قالوا عن حب المحاماة.. مقتطف من كتاب «صور من المحكمة» للأستاذ محمد شوكت التوني
إعداد: المكتب الفني لنقيب المحامين
نشر المكتب الفني لنقيب المحامين، عبر صفحة مدونة السلوك المهني للمحاماة، مقتطف من كتاب صور من المحكمة، للأستاذ محمد شوكت التوني، والتي جاء كالتالي:ـ
قالوا عن حب المحاماة..
(عندما تم قبولي محاميًا بجدول المحامين تحت التمرين؛ امتلأت زهوا بل لعلني في حياتي لم يزدهيني شيء قدر ما ازدهاني عرفاني بأنني انتقلت من طالب إلى محام؛ حقيقة محامى تحت التمرين ولكن محام.
وكنت في حيرة أي المكاتب أقصد لقضاء فترة التمرين.
ولقد سنحت لي الفرصة أن ألتحق بمكتب الأستاذ إبراهيم رياض، وكان محامياً لامعا. فقلت لنفسي أجرب فقُبلت في المكتب.
وفى أول يوم لي جاء توفيق أفندي وكيل المكتب يقدم ملفاً ضخماً وكانت قضية مؤجلة.
فعرض علي أن أتسلى بقراءته وأخذت الملف فلقد كان أول لقاء لنظري بملف دعوى بعد شوق طويل ودراسة شاقة؛ وآمال وأحلام.
وسارعت إلى منزلي، وتعمدت أن أُرىَ الملف لكل سائر في الطريق، أو راكب معي، كما لوحت به لأهلي وأشقائي، فلقد كان هذا الملف هو عنواني الجديد!
إنه المؤشر الذى يشير إلي، وإلى انتقالي من ذلة حال الطالب إلى عزة المواطن العامل الصالح.
وجلست إلى مكتبي ونشرت الملف، وجاء وقت الطعام وقلت لنفسي:
” طعام أية؟ ألست ترى ما بين يديك من عمل؟ وهل لديك وقت للطعام؟”
ثم انسقت في محاضرة فلسفية:
” وهل خلقنا للأكل؟ إننا خلقنا للعمل!”
وقرأت الملف مثنى وثلاثاً ورباعاً، و انتهيت في منتصف الليل وقد حفظته عن ظهر قلب.
ثم بدأت أكتب مرافعتي وأستعمل في عباراتها كل تعبير حفظته.
ثم بدأت أكتب مرافعتي وأستعمل في عباراتها كل تعبير حفظته عن المنفلوطي، ومصطفى صادق الرافعي، وتبلتها بجمل وعبارات، كما أننى لم أنسى نصيب الشعر الرصين في معركة العدل والحرية، وانتهيت من دور المرافعة وجاء دور إلقائها.
ووقفت أمام المرآة الطويلة المثبتة بمسامير واهية في الدولاب العتيق الذى لازمني منذ كنت طالباً في المدرسة الثانوية، وكأنني أردت أن أخاطب هذا الدولاب قائلاً :
” أيها الدولاب القديم العتيق المهشم، أنظر كم رأيتني تلميذاً مسكيناً أصم الجغرافيا والتاريخ، وأغرق في شبر ماء من بحور الجبر والهندسة، وكم كنت أحزن على إعراب جملة تافهة لا تزيد عن ” أكلت السمكة حتى رأسها ” فانظر الأن!
من ترى؟
إن الواقف أمامك محام خطير يستطيع أن يترافع فيهز منابر المحاكم؛ ويفزع أفلاكها، ويشقق أكباد قضاتها، ويسيل دموع روادها.”
وتنفيذاً لخطة إقناع هذا الدولاب أخذت أترافع وأرفع صوتي حينا، وأخافت به حينا آخر، وأشير بيدي اليمين، ثم ألحقها باليسرى، وأميل برأسي إلى الشمال ثم الوراء، وأديرها على اليمين حسب الصوت ونغمات العاطفة فإذا تراءى لي أننى أخطأت، أو لم أكن مؤثراً بما فيه الكفاية، أعدت المرافعة مرة ثانية وثالثة.
حتى أصبحت وكأنني ” ديمو ستين أو شيشرون” واطمأن بالى وقرت عيني، ورضيت عن نفسي ونمت موصياً بإيقاظي مبكراً لأن ورائي عملاً خطيراً).