في دوحة الإسلام (81)

في دوحة الإسلام (81)

نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 25 / 8 / 2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لا طيرة، وإنما الفأل الصالح

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:

« وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّـهِ إِلاَّ الْقَـوْمُ الْكَافِـرُونَ » ( يوسف 87 ).

وفي الحديث النبوى الشريف:

« لا عدوى ولا طيرة، ويعجبنى الفأل الصالح » صدق رسول الله

التفاؤل والثقة بالله تعالى فرع على الإيمان.. فالمؤمن يثق بربه عز وجل، وفي رحمته سبحانه ومؤازرته لعباده الصالحين.

يدلى بهذا المعنى، قول الهادى البشير عليه الصلاة والسلام:

« ليس منا من تطيَّر ».. أى تشاءم.

هو ليس منا: لأن المؤمن لا ييأس من روح الله، وكما قالت لنا الآية الكريمة: « إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّـهِ إِلاَّ الْقَـوْمُ الْكَافِـرُونَ » ( يوسف 87 ).

التشاؤم والتطير والاستجابة لدواعى الوهم والخوف، هو قتل حقيقى لسبحات النفس، وانهزام يثبط الهمم ويورد موارد اليأس والقعود والتقاعس..

كان الناس في الجاهلية يتشاءمون من الزواج في شهر صفر، ومن نعيق البوم والغربان، ومن كسر الأوانى، ومن اضطراب أجفان وأهداب العيون، ومن بعض الأرقام، ويعدون هذا شؤمًا لا فكاك منه !!

جاء الإسلام بنوره وهدايته، وطفق الهادى البشير عليه الصلاة والسلام يحذر من التشاؤم وينهى عنه، ويبث التفاؤل والثقة بروح الله في نفوس ووجدانات المؤمنين..

التطير يطفئ جذوة الأمل، ويشيع الخوف واليأس والإحباط.

والتفاؤل نور وسراج يضىء الحياة ويبعث الأمل والرجاء.

تفاءل خليل الرحمن عليه السلام، ولم ييأس من كبر سنّه، ولا من روح الله، فسأله أن يهبه ذرية من الصالحين، فاستجاب له ربه عز وجل فيما يقصه القرآن الكريم:

« وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِيـنَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ » (الصافات 99 ـ 101 ).

أعطاه الله تعالى ابنه إسماعيل، بارًّا به ومطواعًا له في أمر ربه، صادق الوعد، وأوحى الله إليه وجعله نبيًّا.. وقال عنه عز وجل: « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ »

( مريم 54 )، وكان ممن فضلهم تبارك وتعالى على العالمين كما قال سبحانه في الآية 86 من سورة الأنعام.

وزاده الله تعالى فرزقه من بعد إسماعيل بإسحاق عليهما السلام، وجعله سبحانه نبيًّا، فشكر إبراهيم الخليل ربه، وقال فيما يقصه القرآن الكريم:

« الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ » ( إبراهيم 39 ).

ولم ييأس زكريا عليه السلام من روح الله، ولا أنه قد وهن العظم منه وبلغ من الكبر عتيًّا، وامرأته عاقر.. ودعا زكريا إلى ربه، فاستجاب له سبحانه وتعالى فيما يقصه القرآن الكريم:

« هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء * فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء » ( آل عمران 38 ـ 40 ).

التشاؤم سوء ظن بالله تعالى، ويأس لا سبيل له إلى قلب المؤمن، وقد ضرب الهادى البشير عليه الصلاة والسلام أروع المثل في الثقة بالله وحسن الظن به.. ونراه في أشد الأزمات لا ييأس ولا يقنط وإنما يبشر المؤمنين بالنصر..

أخرج الإمام مسلم بإسناده، أن الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام قال:

« إن الله زوى لى الأرض، فرأبت مشارقها ومغاربها، فإن أمتى سيبلغ ملكها ما زُوى لى منها » ونهى عليه الصلاة والسلام عن اليأس والتيئيس، فقال فيما أخرجه البخارى ومسلم:

« إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم »

وسط ما كان الكفار والطواغيت يلاحقون المسلمين الأوائل بالكيد والأذى، وبالتعذيب والإهلاك، قال الهادى البشير عليه الصلاة والسلام لمن سألوه أن يستنصر الله ويدعوه لهم، قال فيما يرويه البخارى بإسناده:

« كان الرجل من قبلكم يُحْفر له في الأرض فَيُجعل فيه فَيُجاء بالمِنْشار فيوضع على رأسه فَيُشَق باثنتين وما يصدُّه ذلك عن دينه، ويُمْشَط بأمْشَاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصبٍ وما يصدُّه ذلك عن دينه. والله لَيُتِمَّنّ َ هذا الأمرَ حتى يسير الراكب من صنعاءَ إلى حَضْرَمَوْت لا يخاف إلاَّ الله َ، أو الذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون ».

إنما يثبت الله تعالى المؤمنين من عباده، بالقول الثابت، فيقول في كتابه المجيد:

« يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ »

( إبراهيم27 ).

في غزوة الأحزاب اجتمعت قريش وغطفان وبنى سليم ويهود بنى النضير على المسلمين وحاصروهم بالمدينة..

وعانى المسلمون من خيانة يهود بنى قريظة الذين كانوا شوكة في ظهرهم، وتآمروا عليهم مع قريش ومن والاها !!

وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وزلزل المسلمون زلزالاً شديدًا.

ومع ذلك لم يقنط رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطفق يبث العزم ويبشر المسلمين بالنصر..

ويجزى الله تعالى الصادقين بصدقهم، وتأتى ريح صرصر تطيح بالأحزاب وبقدورهم وخيامهم، وتطفئ نيرانهم، وينادى أبو سفيان في الأحزاب بأنه راحل فليرحلوا، وتتنادى الأحزاب: الرحيل الرحيل وجعلوا يسابقون الريح فرارًا وانهزامًا.

ويتنزل الروح الأمين يقول الله عز وجل:

[ في الصدى ]

« مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا » ( الأحزاب 23 ـ 25 ). صدق الله العظيم

من صفحات السيرة

بينما الهادى البشير عليه الصلاة والسلام، بركن الكعبة يدعو بعض القرشيين إلى الإسلام.. فيهم الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف، بدا على السامعين أنهم يترددون بين الإقدام على الإسلام، وبين الإحجام خوفًا وتحسبًا، وإذا بالحارث بن عثمان بن نوفل، يغالب خشيته وحذره، ويقول للهادى البشير:

ـ إننا نعلم يا محمد أن قولك حق.

ـ فسأله أحد المسلمين: فما يمنعكم ؟!

ـ أجاب الحارث: يمنعنا أن تتخطفنا الناس، ويتخطفنا العرب من أرضنا، ولا طاقة لنا بهم !

تمر بضعة أيام، والهادى البشير عليه الصلاة والسلام، في خلوته يتهجد ويتعبد.. يتعجب من خوف هؤلاء الذين لاقوه من كلمة الحق، وإحجامهم عن نور الله خوفًا من بشر.. كم تمنى بالأمس أن يسلم عمه ونصيره أبو طالب، فدعاه وألح في دعوته إلى الإسلام، وإذا به يجيبه حانيًا..

« يا ابن أخى ؛ لولا مخافة السبة عليك وعلى بنى أبيك من بعدى وأن تظن قريش أننى إنما قلتها جزعًا من الموت ـ لقلتها ».

وإذْ الهادى البشير يجتر أحزانه على حال الناس، ويتعجب من ضيق عقولهم، وإحجامهم عن نور الله خوفًا من الناس.. يتنزل عليه الروح الأمين جبريل عليه السلام، فيوحى إليه من آيات ربه..

« إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » ( القصص 56، 57 ) صدق الله العظيم

الحق إذا لاح وتبين

لا يحتاج إلى شاهد يشهد به !

من الحكم العطائية: « من علامات اتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات؛ والتكاسل عن القيام بالواجبات » !!!

ـ للتأمل:« إن حاد غيرك عن الحق والصواب ؛ فتذكر أنك أنت جدير بالتزام الحق والإنصاف»!!!

ـ لا تصد من جاءك معتذرًا ؛ فخير الناس من أغضى لصاحبه ؛ وصرفه العفو والغفران عن غريزة النصر والانتقام !!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى