في رحاب لغة القرآن.. الخطأ والخطيئة
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر- أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
لفظ «الخطأ» من الألفاظ المستخدمة كثيراً في المجال القانوني. ويختلف معناه من موضوع إلى آخر. وللوقوف على المعاني المختلفة للفظ الخطأ، نعتقد من المناسب إلقاء الضوء على المعاني المختلفة للفظ الخطأ في اللغة. ولأن الإعجاز اللغوي هو أحد أوجه الإعجاز في القرآن الكريم، ولأن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين، لذا نعتقد من المناسب إلقاء الضوء على معاني لفظ الخطأ كما ورد في الآيات القرآنية الكريمة. وقد ورد في معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للمؤلف سميح عاطف الزين، ما يلي:
خطأ: الخطأ العدول عن الجهة الصواب، وذلك أنواع: أحدُها أنْ يُريدَ غير ما تحسن إرادتهُ فَيَفْعَلَهُ، وهذا هو الخطأُ التامُّ المأخوذُ بهِ الإنسانُ، يُقال: خَطئَ يَخْطَأُ خِطْئاً وخِطْأَةً، وأَخْطَأَ إِخْطَاءً بمعنى خَطِئَ، والفرق بينهما أنَّ خَطِئَ: تعمَّدَ الذنْبَ، وأَخْطَأَ: أصاب الذنبَ على غيرِ عَمْدٍ {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا} [الإسرَاء: 31] و {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يُوسُف: 91]. والثانِي أنْ يُريدَ ما يَحْسُنُ فِعْلُهُ، ولكِنْ يَقَعُ منه خِلافُ ما يُرِيدُ، فَيُقَالُ: أخطأَ إخْطاءً فهو مُخْطئٌ، وهذا قد أصابَ في الإِرادَةِ وأخْطَأَ في الفِعْلِ، وهذا المِعْنيُّ بِقولِهِ عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ: «رُفِعَ عن أمَّتي الخَطَأ والنِّسْيانُ» (89) وبِقولِهِ: «مَنِ اجْتَهَدَ فأخْطَأَ فله أجْرٌ» (90)، قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النِّسَاء: 92]. والثالِثُ أنْ يُريدَ ما لا يَحْسُنُ فِعْلُهُ، ويَتَّفِقَ منه خِلافُهُ، فهذا مُخْطئٌ في الإِرادَةِ ومُصيبٌ في الفِعْلِ، فهو مَذْمُومٌ بِقَصْدِهِ، وغيرُ مَحْمُودٍ على فِعْلِهِ، وهذا المِعْنَى هو الذي أرادَهُ الشاعر في قولِهِ:
أرادَتْ مَسَــــاءاتي فأجْرَتْ مَسَــرَّتي وقد يُحْسِنُ الإِنْسَانُ مِنْ حَيثُ لا يَدْرِي
وخلاصة الأمْر أنّ مَنْ أرادَ شيئاً فاتَّفَقَ منه غيرُهُ، يقال: أخْطَأ، وإنْ وقَعَ منه كما أرادَهُ يقالُ: أصابَ. وقد يقالُ لِمَنْ فَعَلَ فِعْلاً لا يُحْسُنُ، أوْ أراد إرادَةً لا تَجْمُلُ: إنه أخْطَأ، ولهذا يقالُ: أصابَ الخَطَأُ، وأَخْطَأَ الصَّوابُ، وأصابَ الصَّوابُ ، وأَخْطَأَ الخَطَأُ، وهذه اللَّفْظَةُ مُشْتَرَكَةٌ كما تَرَى مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ مَعانٍ ينبغي لِمَنْ يَتَحَرَّى الحقائِقَ أَنْ يَتَأَمَلَها. قال تعالى: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيَئُتُه} [البَقَرَة: 81] والخطيئة والسيئة يتقاربان، لكن الخَطيئَةُ أكْثَرُ ما تقالُ فيما لا يكونُ مَقْصوداً إليهِ في نَفْسِهِ، بل يكونُ القَصْدُ سَبَباً لتَوَلُّدِ ذلك الفِعْلِ منه، كَمَنْ رمى صيداً فأصابَ إنْساناً، أوْ شَرِبَ مُسْكِراً فَجَنَى جِنايَةً في سُكْرهِ، والسببُ سَبَيانِ، سَبَتْ مَحْظُورٌ فِعْلُهُ كَشُرْبِ المسْكِر وما يَتَوَلَّدُ عنه مِنَ الخَطَأ غيرُ مُتَجافٍ عنه، وسببٌ غيرُ مَحْظُورٍ، كَرَمْيِ الصَّيْدِ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزَاب: 5] و {وَمَنْ يَكْسِبُ خَطِيئَةً أوْ إِثْمًا} [النِّسَاء: 112] فالخَطِيئَةُ ههنا هي التي لا تكونُ عن قَصْدٍ إلى فِعْلِهِ، قال تعالى {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إلاَّ ضَلالاً ” مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} [نُوح: 24-25]، {إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا} [الشُّعَرَاء: 51]، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العَنكبوت: 12]، {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِن شَيْءٍ} [العنكبوت: 12] و {وَالَّذِي أَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشُّعَرَاء: 82] والجمعُ الخَطِيئاتُ والخَطايَا من الخطيئة؛ وقوله تعالى: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البَقَرَة: 58] فهي المقْصودُ إليْها، والخاطِئُ هو القاصِدُ للذَّنْبِ، وعلى ذلك قولُهُ: {وَلَا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ} [الحاقَّة: 36-37]. وقد يُسَمَّى الذَّنْبُ خاطِئَةَ كما في قوله تعالى: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} [الحَاقَّة: 9] أي الذَّنْبِ العظيمِ، وذلك نحو قولِهِمْ: شِعْرٌ شاعِرٌ، فأمّا ما لَمْ يكنْ مَقْصُوداً، فَقَدْ ذَكَرَ عليه وعلى آله الصلاةُ والسَّلامُ أنه مُتَجافٍ عنه.