في حكم لها.. «النقض»: الأدلة في المواد الجنائية إقناعية
كتب/ عبد العال فتحي
أكدت محكمة النقض خلال حكمها بالطعن رقم 20528 لسنة 89 قضائية، أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصـح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى.
الوقائـــــــــــــــــع
إتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم 4690 لسنة ٢٠١٧ مركز بسيون (والمقيدة بالجدول الكلي برقم ٢٧٠٥ لسنة ٢٠١٧ کلی غرب طنطا).
بأنه في يوم 25 من فبراير سنة 2018– بدائرة مركز بسيون – محافظة الغربية.
۱- شرع في قتل المجنى عليه / ……………….. عمداً بغير سبق إصرار أو ترصد بأن باغت المجنى عليه حال دلوفه لأحدى البنايات بضربة قوية بالرأس بأداة ( شومة ) فأحدث أصابته الثابتة بتقرير الطب الشرعي الخاص به مما نتج عن ذلك عاهة مستديمة يستحيل برؤها تقدر نسبتها 40% قاصداً من ذلك قتله إلا أنه قد خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه ألا وهو مداركة المجنى عليه بالعلاج على النحو المبين بالتحقيقات .
۲- أحرز بدون مسوغ من الضرورة المهنية أو الحرفية أداة مما تستخدم في التعدي على الاشخاص (شومة ) على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته الى محكمة جنايات طنطا لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة.
وأدعى وكيل المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ وقدره عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بجلسة الأول من سبتمبر سنة ٢٠١٩ وعملاً بالمادة 240/1 من قانون العقوبات ، والمادتين 1/1 ، ٢٥ مكرراً/1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل ، والبند رقم (7) من الجدول رقم (1) المرفق به والمعدل ، مع إعمال نص المادتین ۱۷ ، ۳۲ من قانون العقوبات بمعاقبة/ …………………………………. بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عما أسند إليه من أتهام ، وألزمته المصاريف الجنائية ، وبأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت ، وبمصاريف الدعوى المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.
وذلك بعد ان عدلت المحكمة قيد ووصف التهمة الأولى المسندة إلى المتهم من جريمة الشروع في القتل العمد بغير سبق إصرار أو ترصد إلى الضرب المفضي إلى العاهة المستديمة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.
وقرر المحكوم عليه ـ بشخصه من السجن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 18 من سبتمبر سنة ٢٠١٩.
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن بالنقض بتاريخ ٢٨ من أكتوبر سنة ٢٠١٩ موقعاً عليها من الأستاذ / …………………… المحامي.
وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضى المقرر وبعد المداولة قانوناً.
من حيث ان الطعن إستوفي الشكل المقرر قانونا.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة وأحراز أداه مما تستخدم في الاعتداء على الاشخاص شومه دون مسوغ من ضرورة شخصية او حرفية قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والاخلال بحق الدفاع ذلك أن أسبابة جاءت في عبارات عامة مجملة فلم يبين واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها ولم يورد مؤدى الادلة التي أستند اليها في الإدانة كما لم يدلل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن.
كما أن تحريات المباحث نفت توافر سبق الاصرار والترصد لدى المتهم ووجود خلافات سابقة بين المجنى عليه والمتهم كما لم يعن بالرد على الدفع بالتناقض بين التقرير الطبي المبدئي والتقرير الطبي الشرعي بشأن اصابة المجنى عليه هذا الى اضطراب صورة الواقعة في ذهن المحكمة كما اغفل الحكم بيان مكان ارتكاب الجريمة واقوال شهود النفي والاقرارات بالشهادة وأخيراً التفت ايراداً ورداً على دفاعه ودفوعه التي ابداها دفاع الطاعن رغم جوهريتها ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال شهود الإثبات، وبما ثبت من تقرير الطب الشرعي وأورد مضمونها في – بيان كاف وبني عقيدته على اطمئنانه لأدلة الثبوت التي بينها ولا يماري الطاعن في أن لها أصلها الثابت في الأوراق، فإن هذا حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضـاؤه.
ذلك أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة- كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية.
لما كان ذلك، وكانت جريمة إحداث الجروح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المسـاس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته.
وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم، بل يكفي أن يكون هذا القصد مستفاداً من وقائع الدعوى – كما أوردها الحكم – وهو ما تحقق في واقعة الدعوى، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضـوعياً لا يقبل منه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك، وكان الحكم لم يدن الطاعن بظرفى سبق الاصرار والترصد فإن ما يثيره في هذا الشـأن يكون وارداً على غير محل.
هذا فضـلاً عن أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله جملة، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يعول على ما أثبته التقرير الطبي الابتدائي بل اعتمد أسـاسـأ على ما تضمنه تقرير الطب الشرعي وكان من المقرر أن لمحكمة الموضـوع أن تفاضـل بين تقارير الخبراء وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه، إذ أن ذلك أمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه، ومن ثم فقد انحسـر عنها الالتزام بالرد استقلالاً على دليل لم تأخذ به.
وكان من المقرر أن لمحكمة الموضـوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها ما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا تجوز مجادلتها في هذا الخصـوص. لما كان ذلك، وكان لا يبين من الإطلاع على محضـر جلسـة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أبدى أيهما اعتراضاً على تقرير الطب الشرعي فإن النعي بتعييب هذا التقرير لا يعدو أن يكون دفعاً لتعييب إجراء من إجراءات التحقيق التي تمت في المرحلة السابقة على المحاكمة، لا يصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
فضلاً عن ذلك فإنه لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم في خصوص جريمة العاهة ما دامت العقوبة المقضي بها عليه تدخل في حدود عقوبة جنحة الضـرب البسيط الذي لم يتخلف عنه عاهة مستديمة .
لما كان ذلك ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة و في العقل والمنطق ولها أصـلها في الأوراق وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شـهادتهم وتعويل القضـاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى المحكمة الموضـوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
وأنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة في الدعوى وأنه.
لا يشترط أن تكون الأدلة التي يركن إليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضهاً بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصـده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى أقوال المجني عليه وشاهدي الاثبات وبصحة تصـويرهم للواقعة ووثق بروايتهم المؤيدة بتقرير الطب الشـرعي.
فإن كافة ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصـوير المحكمة للواقعة وفي تصديقها لأقوال المجنى عليه وشاهدي الإثبات وما يسوقه الطاعن بالنسبة لأقوالهم لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى وتقدير أدلتها تأدياً لمناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدانها بالدليل الصحيح، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تحديد وقت الحادث ومكانه لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي سـاقتها إلى وقوعها في المكان الذي اشار اليه الشهود فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصـوير المحكمة للواقعة من حيث مكان حدوثها أو في تصديقها لأقوال الشهود أو محاولة تجريح أدلة الإثبات التي عولت عليها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها كما أن من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصـح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، كما أنه من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها وأن في قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها ما يتضـمن بذاته الرد على شـهادة شـهود النفي وأنها لم تطمئن إلى صـحة أقوالهم فاطرحتها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشـأن التفات الحكم عن أقوال شـهود النفي والاقرارات الموثقة لا يعدو أن يكون جدلاً موضـوعياً في تقدير الدليل وفي وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعن لم يفصح عن ماهية أوجه الدفاع التي يقول إنه أثارها وأغفل الحكم التعرض لها حتى يتضـح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصـوص لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير اسـاس متعيناً رفضـه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصاريف المدنية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن بالمصاريف المدنية.
أمين السر نائب رئيس المحكمة