في دوحة الإسلام (69)

في دوحة الإسلام (69)

 نشر بجريدة صوت الأزهر الخميس 27/5/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

البر والمحبة

في الإسلام

الإسلام إيمان وتوحيد، وبرّ ومحبةٌ وعطاء، به تسلم الجوارح فتُقْبل بإخلاص على دين الله، وتعاف ما حرمه، وتعمر القلوب بذكر الله عز وجل، والتوكل عليه، وخشيته سرًّا وعلانية، واستحضاره والاعتصام بحبله، وإيثار محبة الله ورسوله على جميع المحبات..

روى بإسناده في مسند الإمام أحمد والنسائي عن معاوية بن حيدة، قال:

قلت يا رسول الله: بالذي بعثك بالحق ـ ما الذي بعثك الله به ؟

قال: الإسلام.

قلت: وما الإسلام ؟

قال: « أن تسلم قلبك لله تعالى، وأن توجّه وجهك لله، وأن تصلى الصلاة المكتوبة، وتؤدى الزكاة المفروضة ».

روى بإسناده أن الهادي البشير عليه الصلاة والسلام، قال في خطبته بمنى:

« ثلاث لا يَغلُّ عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتَهُم تحيط من ورائهم ».

أي أن هذه الخصال الثلاث تنفي وتدرأ الغل عن قلب المسلم..

يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز:

« إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » ( الأنفال 2 ـ 4 ).

المؤمنون تخشع قلوبهم لذكر الله، فتخشع جوارحهم، وتستقيم خطاهم، ويلتزمون ما نزل من الحق، وينشدون في الدنيا خيرًا وإصلاحًا.. من ذاق طعم الإيمان، رضى بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً..

هذا الرضا بربوية الله، يتضمن الرضا بعبادته سبحانه وحده لا شريك له، والرضا بتدبيره للعبد واختياره له، والرضا بدين الإسلام والإخلاص فيه، والرضا بما جاء به رسول الله من عند الله..

بسم الله الرحمن الرحيم

« فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا » ( النساء 65 ).

صدق الله العظيم

الإيمان ليس تظاهرًا، ولا هو مجرد كلمة تقال، وإنما ما وقر في القلب وصدقه العمل.. وإقبال مخلص على الطاعات.

سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز:

« وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفي بِاللّهِ عَلِيمًـا » ( النساء 69، 70 )

فضل الإسلام

لو لم يكن الإسلام هو الأفضل لصلاح الحياة والأحياء، لما اعتنقه الراشدون وآمنوا به..

إلاَّ أن الناس في عصرنا قد باتوا فرقاء متباينين.. منهم ملاحدة ينكرون الألوهية ويتصورون أن العالم لا رب ولا خالق له، ومنهم من يقر إقرارًا مبهمًا بالربوبية، ومنهم من يحسب أن الأديان متساوية المنهج والقيمة، ومنهم من انصرف إلى دين لا يرغب عنه أبدًا، ومنهم الوثنى المغلق، ومنهم من رضى بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولا..

على أن في المسلمين من يجهلون الإسلام، ويسيرون وراء الجهل والبدع والهوى، ومنهم من جنح وأمعن في الجنوح حتى نسب إلى الإسلام ما ليس فيه، واستباح العنف والإيذاء ناسبًا ما يقارفه ـ كذبًا ـ إلى الإسلام.

وهناك للأسف مشتغلون بالعلم الديني ـ يقدمون الإسـلام علـى أنـه تقييـد للمرأة، ويجتهدون في تقرير أحكام تظهر المرأة جاهلة قاصرة لا تحسن الأمور، وأنها لذلك ناقصة عقل ودين، ومن ثم بلا حقوق، بل ويستنكر بعضهم عليها العلم والعمل، بل وقيادة سيارة !!!

هذه فتنة محزنة للناس عن الإسلام، وتشويه جهول لصورة الإسلام في عيـون الناس !!

إن من يرفض معرفة الله، والتزام دينه، مهما نبغ في هذا أو ذاك من الأمور، فإنه معتل الضمير، زائغ التفكير، مخوف السلوك على الأقربين والأبعدين !

مثل هذا لا يعبد إلاّ هواه !

وقد وصف الله تعالى عبيد أهوائهم، الكارهين للهداية، فقال لرسوله عليه السلام:

« أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » ( الفرقان 43، 44 ). صدق الله العظيم

العبودية لله

في تسرية ربّانية عن الرسول المصطفي عليه الصلاة والسلام، يقول له ربه تبارك وتعالى في كتابه العزيز:

« إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » ( الحجر 95 ـ 99 )

وروى بإسناده عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال:

« سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلاَّ ظله..

إمام عادل،

وشاب نشأ في عبادة الله تعالى،

ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه،

ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه،

ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه،

ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين،

ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ».

صدق رسول الله

هذه هي العبودية الحقة لله عز وجل.

والعبودية أتم من العبادة، فهي التي تأتى بالعبادة والإخلاص.

ويقول الصوفية:

العبادة لأصحاب المجاهدات،

والعبودية لأرباب المكابدات،

والعبودة صفة أهل المشاهدات

فمن لم يدخر عنه نفسه، وقام بما فرضه سبحانه وتعالى عليه، فهو صاحب عبادة.

ومن لم يضن على الله تعالى بقلبه، وقام بحق الطاعات، فهو صاحب عبودية.

أما من لم يبخل بروحه، فهو صاحب عبودة.. وهي ـ فيما قيل ـ لخاصة الخواص.

تتحقق العبودية لله تعالى بأربع خصال:

الوفاء بالعهود،

والحفظ للحدود.. حدود الله تعالى،

والرضا بالموجود،

والصبر عن المفقود.

ليس شيء أشرف من العبودية لله، ولا اسم أتم للمؤمن من وصفه بالعبودية..

يقول الله عز وجل في وصف النبي عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج، وكان أشرف أوقاته في الدنيا:

« سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا » ( الإسراء 1 )

وقال تعالى:

« فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى » ( النجم 10 )

نرى في الآيتين الكريمتين وصف الله عز وجل لنبيه المصطفي بأنه « عبده » ولو كان هناك اسم أو وصف أجلّ من العبودية لسماه ـ سبحانه ـ به.

العبودية لله، صفة للعبد المؤمن، لا تفارقه ما دام على إيمانه، وهي التي تقوده إلى الطاعات، وإلى كل خير، وتصرفه وتحصنه وتصونه عن الحرام والمنكرات.

فطوبى لمن صحت واستقامت عبوديته لله..

جلال إنكار الذات

بينما معركة اليرموك مع الروم على أشدها، وصل إلى أبى عبيدة بن الجراح كتاب وارد من عمر بن الخطاب بالمدينة، يعزيه في وفاة الصدّيق، وينبئه بتوليه من بعده، وينهي إليه عزل خالد بن الوليد عن قيادة الجند بالشام، وتوليته القيادة العامة للأجناد محلّه.

أخفي أبو عبيدة أمر هذا الكتاب، ولم يبلغ به خالدًا أو سواه، حتى انتهت المعركة بالنصر وتفرغ المسلمون لما بعدها، وإذْ علم خالد بأمره، وعرف ما صَنَع أبو عبيدة. قال له:

« يرحمك الله يا أبا عبيدة ! ما منعك أن تُعْلمنى حين جاءك ؟ »

أجابه أبو عبيدة في رفق وصدق: « كرهتُ أن أكسر عليك حربك، ما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، ما نراه سيصير إلى زوال ـ وإنما نحن أخوان، وما يضر الرجل أن يتولى أمورَه أخوه في دينه ودنياه » ؟

*      *       *

  • يجترئ على الشبهات من تعرض للمحرمات !…
  • العاصي النادم خير من الطائع المدعى المغتر.. فالعاصي يطلب طريق توبته ويعترف بنقصه فيسعى لإصلاح ما ألم به؛ والمدعى المغرور يتخبط في حبال دعواه وغروره فلا ينصلح له حال !!!!!!!….
  • من قلت آفاته اتصلت بالحق آوقاته….
  • من ادعى في شيء من الحقيقة كذبته شواهد كشف البراهين !!!!!!!!….
  • ذكر الله حجاب يقي من المعاصي..
  • لو تأمل المبطلون لرأوا آية الله في عين كل ناظر !!!!!!!
زر الذهاب إلى الأعلى