في دوحة الإسلام (58)

في دوحة الإسلام (58)

نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 3/3/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الإسلام إيمانٌ وتسليمٌ لله، وخضوعٌ له.. فيجعل الإنسان نفسه تابعًا لمراد الله، قال تعالى:

« وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ » (لقمان 22)

هذا التسليم إلى الله، هو لب ومعنى وجوهر الإسلام. أن يعرف الإنسان ربه، وأن يتوجه إليه، وأن يلتزم بأوامره ونواهيه، وأن يلتزم هديه..

هذا هو معنى الإسلام الذي قرره الأنبياء والمرسلون .

قال تعالى: « إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ » (آل عمران 19)

جميع الأنبياء والرسل مسلمون بالمعنى الذي أراده سبحانه وتعالى للإسلام، والإيمان بهؤلاء الرسل والأنبياء جميعًا هو الإسلام..

من حديث يعقوب عليه السلام لبنيه حين حضره الموت، فيما يرويه القرآن الكريم:

« أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »    (البقرة 133).

وأمرنا عز وجل بالإيمان بكل الرسل والأنبياء، فقال لنا:

« قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » (البقرة 136).

وبذلك أمر عز وجل ـ أمر رسوله المصطفي عليه الصلاة والسلام، فقال له:

« قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (آل عمران84).

وفي الآية الثالثة والثمانين من سورة آل عمران:

« أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ » ( آل عمران 83).

فالإسلام ليس مقصورًا على ما نزل على « محمد » عليه الصلاة والسلام، وإنما هو عنوان لجميع الرسالات والنبوات المرسلة من رب العالمين.

كان السيد المسيح عليه السلام، يعلم أتباعه الانقياد إلى الله وصدق العبودية له، وبذلك أوصى الله عز وجل إلى الحواريين، فقال سبحانه:

« وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ » (المائدة111).

وقوام الإسلام وعماده حقيقتان متلازمان: إحداهما حسن المعرفة بالله، وتوحيده وعدم الإشراك به، والأخرى الانقياد له عز وجل والتزام أوامره ونواهيه..

خضوع الإنسانية لخالقها وبارئها الأعلى، إيمان وصدق وشرف، وهذا هو الإسلام.

من التوابين

توبة المهلبى وجاريته

أورد ابن قدامة المقدسي بسنده في كتابه عن « التوابين »، قصة رجل من المهالبة قدم من البصرة إلى بغداد أيام البرامكة لقضاء بعض حوائجه، فلما فرغ منها انحدر إلى البصرة ومعه غلام له وجارية.

فلما صار في دجلة إذا بفتى على ساحل دجلة، عليه جُبّة صوف وبيده عكازة ومزود، فسأل الملاحَ أن يحمله إلى البصرة ويأخذ منه الكراء ( أي الأجرة ). فلما رآه الشيخ المهلبي رق له، وطلب من الملاح أن يحمله معهم، فحمله. فلما كان وقت الغداء دعا الشيخ بالسفرة، وقال للملاح: قل للفتى ينزل إلينا، فأبى عليه؛ فلم يزل يطلب إليه حتى نزل. فأكلوا، حتى إذا فرغوا.. نهض الفتى ليقوم، فمنعه الشيخ حتى توضؤوا ؛ ثم دعا بزق فيه شراب، فشرب قدحًا، ثم سقى الجارية، ثم عرض على الفتى. فأبى فأعفاه، وسقى الجارية، وقال هاتى ما عندك، فأخرجت عودًا لها في كيس، فهيأته وأصلحته، ثم أخذت فغنت: فقال المهلبى: يا فتى ! تحسن مثل هذا ؟ قال: أُحْسِنُ ما هو أحسـن مـن هذا.

افتتح الفتى فقال: بسم الله الرحمن الرحيم « قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ » (النساء 77 ـ 78). وكان الفتى حسن الصوت. فأفرغ الشيخ القدح في الماء، وقال: أشهد أن هذا أحسن مما سمعت ! فهل غير هذا ؟ قال: نعم، وتلا « وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا » ( الكهف 29 ).

وإذا بالشيخ وقد وقعت في قلبه يرمى بالزق في الماء ويكسر العود ويسأل الفتى: هل ها هنا فرج ؟ قال: نعم، « قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » ( الزمر 53 ).

تمضى الرواية فتروى أن مشيئة الله تعالى جرت بأن يموت هذا الرجل التائب على توبته واستقامته، كذلك الجارية التي جعلت تقوم الليل وتصوم النهار حتى قابلت ربها على توبتها الخالصة، لتبقى قصتهما آية على اتساع باحة الإسلام لمن يتوب ويستغفر، ويعود إلى ربه وإلى الصراط المستقيم !

نفحة عمرية

كان من سنة عمر بن الخطاب، أن يوالى أمراءه بكتبه ووصاياه وتوجيهاته، وكان صاحبه أبو عبيدة بن الجراح، الأثير لديه، واليًا على الشام، فكتب إليه عما يجب عليه أن يلزمه عند القضاء بين الناس ـ قال :

« إلزم خمس خصال يسلم لك دينُكْ، وتَحْظَ بأفضل حَظِّك:

إذا  حضرك الخصمان ؛ فعليك بالبينات العدول، والأيمان القاطعة.

ثم أَدْنِ الضعيفَ حتى ينبسط َ لسانُه، ويجترئ قلبُه.

وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال انتظارُهُ ترك حاجَتَه وانصرف إلى أهله.

وإذا الذي أبْطلَ حَقَّه من لم يرفَعْ به رأسًا.

واحرص على الصلح ما لم يَبِنْ لك القضاء. والسلام  »

*         *         *

  • للإنسان نصيبٌ من حوادث الدهر، فإنْ خيرًا شكر الله عليه، وإنْ شرًّا صبر لقضائه وقدره، لذلك قيل أمر المؤمن كله خير.. فهو إمّا شاكر وإمّا صابر.
  • من الحكم العطائية:

كيف يُتصور أن يحجبه شىءٌ، وهو ـ سبحانه ـ الذي أظهر كلَّ شيء ؟

وكيف يتصور أن يحجبه شىءٌ، وهو الذي ظهر بكل شيء ؟

وكيف يتصور أن يحجبه شىءٌ، وهو الظاهر قبل وجود أى شيء ؟

وكيف يتصور أن يحجبه شىءٌ، وهو أظهر من كل شيء ؟

وكيف يتصور أن يحجبه شىءٌ، وهو الواحد الذي ليس معه شىء ؟

وكيف يتصور أن يحجبه شىءٌ، وهو أقرب إليك من كل شىء ؟

وكيف يتصور أن يحجبه شىءٌ، ولولاه ما كان وجود كل شىء ؟

  • يا عجبًا ! كيف يظهر الوجود في العدم ؟

أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم ؟

  • في الطريق إلى الله، تتجلى منابع الأنوار، وتتبدى للسالك مكامن الأسرار.

*         *         *

لا تسأل الله عن ثقة ببياض وجهك عنده ؛ وحسن فعالك معـه ؛ وسوالـف إحسانـك قبله ٠٠

ولكن عن ثقة بجوده وكرمه الفياض ؛

وطمعًا في رحمته الواسعة ؛

وعن توحيد لا يشوبه إشراك ؛

ومعرفة لا يخالطها جهالة أو إنكار !

زر الذهاب إلى الأعلى