قراءة في نصوص قانونية مهملة.. (1 ـ النطق العلني للأحكام)
إبراهيم عبد العزيز سعودي
“ينطق القاضي الحكم بتلاوة منطوقة ، او بتلاوة منطوقة مع أسبابه ويكون النطق به علانية وإلا كان الحكم باطلا”
“المادة 174 من قانون المرافعات”
“يصدر الحكم فى الجلسة العلنية ولو كانت الدعوى نظرت فى جلسة سرية” “المادة 303 إجراءات جنائية”
هذان النصان يقرران واحدة من أهم الضمانات التي تؤدى إلى طمأنينة الناس إلى القضاء وثقتهم فيه ، وتؤكد نزاهته وحياده ، فيما يقررانه من مبدأ النطق العلني للأحكام ، ذلك أن الأحكام القضائية يجب أن ترسخ فى أعماق المواطنين الشعور بسيادة القانون وتعمل على أن تودع فى نفوس المظلومين من الأمل واليقين أنهم يوما لابد ينهلون من نهر العدالة الذي يسرى فى وجدان مجتمعهم
وقد تواترت محكمة النقض المصرية على إرساء جذور وقواعد هذا المبدأ وقررت فى غير قليل من أحكامها أنه يتعين النطق بالحكم علانية فى جميع الأحوال حتى ولو نظرت الدعوى فى جلسة سرية وإلا كان الحكم باطلا بطلانا مطلقا يتعلق بالنظام العام ، ذلك أن علانية النطق بالحكم قاعدة جوهرية تجب مراعاتها إلا ما استثنى بنص صريح تحقيقا للغاية التي توخاها المشرع ، وهى تدعيم الثقة فى القضاء والاطمئنان إليه ، ومن ثم يتعين على المحكمة التي تنظر الطعن على الحكم أن تتعرض لذلك ولو من تلقاء نفسها
ورغم صراحة ووضوح أحكام القانون وقضاء محكمة النقض المصرية فقد جرى العمل فى السواد الأعظم للمحاكم على خلاف القانون وأصبحت على اختلاف درجاتها وأنواعها – بإستثناء محاكم مجلس الدولة وبعض دوائر الجنايات – تجرى على عدم النطق بالأحكام على الإطلاق لا فى جلسة علنية ولا فى جلسة سرية واصبح العمل يقوم على أن يقوم القاضي بتسليم الأحكام فى اليوم المحدد لإصدار الأحكام إلى أمين السر ، الذي عادة ما يتحكم بدوره فى مسألة اطلاع الخصوم على الحكم ومعرفته ، وقد يمنع ويمنح بقدر ما يعطى أو ينفح .
الأمر الذي يترتب على عدم النطق بالأحكام فى جلسة علنية ، هو البطلان المطلق لهذه الأحكام على نحو ما تقرر محكمة النقض وهو ما يجعلنا نؤكد أن السواد الأعظم للأحكام التي تصدر تكون باطلة بطلانا مطلقا يتعلق بالنظام العام
ولعل ضمانه علنية الأحكام ليست حقا للمتقاضين وحدهم وانما هي حق للمجتمع وللعدالة وللمحامين الذين اصبح جلهم ـ إن لم يكن كلهم ـ ساكتين عن هذا الحق ، وتخيلوا معي حجم الكارثة حينما يكون الساكت عن الحق هم أصحاب الحق المسكوت عنه ،وهم الذين يحملون لواء الدفاع عن حقوق الناس ، هذا الحق أضاعه وأهدره أن المتقاضين والمحامين لا يتمسكون به رغم ما فيه من ضمانة أكيدة ، وحفظ لكامل مواعيد الطعن ، ومنع الخصوم من التلاعب بالتواطؤ مع بعض الموظفين لتأخير علم خصومهم بما صدر من أحكام حتى يفوتوا عليهم مواعيد الطعن ، ومثال ذلك أن يخطر أمين السر صاحب الدعوى الذي يسأل عن الحكم الذي صدر فيها إنها أعيدت للمرافعة فى تاريخ معين و عندما يذهب في التاريخ المحدد يكتشف أن دعواه قد فصل فيها وان مواعيد الطعن عليها قد انقضت .
ولتكن هذه رسالة مخلصة إلى مجلس القضاء الأعلى لكى يعمل على إعادة أحياء مبدأ علنية النطق بالأحكام ، ولا يكون مجرد عبارة تثبت فى محضر الجلسة ـ تزويرا ـ على خلاف الواقع ، وذلك حرصا على القضاء الذي هم بلا مراء يجب أن يكونوا أحرص منا عليه
ولتكن أيضا رسالة إلى المحامين لكى يتمسكوا بحقهم فى تصحيح هذا البطلان الصارخ لما يصدر من أحكام فى غير جلسة علنية ، وأن يتصدر هذا السبب دائما أسباب الطعن لأي حكم يصدر على خلاف القانون
ولتكن هذه البداية لاعادة إحياء نصوص قانونية كثيرة رائعة علاها النسيان وران عليها الاهمال ، وهى أولى من غيرها بالتطبيق ، نصوص لو منحت حظها من الاعمال لكانت كفيلة بإصلاح الكثير من الخلل الذي قد يصيب البنيان .