في دوحة الإسلام (50)
في دوحة الإسلام (50)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 6 / 1 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
يدرك المسلم السوي، الفاهم العاقل، أن أسماء الله الحسنى دالة على صفاته، تدعوه ويدعوه إيمانه بالواحد الماجد إلى المجاهدة لاكتساب ما يستطيع ببشريته المحدودة أن يكتسبه منها.. ويفهم من اسم « العليم » أن علم الله تعالى مطلق، لا حدود له، وأنه يعلم ما بأيدينا وما خلفنا ولا نحيط بشيء من علمه إلاَّ بما شاء، وأن نصيب المؤمن من ذلك أن يجاهد ما في وسعه لاكتساب ما يمكنه ببشريته أن يجنيه من العلم.
العلم خزائن
مفاتيحها السؤال
عِلْمُنا مهما كان ما حصّلناه ـ ناقص، وما من عالم أو غير عالم، إلاَّ ويحتاج لمعرفة ما لا يعرف. غير أن البعض يعزّ عليه السؤال فيما لا يعلم، وقد يرده عنه الكِبْر أو الخجل من السؤال، أو الاغترار والتعالي، فيفوته حتى وإنْ حسنت نيته ـ يفوته أن يعلم ما لا علم له به، أو علمه فيه ناقص، فيمضى في حياته على قصور معرفة أو جهل، فيُحرم من صواب ما يهديه إليه العلم وتحيطه به المعرفة..
ما بال البعض منا يقع في هذه الوهدة، مع أن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بأن نسأل إذا كنا لا نعلم، وقال لنا في كتابه العزيز :
« فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » ( النحل 43 ) صدق الله العظيم
حَضَّنا الهادي البشير عليه الصلاة والسلام، على طلب العلم، فقال لنا :
« تعلموا العلم، فإن تعلّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السرّاء والضرّاء، والسلاح على الأعداء.. يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة : تقتفي آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهي إلى رأيهم.. وبه يبلغ العبد منازل الأخيار والدرجات العلا في الدنيا والآخرة ». صدق رسول الله
ولم يتركنا الهادي البشير عليه السلام، دون أن يضع يدنا على المفتاح، ويدلنا إلى سبيله.. فما لا نعرف محجوب عنا، وعلمنا مهما كان قاصر، والعلم المطلق لله تعالى وحده، فيقول لنا عليه الصلاة والسلام :
« العلم خزائن مفاتيحها السؤال، فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل، والعالم، والمستمع، والمحب لهم ».
ثواب هذا السؤال الهادي إلى العلم، مأجورٌ فيه أربعة..
يؤْجر السائل لأنه لم يستح ولم يتكبر على العلم فسأل ليعرف ما لا يعرفه.
ويؤْجر فيه العالم العارف الذي يبذل علمه لمن يطلبه، ويعرف من سنة الإسلام ونبيه الكريم أن تعليم العلم لمن لا يعلمه صدقة..
ويؤْجر المستمع.. فقد استمع إلى السؤال فانفتح لديه الشوق إلى المعرفة، وساقه هذا الشوق إلى سماع الإجابة، فَحصَّل ما حصله السائل نفسه..
ولما لهذا وذاك من فوائد الإطلال على بحور العلم الواسعة، امتد الأجر إلى المحب لهؤلاء..
نعلم مما أوصانا به الهادي البشير عليه الصلاة والسلام، أن « طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ». وأن « من الصدقة أن تتعلم العلم ثم تعلّمه ابتغاء وجه الله عز وجل »، وأن أجره كأجر المرابط، يجرى عليه أجر ما بذله من علم حتى بعد رحيله عن الحياة الدنيا..
وسبحان الذي قال في كتابه الحكيم :
« هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ » ( الجمعة 2 ) صدق الله العظيم
رباط الإسلام
الإسلام رباط بين أهله على الحق، وعلى الطاعات، وعلى التساند في الخيرات، وهذا الرباط رباط روحي وإيماني، ليس كانتماءات الأحزاب، ينضوي الحزبي فيه اليوم ويخلعه عنه غدًا..
ولا هو نادٍ يربط بين أعضائه وجمهوره آفة التعصب..
ولا هو برنامج سياسي أو اجتماعي يعتنقه الإنسان ثم يلغيه أو يرفضه أو ينسلت منه متى شاء، وبلا معقبات..!
الإسلام حياة كاملة، لها وجهها الفردي والعائلي والاجتماعي.. رباطها الإيماني والارتباط بحبل الله ونشدان وجهه.. سبحانه الوارث الباقي من له الدوام، وهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، العليم اللطيف الخبير، على كل شيء قدير.
والإسلام بقيمِة ومبادئه وشريعته، لا يقبل الرعونة أو الحماقة ولا يرتضيها، ولا يتصور المسلم إلاَّ عاقلاً مسئولاً، قبل حمل الأمانة التي اضطربت لها السموات والأرض الجبال وأبيْن أن يحملنها وأشفقن منها..
والناس حين تخلع المبادئ أو ترفع راية الهوس وتولى هذا أو ذاك في حياتها هذه المكانة، تغير الأسماء المألوفة لهذه النزعات وتضفي عليها أسماء أخرى ـ مضللة ! ـ ذات بريق مداراة لسوئها !.. ويساعدهم ذلك الخداع للنفس أو للغير على الاستمرار في تلك الحالة التي اعتنقوها، وعلى نسيان كيف دخلوها، وربما شعروا بالزهو والذكاء لوجودهم فيها.. وربما اجتذب ذلك إليهم غيرهم من الشواذ الذين يسعون أصلاً وراء فرص للتعبير عن آفاتهم وهم آمنون من الخوف والعار !
والذين يختارون الهوس والجنون لا يعلمون إلى أين يؤديان بهم ولا أين يقفان.. فليس للهوس والجنون « حساب » يمكن معرفته مقدمًا أو ضبطه، ومتى سيطرا فلن يتخليا عن السيطرة تلقائيًّا عندما تدعو المصلحة.. ثم إن الناس تعتاد الحمق بالممارسة، ويتعذر عليهم أن يقلعوا عنه رغم فداحة ما يصيبهم من جرائه !!
المسلم السوى، مدين للإسلام بوجوده الروحي وبوجوده المادي، ومدين له أيضًا فيما حفظه له من توازن بين وجوده الروحي ووجوده المادي، فمن وسطية الإسلام أنه وهو يفتح للمسلم أبواب الحياة الروحية حرم عليه أن يوصد بيديه أبواب الحياة الجسدية، كما نهاه أن يترك العمل لينقطع عن الدنيا وينسى نصيبه منها.. في القرآن المجيد: « وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْـغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِـبُّ الْمُفْسِدِينَ » (القصص 77).
طالب الله والدار الآخرة
المؤمن الحصيف مهاجرٌ إلى الله، يطلبه عز وجل ويطلب الدار الآخرة، ويسعى أيامه في الدنيا لزيادة رصيده من الحسنات، وتجنب السيئات.
وقد قال العارفون أن دستور السالك إلى الله، أن يحبس قلبه في طلبه ومطلوبه، وأن يحبسه ويجنبه الالتفات إلى غيره، ويحبس لسانه عما لا يفيد.
من يحبس قلبه في ذكر الله والإمساك بحبله، تنحبس جوارحه عن الشهوات والمعاصي، وتطاوعه في الإقبال على الطاعات والواجبات.
قال العارفون..
- عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشه..
- إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئًا..
- تقوى الله توجب محبته، ومن أحبه الله حبَّبَ فيه خلقه..
* * *
- العبد لا ينفك عن أمر يفعله.
ونهي يتركه
وقدر يجرى عليه
وفرضه في الثلاثة : الصبر والشكر.
ففعل المأمور هو الشكر
وترك المحظور والصبر على المقدور هو الصبر
ومن هنا كان الصبر نصف الإيمان
- تقفر حياة من طوى نفسه على الحقد والكره والغيظ والحسد، ولم يبذل المودة إلاَّ اصطناعًا وادعاءً وتكلفًا !
وطوبى لمن طوى قلبه على الحب والوفاء، والمودة والإسماح.
- لو خشع القلب لخشعت الجوارح..
ومن نظر بنور الفراسة، نظر بنور الحق..
ويكذب من يدعى محبة الله ثم إذا جن الليل نام عنه !
- كل سلطان إلى زوال..
إلاَّ سلطان العلم والحكمة فلا زوال لهما !