الآثار المترتبة على قرار إلغاء مد « حالة الطوارئ »
تقرير: علي عبدالجواد
عاد إلى حيز السكون قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 وتعديلاته، بمجرد إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس إلغاء مد حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية، التي كانت تعلن وتجدد تباعًا منذ أبريل 2017، القانون الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وظل معمولاً به طوال 12 عامًا من حكمه، وطوال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وأثار القرار الكثير من التساؤلات خلال الساعات الأولى من صدوره، ويحاول هذا التقرير الإجابة على سؤال: «ما هي الآثار المترتبة على إلغاء مد حالة الطوارئ؟».
التنظيم القانوني لحالة الطوارئ
نصت المادة ١٥٤ من الدستور على: «يعلن رئيس الجمهورية، بعد اخذ رأى مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذى ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورًا للعرض عليه. وفى جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. واذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ».
القواعد الحاكمة لمنظومة التقاضي في أثناء حالة الطوارئ
١- يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام (مادة ٩).
٢- لا يجوز الطعن على أحكامها، بأي وجه من الوجوه، ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية (مادة ١٢).
٣- يجوز لرئيس الجمهورية حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة (مادة ١٣).
٤- يجوز له الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم قبل إحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة (مادة ١٣).
٥- يجوز لرئيس الجمهورية أن يخفف العقوبة المحكوم بها أو أن يبدل بها عقوبة أقل منها أو أن يلغي كل العقوبات أو بعضها أيا كان نوعها (مادة ١٤).
6 ـ كما يجوز له بعد التصديق على الحكم بالإدانة أن يلغي الحكم مع حفظ الدعوى أو أن يخفف العقوبة أو أن يوقف تنفيذها وفق ما هو مبين في المادة السابقة، وذلك كله ما لم تكن الجريمة الصادرة فيها الحكم جناية قتل عمد أو اشتراك فيها (مادة ١٥).
جرائم تندرج تحت مظلة تطبيق حالة الطوارئ
بالنظر إلى الجرائم التى كانت تندرج تحت مظلة تطبيق حالة الطوارئ ووفقًا للقرارت التى تصدر من الحاكم العسكرى ، أصبحت تحيل النيابة العامة إلى محاكم أمن الدولة طوارئ جرائم”التجمهر، وتعطيل المواصلات، والترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة “البلطجة”، والتدليس والغش، وجرائم التموين الخاصة بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح”.
وإضافة إلى ذلك، تحيل النيابة العامة إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، جرائم “الأسلحة والذخائر، والمساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها، وحرمة أماكن العبادة، فضلًا عن جرائم إنشاء مبانٍ أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدمها بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة”.
وتشمل تلك الجرائم أيضًا، جرائم “الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت، والجرائم المتعلقة بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية، إلى جانب الجرائم المنصوص عليها فى قانون مكافحة الإرهاب”
معنى إنهاء حالة الطوارئ
إنهاء حالة الطوارئ تعني إلغاء كافة الإجراءات الاستثنائية ليعود تعامل المواطن مع قاضيه الطبيعي، على أن تستكمل محاكم أمن الدولة نظر القضايا التي تمت إحالتها أثناء فترة فرض حالة الطوارئ.
مصير الدعاوى المنظورة بعد إلغاء حالة الطوارئ
تنص المادة 19 من قانون الطوارئ على أنه عند انتهاء حالة الطوارئ، تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون قد أحيلت إليها فعلا، وتتابع نظرها، وفقاً للإجراءات المتبعة أمامها، (وهو ما يفيد استمرار تلك المحاكم في نظرها دون أي تغيير في إجراءات النظر وعدم جواز الطعن والتصديق وغيرها).
كما يكون لرئيس الجمهورية جميع السلطات (السابق ذكرها تفصيلا) بالنسبة للأحكام التي صدرت من محاكم أمن الدولة قبل إلغاء حالة الطوارئ ولم يتم التصديق عليها، وكذلك الأحكام التي تصدر من هذه المحاكم بعد ذلك.
أي أن الأحكام الصادرة من تلك المحاكم بعد إلغاء حالة الطوارئ تظل تتطلب تصديق رئيس الجمهورية عليها، كما يملك رفض التصديق وتقرير إعادة المحاكمة فيها.
مصير القضايا قيد التحقيق بعد إلغاء حالة الطوارئ
الجرائم التي تكون قيد التحقيق ولم يحل المتهمون فيها إلى المحاكم، فستحال من تاريخ صدور القرار إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها قواعد قانون الإجراءات الجنائية.
مصير قضايا الطوارئ التي قرر رئيس الجمهورية إعادة المحاكمة فيها
أما بالنسبة لقضايا الطوارئ التي قرر رئيس الجمهورية إعادة المحاكمة فيها، فتنص المادة 20 من قانون الطوارئ على أن تعاد المحاكمة فيها وفقا لهذا القانون، أي أمام محاكم أمن الدولة طوارئ، كما حدث في مرحلة التقاضي الأولى.
أثر القرار طبقًا لنص المادة 19 من قانون الطوارئ
أكد الدكتور محمد جفلان، أن بعد إعلان قرار السيد رئيس الجمهورية بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد، وطبقًا لنص المادة (١٩) من قانون الطوارئ، فإن الاختصاص لمحاكم أمن الدولة يظل قائم بشأن القضايا المعروضة عليها فقط إلى أن يتم البت في هذه القضايا، وفيما عدا ذلك فإن الأمور تعود لأصلها وتسترد المحاكم العادية اختصاصها الأصيل في الفصل في هذا النوع من القضايا التي كانت محددة على سبيل الحصر.
إنعكاسات القرار
نقيب المحامين: يدعم بنيان المحاماة والقضاء
في تعليقه على القرار، قال نقيب المحامين، الأستاذ رجائي عطية، رئيس اتحاد المحامين العرب: «في هذه اللحظة التاريخية بمناسبة القرار الفارق الذي اتخذه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية والقائد الأعلى للقوات المسلحة ؛ بإنهاء حالة الطوارئ في مصر ؛ يسعد نقابة المحامين المصرية أن تعلن باسم كل الزميلات والزملاء المحاميات والمحامين في جميع ربوع الوطن أنها تثمن وتقدر هذا القرار التاريخي ، الذي يعبر وبكل صدق عن صورة مصر الجديدة التي صار يتطلع إليها العالم بعد أن وقف شاهداً على تضحيات وبطولات أبناء شعبها العظيم .
وتابع: «ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يأتي هذا القرار متزامناً مع الاحتفال بأعياد القضاء والمحاماة اللذين يدعم هذا القرار بنيانهما العظيم في ظل قيادة سياسية رشيدة وشعب واع عظيم».
رؤى حول آثار القرار المستقبلية
نتائج إيجابية على كافة المستويات أهمها الأمنية والاقتصادية والسياحية
رأى الأستاذ أشرف الزهوي المحامي بالنقض، أن الدولة استقبلت قرار رئيس الجمهورية بإلغاء حالة الطوارئ بارتياح شديد، لما قد يحمله هذا القرار من نتائج إيجابية على كافة المستويات ومن أهمها، المستويات؛ الأمنية والاقتصادية والسياحية.
وقال إن من الناحية الأمنية فهناك حالة من الاستقرار الأمني سواء في الداخل أو على حدود الدولة المصرية، فقد نجحت مصر في استعادة السيطرة على الجبهة الداخلية وفرضت الدولة سطوتها، ونجحت الجهات الأمنية في استعادة الثقة وبث الطمأنينة في نفوس المواطنين.
وأشار إلى أن إلغاء حالة الطوارئ يحفز المستثمرين في ضخ أموالهم في مناخ التعامل الطبيعي وإنشاء المشروعات الكبيرة بما يستتبعه من زيادة الإنتاج ورفع مستوى التصدير، وتشغيل المزيد من الشباب لخفض نسبة البطالة.
ولفت إلى أن الفوائد التي يمكن أن نحققها من خلال العودة إلى تطبيق القانون الطبيعي سوف يبعث على الثقة في توافر الأمن والأمان بما ينشط السياحة داخليا وخارجيا.
وذكر أن فرض حالة الطوارئ لم يكن وليد رغبة الجهات الأمنية في أحكام قبضتها على حركة الحياة اليومية للمواطن، إنما كان الهدف هو حماية أمن الوطن المواطن، وكانت درجة الوعي لدى المواطنين هي حائط الصد المنيع ضد الشائعات وأصحاب الابواق المغرضة التي تكيد لمصر وشعبها.
إنعكاس جيد على الحالة القانونية للدولة
يرى الأستاذ محمد شعبان المحامي، أن هناك آثار قانونية غاية في الأهمية مترتبة على إلغاء حالة الطوارئ؛ فإعلان هذه الحالة بمثابة تجميد لقانون الإجراءات الجنائية، بما يهدر مبدأ التناسب بين مصلحة المجتمع وبين مصلحة من يوضع موضع اشتباه أو اتهام، لأن هذه الحالة تعصف بحقوق المشتبه فيهم والمتهمين، والذين يخضعون لقواعد استثنائية في مجالات جمع الاستدلالات والمحاكمة.
وقال إن التعديلات الأخيرة التي أدخلت على قانون إعلان حالة الطوارئ بمقتضى القانون رقم 12 لسنة 2017 والتي أضيف بموجبها إلى القانون المادة (3 مكرر “ب”) والتي تسمح لمأموري الضبط القضائي المختصين، متى أعلنت حالة الطوارئ «التحفظ» (أي القبض) على كل من توافرت في شأنه دلائل على ارتكابه جناية أو جنحة وعلى ما قد يحوزه بنفسه أو في مسكنه وكافة الأماكن التي يشتبه اخفائه فيها أي مواد خطرة أو متفجرة أو أسلحة أو ذخائر أو أي أدلة أخرى على ارتكاب الجريمة وذلك استثناء من القوانين الأخرى، على أن يتم اخطار النيابة العامة خلال 24 ساعة من التحفظ.
وذكر أن خطورة هذا الحكم أنه وسع من سلطات مأموري الضبط القضائي على النحو الذي يخل بالضمانات المكفولة في القوانين الأخرى، وعبارة «القوانين الأخرى» تشمل كل أنواع القوانين، حتى تلك التي تكفل حصانة لبعض الموظفين كالقضاة وأعضاء مجلس النواب.
وتابع: «ومن ناحية أخرى فإن خطورة أخرى كانت تنبعث من الفقرة الثانية من هذه المادة المستجدة، والتي كانت تجيز بعد استئذان النيابة العامة احتجاز المشتبه فيه لمدة لا تجاوز سبعة أيام لاستكمال جمع الاستدلالات، وهو ما يتضمن حرمان المحتجز من أي حق من حقوق الدفاع في هذه الفترة، والتي نصت المادة على أن يبدأ مع المشتبه فيه التحقيق خلالها، دونما أي تنظيم لحقوق الدفاع في هذا القانون».
واستكمل: «كما أضاف القانون المشار إليه كذلك نص المادة (3 مكرر “ج”) إلى قانون إعلان حالة الطوارئ، والتي تجيز لمحاكم « أمن الدولة الجزئية طوارئ» بناء على طلب النيابة العامة احتجاز من توافر في شأنه دلائل على خطورته على الأمن العام مدة شهر قابلة للتجديد، وهو ما يمكن وصفه «بالاعتقال القضائي» وهو تقييد مطلق للحرية، لمدد قد تتجاوز مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون، وهو الأمر الذي يصعب على من خضع لهذا الإجراء أن يطلب تعويض عن فترة هذا الاعتقال والذي لا يكون إلا بناء على دلائل كمحاضر التحريات التي قالت عنها محكمة النقض أنها ليست إلا رأي لمجريها، ومن ثم فبالنظر إلى كون هذا العمل ليس «إدارياً» وإنما هو «عمل قضائي»، ونظراً لعدم اعتماد المشرع أية قواعد متعلقة بمسئولية الدولة عن أعمال القضاة، فإن الحديث عن تعويض عن فترة الاعتقال، هو محض سراب».
وأضاف أن كما أن في إلغاء هذه الحالة أثر غاية في الأهمية على مبدأ «المحاكمة المنصفة» الذي أرست المحكمة الدستورية العليا دعائمه، ففي مرحلة إعلان حالة الطوارئ، وعلى الأخص بالنسبة للجرائم التي يصدر قرار من رئيس الجمهورية أو من يفوضه بإحالتها إلى محاكم أمن الدولة «طوارئ» وهي من المحاكم الاستثنائية، قد يتعرض «حق الدفاع» إلى مخاطر جمة، والتي يأتي على رأسها اعتبار الأحكام الصادرة في مثل هذه القضايا أحكاماً نهائية، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق، إلا التظلم منها أمام مكتب تصديقات أمن الدولة، وهو مكتب ذا صبغة إدارية، وإن كان من يعمل فيه من رجال القضاء، وهو الأمر الذي يحرم المحكوم عليهم في مثل هذه القضايا من ضمانة أخرى هامة من ضمانات المحاكمات الجنائية وهي مبدأ التقاضي على درجتين، وحق الطعن على الحكم أمام المحكمة الأعلى درجة.
وأكد أنه لاشك في أن قرار إلغاء حالة الطوارئ فيه انعكاس جيد على الحالة القانونية للدولة، فهو بمثابة إعلان عن العودة إلى الشرعية الدستورية والقانونية والتي تكفل الحقوق والحريات ولا تقبل انتقاصاً أو تعطيلاً لها، كما أن في إلغاء حالة الطوارئ فيه عصمة لحرمة الحياة الخاصة وللحرية الشخصية من أن تقيد بأي قيد استثنائي خارج نطاق قانون الإجراءات الجنائية.
يثبت عزيمة الإدارة السياسية في فرض وإحكام الاستقرار
من جهته قال الدكتور وليد وهية، إن قرار الرئيس بإلغاء حالة الطوارىء قرار قوى يثبت عزيمة الإدارة السياسية فى فرض وإحكام الاستقرار والسيطرة الداخلية على الأمن والاقتصاد ومواجهة انتشار عدوى فيروس كورونا، بالإضافة إلى أنه يؤكد على صلاحية الأوضاع في استقبال الاستثمارات الجديدة، وافتتاح فروع للشركات الدولية في مصر، وينبئ عن قيام الدولة في السعي إلى طمئنة المستثمر الأجنبي عن استقرار الأوضاع.
وتابع: «كما إنه يبرهن على قدرة الأجهزة الأمنية على استتباب الأوضاع الأمنية، ومواجهة كافة الظواهر الإجرامية، مما لا يستدعى معه فرض حالة الطوارىء».
تأسيسًا على ما سبق؛ فإن قرار إعلان رئيس الجمهورية إلغاء حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية، لأول مرة منذ سنوات، يشهد توافقًا كبيرًا بين أوساط السادة المحامين، ويرون فيه نجاحًا للفترة الأخيرة في إدارة دفة البلاد نحو تنشيط كافة المجالات والمستويات، ونجاحًا في الحفاظ على الأمن والاستقرار، والتوجه نحو الانتعاش الاقتصادي لما للقرار من مردود في جذب الاستثمارات الخارجية للبلاد.
مراجع
مقال ما بعد رفع حالة الطوارئ للأستاذ أحمد محمد جمعة على موقع نقابة المحامين