في دوحة الإسلام (80)
في دوحة الإسلام (80)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 18 / 8 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
الدين النصيحة
أخرج الإمام مسلم ــ بسنده ــ في صحيحه أن الهادي البشير عليه الصلاة والسلام قال: « الدين النصيحة » قالها ثلاثًا.
سئل: لمن يا رسول الله ؟
قال عليه الصلاة والسلام: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم..
صدق رسول الله
النصح فيما نرى هو الدين، مادام الدين النصيحة..
والنصيحة واجبة بنص الحديث الشريف على خمسة وجوه..
لله أولاً، ولكتاب الله، ولرسول الله، ولأئمة المسلمين، ولعامة المسلمين.
والدين النصيحة، لأن من لا يهتم بأمر المسلمين، وبرعاية واجبه فيهم، فليس منهم..
وأول أوجه النصيحة ــ بنص الحديث الشريف ــ النصح لله، فهل الله تعالـى يُنصح.
في حديث أخرجه الإمام أحمد في سنده، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: قال الله عز وجل:« أَحَبُّ ما تعبدنى به عبدى النصح لى ».
فكيف يكون النصحُ لله عز وجل ؟
قول النبى عليه السلام إن الدين النصيحة، يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام، والإيمان، والإحسان..
والنصح لله تعالى يقتضى القيام بواجباته على أكمل وجوهها وهو مقام الإحسان، فلا يكمل النصح لله عز وجل بدون ذلك، ولا يتأتى ذلك بدون كمال المحبة الواجبة له، ويستلزم الاجتهاد في التقرب إليه بالفرائض والنوافل والطاعات، وترك المحرمات والمكروهات.
قال الفُضيل بن عياض:
« الحب أفضل من الخوف.. فالذي يحبك ينصحك شاهدًا كنت أو غائبًا، والذي يخافك ينصحك إذا شهدت لما يخافه منك، ولكنه يغشك ولا ينصحك إذا غبت.. ».
معنى النصيحة لله، فيما قال العلماء: صحة الاعتقاد في وحدانية عز وجل، وإخلاص النية له.. بالإقبال على طاعته، ومجانبة ما ينهى عنه، وإيثار محبته على محبة المؤمن لنفسه.
والنصيحة لكتاب الله رمزية، وتعنى الإيمان به، والعمل بما فيه.. وشدة حبه، وتعظيم قدره، والاقبال على تلاوته وتدبر معانيه. والنصيحة لرسول الله، هى التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به، وفيما نهى عنه.. واتباع سنته، والإعراض عن البدع ــ والتخلق بأخلاقه وآدابه..
وقيل إن مناصحة الأئمة تكون في معاونتهم على الحق، وتذكيرهم به، وتنبيههم إليه في رفق وحصافة.. وقد قيل في الحديث إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر تنهاه عن ظلمه، والله تعالى يحب للمؤمنين أن يتعاونوا في البر والتقوى وألا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وأن يسارعوا إلى العمل الصالح ويستبقوا إلى الخيرات. يقول عز وجل في صفات المؤمنين: « أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ » (المؤمنون 61)
أما الحاكم فهو راعٍ، ومسئول عن رعيته، مطالبٌ بمراقبة نفسه فيما يأتى وفيما يدع، فالله تعالى يعلم السر وما أخفي، ويعلم سر عباده ونجواهم، وهو سبحانه عَلاَّم الغيوب.. يقول عز وجل في كتابه العزيز:
« أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ » ( التوبة 78)
ويقول عز من قائل:
« وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» ( التوبة 105)
صدق الله العظيم
والنصح لعامة المسلمين، نابعٌ مما أوجبه الله تعالى واستحسنه لهم من المحبة والتعاون، والتكافل والتساند.. ولا يتأتى في شىء من ذلك إلاَّ بإخلاص النصح لهم، والتناصح فيما بينهم.. هذا التناصح يستوجب التزام المصالح والتنويه بها والإرشاد إليها، وأن يحب الواحد لهم ما يحب لنفسه، وأن تكون مناقب الإسلام وشمائله متبادلة فيما بينهم، التراحم والتعاطف، وفي الأحزان والأفراح، وبذل العون والنصح والدعاء لهم، وإرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، ونصرتهم في الحق، ومجانبة الغش والحسد لهم، ودفع الأذى والمكروه عنهم، وبر فقيرهم، وتعليم جاهلهم، ورد من زاغ منهم إلى الحق.
في محبة النصح والرعاية، أُثر عن عمر بن عبد العزيز، الملقب بخامس الخلفاء الراشدين، قوله للرعية: « ياليتنى عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به، فكلما عملت فيكم بسنّة ــ ودفع منى عضو حتى يكون آخر شىء منها خروج نفسى »
ومن أعظم النصح بذل المشوره لمن يطلبها أو يحتاجها، وفي الحديث النبوى أن المستشير معان، وأن المستشار باذل المشورة مؤتمن، ومن وصايا الهادى البشير عليه الصلاة والسلام، أن من حق المسلم على المسلم أن ينصح له إذا غاب، أى أن يرد عنه غيبته.
وللنصح آداب، يحكمها صدق النية، ومناقب الإسلام.
قال الفضيل بن عياض:
« المؤمن يستر وينصح ؛
والفاجر يهتك ويعيّر ».
وقال بعض العارفين:
كان مَنْ قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئًا يأمره في رفق فيؤجر في أمره ونهيه، أما الجاهل الأحمق فيستغضب أخاه ويهتك ستره !
وقال ابن عباس إن كان الناصح فاعلاً، فليفعل فيما بينه وبين من ينصحه
عن هؤلاء المؤمنين: قال الله تعالى في كتابه العزيز:
« وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ » (الشورى 38 ). صدق الله العظيم
من جوامع الكلم
خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يومًا، فبسط للناس كثيرًا من المعانى التي يقصد إليها الإسلام ويحرص عليها، فقال لهم:
« إنما علينا أن نأمركم بالذي أمركم الله من طاعته، وأن ننهاكم عما نهاكم الله عنه من معصيته.
« وأن نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم، لا نبالى على من مال عن الحق ؛ ليتعلم الجاهل، ويتعظ المُفَرِّطُ ولِيَقْتَدِىَ المُقْتَدِى ».
واستأنف يقول لمن يخالف فعله قوله، ومن يتمنّون على الله الأمانى دون بذل ما عليهم:
« وقد علمتُ أن أقوامًا منهم مَنْ يقول بما أُمِرَ به، وفِعْلُه مُتَوَلٍّ عن ذلك !
« وأن أقوامًا يتمنَّوْنَ في أنفسهم، ويقولون: نحن نصلّى مع المصلّين ونجاهد مع المجاهدين، وننتحل الهجرة، ونقاتل العدو.
« وكل ذلك يفعله أقوام لا يحتملونه بحقه.
« فإن الإيمان ليس بالتمنّى، ولكنه بالحقائق.
« فمن قام على الفرائض، وسدَّدَ نيّتَهُ وخَشْيَتَه فذلكم النّاجى. ومن ازدادَ اجتهادًا، وجَدَ عند الله مزيدًا ».
وإذ درج البعض على قصر معنى الجهاد على وجه واحد، فطفق عمر يقول للناس:
« إن الجهاد سنام العمل، وإنما المهاجرون الذين يهجرون السيئات ومَنْ يأتى بها.
« ويقول أقوام إنهم جاهدوا ؛ وإنما الجهاد في سبيل الله اجتنابه المحارم، مع مجاهدة العدو، وإن الأمر جِدٌّ فجِدُّوا.
« وقد تقَاتَلَ أقوامٌ لا يريدون غيرَ الأجر، وآخرون لا يريدون غيرَ الذِّكْر.
« وإن الله عز وجل رضى منكم باليسير، وأثابكم على اليسير الكثير.
« الوظائف الوظائف، أدوها تُؤَدّكم إلى الجنة !
« السّنة السّنة، أكرموها تنْجيكم من البدعة.
« تعلَّموا ولا تعْجِزُوا ؛ فإن مَنْ عَجَزَ تكَلَّفَ »
- خشوع الإيمان، هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال، والوفاء والمهابة والحياء.
أما خشوع النفاق ؛ فإنه لا يبدو إلاَّ على الجوارح تكلفًا وتصنّعًا والقلب غير خاشع !
- من الحكم العطائية: « خير ما تطلبه ( من ربك ) ما هو طالبُهُ منك ».
- الراغب عن الهدى يتخذ هواه إمامًا له، يقتدى به ويتبعه !!
- يجد المشقة في ترك المألوفات، من يتركها لغير الله !