في حكم لها.. «النقض» تشرح قاعدة ” الأصل في المتهم البراءة”

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 5332 لسنة 89 بتاريخ 09/05/2022، أنه من المقرر أن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عنوان عليها أصلان كفلهما الدستور بالمادتين ٤١، ٦٧ منه، فلا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تقيمها النيابة العامة وتبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إلى المتهم في كل ركن من أركانها وبالنسبة لكل واقعة ضرورية لقيامها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التي يستند عليها مفهوم المُحاكمة المنصفة وهذا القضاء تماشياً مع ما نصت عليه المادة 67 من الدستور من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ومفاد هذا النص الدستوري أن الأصل في المتهم البراءة وأن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة، فعليها وحدها عبء تقديم الدليل ولا يلزم المتهم بتقديم أي دليل على براءته، كما لا يملك الشارع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو لنقل عبء الإثبات على عاتق المتهم.

المحـكـمـــة

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يحط بواقعة الدعوي وأدلتها في بيانٍ وافٍ، ولم يبين كيفية الضبط وتوقيت إجرائه، والأفعال المادية التي آتاها الطاعن، ومكان حدوث الضبط، وحالة الرؤية به، ولم يورد مؤدى تقرير ضابط الواقعة، واكتفى في بيان مضمون تقرير المعمل الكيماوي بإيراد نتيجته، وخلت مدوناته من بيان وصف ووزن وحجم المخدر المضبوط، وأن ما تم ضبطه هو ما تم فحصه من مضبوطات، واطرح بما لا يصلح دفوعه ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس التي اختلقها ضابط الواقعة في تصوير لا يتفق مع العقل والمنطق ليصحح بها الإجراءات الباطلة، وبطلان إقراره بمحضر الضبط، وبطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل حدوث الواقعة، بدلالة البرقيات التلغرافية المرسلة من ذويه والتي صدفت عنها المحكمة، وأغفل بيان مضمون أقوال شاهد الإثبات، وعول عليها، رغم تناقضها وعدم معقولية تصويره للواقعة، وانفراده بالشهادة، وحجبه باقي أفراد القوة المرافقة له عنها، وضرب صفحاً عن دفاعه القائم على كيدية الاتهام وتلفيقه، وانتفاء صلته بالمضبوطات، وأقام الحكم قضاءه علي أسباب ظنية، ودانته المحكمة دون أن تعمل في حقه قاعدة أن الأصل في الإنسان البراءة، وأعملت المادة 17 في حقة رغم ذلك، وأخيراً لم يعرض لدفاعه ودفوعه الجوهرية المبداة بمحضر الجلسة، مما يعيبه بما يستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه دليلين استمدهما من أقوال شاهد الإثبات، ومما ثبت من تقرير المعمل الكيماوي، وأورد مضمون كل دليل ومؤداه في بيانٍ وافٍ كافٍ بما يكشف عن وجه استشهاده به، وهما دليلان سائغان من شأنهما أن يؤديا إلى ما رتب عليهما، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم خلوه من كيفية ومواقيت الضبط والتفتيش طالما كان الطاعن أو المدافع عنه لم يثر شيئاً في خصوصها، ومن ثم فإن منعاه في هذا الصدد لا يكون سديداً . لما كان ذلك، وكان تحصيل المحكمة للواقعة في حدود الدعوى المطروحة قد جاء وافياً في شأن بيان الأفعال المادية التي أتاها الطاعن بما يفصح عن الدور الذي قام به في الجريمة التي دانه الحكم بها وأوضح كيفية تخليه عن المخدر المضبوط، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس . لما كان ذلك، وكان نعي الطاعن على الحكم أنه خلا من بيان مكان الضبط والذي هو في حقيقته دفع بعدم الاختصاص المكاني لضابط الواقعة مردودًا بأنه لما كان الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع بعدم اختصاص الضابط مكانياً بضبطه وكانت مدونات الحكم خالية مما ينفى هذا الاختصاص ويظاهر ما يدعيه في هذا الخصوص فلا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن وظيفتها . وكان ما يثيره الطاعن من عدم بيان الحكم حالة الرؤية، ومكان حصول الواقعة، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين، تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شاهد الإثبات، وتقرير المعمل الكيماوي ولم يعول في ذلك على ما تضمنه تقرير ضابط الواقعة الذي لم يشر إليه في مدوناته فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير قويم . لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مؤدى تقرير المعامل الكيماوية وأبرز ما جاء به من ثبوت أن الجوهر المضبوط يحتوي على مادة الأُستروكس المدرجة بالجدول الأول من قانون المخدرات، وهو بيانٍ كافٍ للدلالة على أن المادة المضبوطة مع الطاعن هي لذلك المخدر، وكان من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل أجزائه، ومن ثم ينتفي عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على مدونات الحكم المطعون فيه أنه اشتمل على بيان ماهية المضبوطات محل الاتهام ووصفها بأنها سبعة وأربعون لفافة من نبات الأستروكس المخدر، خلافاً لما يزعمه الطاعن بأوجه الطعن، وكان بيان وزن وحجم كمية المخدر المضبوط في الحكم ليس جوهرياً مادام أن الحكم قد استخلص ثبوت القصد من حيازة المخدر في حق المتهم استخلاصاً سائغاً وسليماً، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنان المحكمة إلى أن المخدر المضبوط هو الذي جرى وزنه وتحريزه، وهو الذي أرسل إلى معامل التحليل، وتم تحليله وثبت أنه لمخدر الأُستروكس، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه متى كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أن المخدر المضبوط هو الذي أرسل للتحليل وصار تحليله، واطمأنت كذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها التحليل، فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناءً على ذلك، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن، لا يؤبه له . لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس، واطرحه بما مفاده اطمئنان المحكمة إلى أقوال ضابط الواقعة، من أن تظاهره بشراء المخدر من الطاعن، جرى في حدود إجراءات التحري المشروعة قانوناً، بقصد ضبط جريمة يقارفها، وهو لا يُعد تحريضاً منه على ارتكاب الجريمة تلك، مادام أن إرادة الأخير بقيت حرة غير معدمة، وأن القبض عليه وضبط المخدر المعروض للبيع، تم بعد ما كانت جناية بيع هذا المخدر متلبساً بتمام التعاقد، والتي تبيح للضابط القبض عليه وتفتيشه بغير إذن من النيابة العامة، وهو – من الحكم – كافٍ وسائغٌ في الرد على الدفع المار ذكره، ويتفق وصحيح القانون طبقاً للمادتين 34، 46 من قانون الإجراءات الجنائية، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن، يكون غير مقترن بالصواب .

لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع ببطلان إقراره بمحضر جمع الاستدلالات فإنه لا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه ذلك من تحقيق موضوعي ينحسر عنه وظيفة هذه المحكمة، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يستند في قضائه بالإدانة إلى دليل مستمد من إقرار الطاعن بمحضر الضبط، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة الموضوع أن الطاعن لم يثر شيئاً بخصوص ما يدعيه من بطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل وقوع الجريمة وتحرير محضر الضبط، فليس له أن ينعى على المحكمة – من بعد – قعودها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها، فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت للمستندات التي قدمها الطاعن بجلسة المحاكمة تأييداً لدفعه المار ذكره واطرحتها لما ارتأته من أنها غير ملتئمة مع الحقيقة التي اطمأنت إليها بأسباب سائغة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد، يكون غير قويم . لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال شاهد الإثبات التي كانت من بين الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيانٍ وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب.

لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت – في نطاق سلطتها التقديرية- إلى أقوال شاهد الإثبات وصحة تصويره للواقعة، وحصلت تلك الأقوال بما لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول استدلال الحكم بتلك الأقوال، أو محاولة تجريحها، والقول بعدم معقولية تصويره للواقعة، وانفراده بالشهادة، وحجبه باقي أفراد القوة المرافقة له عنها، وكيدية الاتهام وتلفيقه، وانتفاء صلته بالمضبوطات، محض جدل في تقدير الدليل، الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد استخلصت في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى ما يوفر الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها – وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم تبن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما يذهب إليه الطاعن فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عنوان عليها أصلان كفلهما الدستور بالمادتين ٤١، ٦٧ منه، فلا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تقيمها النيابة العامة وتبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إلى المتهم في كل ركن من أركانها وبالنسبة لكل واقعة ضرورية لقيامها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التي يستند عليها مفهوم المُحاكمة المنصفة وهذا القضاء تماشياً مع ما نصت عليه المادة 67 من الدستور من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ومفاد هذا النص الدستوري أن الأصل في المتهم البراءة وأن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة، فعليها وحدها عبء تقديم الدليل ولا يلزم المتهم بتقديم أي دليل على براءته، كما لا يملك الشارع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو لنقل عبء الإثبات على عاتق المتهم .

لما كان ذلك، وكان تقدير العقوبة وتقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب، ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، وهذا التقدير في الحدود المقررة قانوناً من سلطة قاضي الموضوع، ولم يلزمه الشارع باستعماله، بل رخص له في ذلك وتركه لمشيئته وما يصير إليه رأيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً ومحدداً وكان الطاعن لم يبين في أسباب طعنه أوجه الدفاع والدفوع التي يدعى أن الحكم المطعون فيه التفت عنها حتى يمكن مراقبة ما إذا كانت هذه الدفوع من الدفوع الجوهرية مما يجب على المحكمة أن تجيبها أو ترد عليها، أم أنها من قبيل الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم في الأصل رداً، بل الرد عليها مستفاد من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها، ومن ثم فإن منعاه على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً .

أمين الســـــــــــــــــــــــــر نائب رئيس المحكمة

زر الذهاب إلى الأعلى