال مراجعة القوانين القائمة واقتراح التعديلات الملائمة بشأن تغير المناخ والقضايا البيئية وصولا الي تصور تشريعي شامل يسري علي جميع الجهات ذات الصلة ويعالج كافة القضايا المتعلقة بالبيئة والمناخ ويدعم القضايا الملحة مثل الاقتصاد الأخضر، النقل المستدام، الهيدروجين الأخضر، الطاقة النظيفة والخضراء، قضايا المياه و المحاصيل الزراعية والتربة، مشروعات البنية التحتية المستدامة، والنظر في شروط التعاقدات والمناقصات التي تقوم بها الدولة لدعم القضايا البيئية، وغيرهم من القضايا التي تحتاج الي التطوير والدراسة.
ولضمان الحصول على أفضل النتائج المتوقعة نحتاج كما اعتدنا من البرلمان المصري فتح المشاركة المجتمعية واسعة النطاق لتكاتف الجهود، وقدرا كبيرا من التبصر والتخطيط، والاستعانة بالدراسات ذات الصلة، وضم الخبراء والعلماء في قضايا البيئة والتغير المناخي ومهندسين وعاملين في مجال التنمية وخبراء قانونيين وأعضاء في المجتمع المدني وما إلى ذلك من إشراك المتخصصين في نقاط الجوانب الفنية، بجانب الاستفادة من التجارب الدولية الرائدة في ذلك المجال.
فلا ينبغي سنّ القوانين من الفراغ، ولا يجب سنّ تشريعات أكثر من اللازم. ولكن يجب أن يكون التشريع ككل سليما ويجب أن يكون هادفاً في نهاية المطاف نحو التنمية المستدامة والصديقة للبيئة والمناخ وصولا لتحقيق اهداف “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050″.