قراءات فنية (بنائية ودلالية) في النصوص الدستورية (2)
بقلم/ الدكتور محمد عبد الكريم أحمد الحسيني ـ المحامي، وأستاذ القانون المساعد بكلية الشريعة والقانون- قسم القانون والقضاء IUM –
من الثوابت العامة بين القانونيين أن النص الدستوري هو أسمى النصوص القانونية وأعلاها، وأن القاعدة الدستورية هي قاعدة آمرة مطلقا، تنتظم بها وعليها كافة قواعد النظام القانوني الوطني، فلا تند عنها ولا تشذ عن أحكامها ، بل تنحكم بها وتخضع لأحكامها …وهذا ما يسمى ” الهندسة القانونية للنظام القانوني الوطني”.
ولهذه المكانة السامقة ولتلك المنزلة العظيمة اختصت “القاعدة الدستورية” بلغة راقية تناسب قاعدتها، وهي ما نطلق عليها ” اللغة القانونية الفنية”، وهي لغة قانونية تخضع لمجموعة من الأحكام والقواعد المميزة لها عن كافة اللغات القانونية الأخرى.
وها نحن ذا في هذا المقال الثاني، نستكمل التأصيل لهذه اللغة القانونية الدستورية تمهيدا للبدء الفعلي في قراءة بعض النصوص الدستورية في ضوء هذه التأصيلات ، ولوضع أساس فقهي قانوني لتلك القراءة من واقع دراستنا المطولة عن “النظرية العامة للغة القانونية” .
تعبر اللغة الدستورية البنائية الماثلة في نصوص الدستور عن مستوى خاص بها وهو ما ندعوه بـــ”المستوى الأول” مستوى اللغة القانونية الفني وقد نسميه كذلك بـــ”المستوى الأصولي للُّغة القانونيَّة” .
ولأهمية هذا المستوى فقد أشرنا إليه بمفردات مقصودة ذات معزى معين مثل ” الفنية” و “الأُصولية”، ” الأول” ، بما يدلُّ على أهميتها وإيجاب الأخذ بقواعدها في البناء وفي التفسير بل وفي التنفيذ والصيانة، وبما يعني حملها على الوجوب والالتزام، وانتفاء الجواز أو التخيير في إعمالها والالتزام بها..
ونقصد بكون هذا المصطلح «اللغة الفنية القانونية» أو «اللغة الفنية» رسميا وفنيا، وكذلك مصطلح “اللغة الفنية التَّشريعية”، وسميّه ” اللغة الفنية التقنينية”، أنه:
يبنى على قواعد وأصول علمية وعلى تنظيمات فنية (أصولية لغوية منطقية) للقيام بوظيفة معينة غاية في الأهمية والنوعية وهي وظيفة «بناء وتفسير القاعدة القانونية لغويا والتعبير عن شكلها وعن كيانها المادي والمعنوي».
ومن هنا تأتي خصوصية هذه اللغة في جميع جوانبها ومتعلقاتها البنائية والدلالية، وقد استقر الفقه القانوني اللغوي على خصوصية ومكانة « لغة القاعدة القانونية» عن أيِّ لغة قانونية أخرى؛ لأنها جوهر القانون وأساسه ، ومن ثم كانت مصطلحاتها البنائية والدلالية مصطلحات فنية حتما ، بل حتى لو لم نذكر الفنية بأن قلنا « لغة القاعدة القانونية »، فإن المعنى ينصرف مباشرة إلى تلك اللغة الفنية بالضرورة.
المصطلح الرسمي المعبر عن لغة الدستور والتشريعات القانونية
على الإجمال هناك مصطلحان يعبران عن لغة التشريعات القانونية ولغة التقنينات الشرعية أيضا :
أولهما : هو مصطلح ” اللغة الفنية ” .
والثاني: هو مصطلح “اللغة الرسمية أو التقريرية”.
وهذا تفصيل للمصطلح الأول. “مصطلح اللغة الفنية القانونية” على وجه الخصوص.
المصطلح الرئيس لهذا المستوى اللغوي القانوني الأول هو : «اللغة الفنية القانونية» أو “اللغة الفنية التَّشريعية ” أو اللغة التَّشريعية الفنية” أو “اللغة التقنينية الفنية” أو ” لغة التقنين الشرعي والتشريعي الفنية”، أو بإيجاز «اللغة الفنية»
ويمكننا التعبير عن هذا المصطلح أيضا بتركيب إضافي، فنقول: “لغة القاعدة القانونية الفنية” أو «لغة النص القانوني الفنية» أو «لغة القاعدة القانونية» و”لغة النصوص القانونية” وهكذا الأمر في كل ذكر للُّغة القانونيَّة –ومقارباتها- بكافة مركباتها الإضافية والوصفية.
النصوص التي تعالجها اللغة الفنية القانونية
بمعرفة ما تعالجه اللغة الفنية المعتمدة في صياغة النص القانوني بمفهومه الواسع ومشمولاته وهي النصوص المباشرة للقانون يمكن لنا إنشاء إطلاقات جديدة بناء على طبيعة النصوص المستهدفة .. مثل:
أولا: نص الدستور، لغة الدستور، اللُّغة القانونيَّة الدستورية، لغة قواعد الدستور، اللُّغة القانونيَّة لقواعد الدستور، لغة نص الدستور، اللُّغة القانونيَّة لنص الدستور، لغة قواعد نص الدستور، اللُّغة القانونيَّة لقواعد نص الدستور. وتعبر هذه الإطلاقات عن موضوع هذه السلسلة من المقالات حول اللغة الدستورية.
ثانيا: نصوص التَّشريعات القانونية الأساسية، لغة التَّشريعات الأساسية، قواعد لغة التَّشريعات الأساسية، لغة نص التَّشريعات الأساسية، قواعد لغة نص التَّشريعات الأساسية، ووصفا اللُّغة القانونيَّة للتشريعات الأساسية، اللُّغة القانونيَّة لقواعد التَّشريعات الأساسية.
ثالثا: نصوص التَّشريعات العادية. لغة التَّشريعات العادية، قواعد لغة التَّشريعات العادية، لغة نص التَّشريعات العادية، قواعد لغة نص التَّشريعات العادية، ووصفا اللُّغة القانونيَّة للتشريعات العادية، اللُّغة القانونيَّة لقواعد التَّشريعات العادية.
رابعا: نصوص الإعلانات الدستورية. لغة الإعلانات الدستورية، قواعد لغة الإعلانات الدستورية، لغة نص الإعلانات الدستورية، قواعد لغة نص الإعلانات الدستورية، اللُّغة القانونيَّة للإعلانات الدستورية، اللُّغة القانونيَّة لنص الإعلانات الدستورية.
خامسا: نصوص المراسيم بقوانين (المراسيم أو المرسومات القانونية) لغة المراسيم ، اللغة المراسيمية ، قواعد لغة المراسيم، القواعد اللغوية للمراسيم
سادسا: نصوص المعاهدات الدولية، لغة المعاهدات الدولية، قواعد لغة المعاهدات القانونية، لغة نص (نصوص) المعاهدات الدولية، قواعد لغة نص المعاهدات الدولية، ووصفا: اللُّغة القانونيَّة للمعاهدات الدولية، اللُّغة القانونيَّة لنصوص المعاهدات الدولية،
7- نصوص اللوائح الإدارية. لغة اللوائح الإدارية، قواعد لغة اللوائح الإدارية، لغة نص (نصوص) اللوائح الإدارية، قواعد لغة نص (نصوص) المعاهدات الدولية، ووصفا: اللُّغة القانونيَّة للوائح الإدارية، اللُّغة القانونيَّة لنصوص اللوائح الإدارية،.
ثامنا: نصوص الأحكام القضائية، لغة الأحكام القضائية، قواعد لغة الأحكام القضائية، لغة نص الأحكام القضائية، قواعد لغة نص الأحكام القضائية، ووصفا: اللُّغة القانونيَّة للأحكام القضائية، اللُّغة القانونيَّة لنصوص الأحكام القضائية. ويمكن أيضا ذكرها باسم اللغة القضائية أو لغة القضاء .
ملحظان منهجيان:
الملحظ الأول:
بالتحري الدقيق نلاحظ أنه نظرا لسمو مكانة “اللغة الفنية” وارتباطها بالقاعدة القانونية الدستورية مباشرة ثم بالقواعد القانونية التشريعية الأخرى، فالأصل أنها تتعلق باللغة التَّشريعية فحسب، لأن التَّشريعات هي قواعد قانونية مكتوبة تتجسد في صورة نصوص تشريعية مصدرة من سلطة مختصة.
وعليه فعند إطلاق مصطلح “اللغة التَّشريعية” أو “لغة التقنين” أو “اللغة التقنينية” فإنه يعني مباشرة “اللُّغة القانونيَّة الفنية”، وكذلك عند إطلاق هذه الثانية ” اللغة الفنية” فإنها تنصرف مباشرة إلى “اللغة التَّشريعية” وإلى “اللغة التقنينية الشرعية أو التشريعية”.
مع ملاحظة أن “اللُّغة القانونيَّة” مصطلح جامع يعبر عن “اللغة التَّشريعية” أو عن “اللغة التقنينية” أو “لغة التقنين الشرعي والتشريعي” في عمومها، وقد يُعبر عنها كذلك على وجه المقاربة والتغليب عن أوسع معاني اللغة -أو اللغات القانونية- فإننا نراعي الأصل الاصطلاحي لكل منهما مع تقديم مصطلح “اللُّغة القانونيَّة” باعتبار مساواته لمصطلح “اللغة التَّشريعية والتقنينية” في مصطلحات المستوى الفني الأول للُّغة القانونيَّة .
الملحظ الثاني :
قدمنا “اللغة الفنية” على “القانونية” بقولنا “اللغة الفنية القانونية” أو “اللغة الفنية التَّشريعية” أو “اللغة الفنية التقنينية”، تأكيدا لأهميتها وفنيتها تبعا للعرف اللغوي الذي يقدم الأهم على المهم.
وهكذا تعبر المصطلحات السابقة عن المصطلح الرسمي مع اختيار المصطلح الأول منها بتركيبه الوصفي باعتباره مصطلحا رسميا، «اللغة الفنية القانونية» أو “اللغة الفنية التَّشريعية” أو “اللغة الفنية التقنينية”، ولا تثريب أن يقال: «اللُّغة القانونيَّة الفنية» بتقديم وتأخير ما بين «القانونية» و«الفنية»ـ على أن الأصل هو «اللغة الفنية» ويقاربه «اللُّغة القانونيَّة القاعدية» أو “اللغة القاعدية القانونية” أو «اللغة الفنية القاعدية» أو «اللغة القاعدية الفنية» -على رغم ما قد يبدو أنه بعيد إلى حد ما ، فهذه وغيرها من التسميات المقاربة هي التي تعبر عن المصطلح الرئيس مباشرة أو بوصفه أو بوجه ما.
ويلاحظ فيما سبق أن ما ينطبق على القاعدة القانونية باعتبارها جزءا ينطبق على النص القانوني باعتباره كُلًّا يعبر عن مجموعها ويمثل شكلها وكيانها ، فنقول «اللغة الفنية للنص القانوني» أو «لغة النص القانوني» مرسلة أو «لغة النص القانوني الفنية »، أو « لغة النصوص القانونية»، وهي تنصرف بالضرورة حال كانت مرسلة إلى اللغة الفنية خاصة دون غيرها من اللغات التي تعنى بالقاعدة القانونية وتقترب منها. ولأهمية لغة المستوى الأول وارتباطها بالقواعد والأصول الفنية المعتبرة في البناء وفي الدلالة كان ارتباطها بالفنية على نحو ما سبق ، وكان من المهم استتباع مصطلحاتها المباشرة ومصطلحاتها المقاربة وذات الصلة .
ونستكمل بإذن الله في المقال الثالث.