في المنهج الأزهري

من تراب الطريق (1226)
ـــ
الإمام الطيب
والقول الطيب (59)
نشر بجريدة المال الاثنين 22/11/2021
ــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية
فى المنهج الأزهرى
ـــ
فى هذا الحديث الذى أُلْقِى فى الكويت يناير 2016/ ربيع الآخر 1437 هـ ـ يتناول الإمام الأكبر بالبيان ـ المنهج العلمى الذى يلتزمه الأزهر الشريف ويسير عليه .
بادئ الأمر ، أنه عند إنشاء الجامع الأزهر من 1044 عامًا ميلاديًّا ، كان المراد له نشر المذهب الشريعى الذى تعتنقه الدولة الفاطمية ، إلاَّ أن الله تعالى أراد له أن يقوم على رعاية أهل السُّنة ، مع الإنفتاح على المذاهب الإسلامية الأخرى . فظل الأزهر منذ ذلك التاريخ الضارب فى القدم ، قائمًا برسالته فى تعليم الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقًا ، كما أرسله الله رحمة وسلامًا وأخوّة ، وكما بلّغ الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام .. هدى ونورًا وعدلاً ومساواةً .
ويقوم منهج الأزهر التعليمى ، فعماد غايته أن يرسخ فى عقول الطلاب ووجدانهم الوجه الحقيقى للإسلام ، بترجمة صادقة للتراث الإسلامى فى أبعـاده الثلاثة : النقلية ، والعقلية ، والذوقية .
وتمتزج هذه الأبعاد الثلاثة ، إمتزاجًا كاملاً متناغمًا فى طبيعة التكوين العلمى الأزهرى ، من خلال دراسة علوم النص ، والعقل ، والذوق .
والمراد بعلوم النص ، العلوم التى ترتبط بنص القرآن الكريم ، ونص السُّنة النبوية الصحيحة .. كالتفسير وعلوم القرآن ، والحديث وعلومه ، والفقه وأصوله ، وعلوم السيرة ، وكليات العقيدة ، وكبريات مسائلها .
ويُقصد بعلوم العقل ، فيما أبدى الإمام الطيب : « العلوم التى يستقل العقل فيها بإثبات مسائلها وقضاياها بتوسط الاستدلال النظرى ، مثل عِلم الكلام أو علم أصول الدين ، وهما بمعنى واحد ، ومثل الفلسفة الإسلامية بمختلف مدارسها ، والمنطق ، وأدب البحث والمناظرة ، وعلم الجدل والخلاف فى تطبيقاته الكلامية ( لا الفقهية ) .
« أما علوم الذوق فهى علوم التصوف الإسلامى بمدارسه وأذواقه ومشاربه المتعددة ، وهو عِلم يعوّل على واردات القلب وإشراقاته والإلقاء فى الخاطر بعد التخلى والتحلى . وعِلم الأخلاق وثيق الصلة بعِلم التصوف ، ويَقرُب أن يكون مقدمةً أو مدخلاً لهذا العِلم .
« وهذا المنهج يمثل وسطية الإسلام التى هى أخص وصف لهذا الدين القيّم ، كما يمثل الفهم المعتدل لنصوص الكتاب والسنة ، وما نشأ حولهما من إبداعات علمية وفكرية وروحية ، ثم هو يرسّخ فى ذهن الطالب الأزهرى ، منـذ نعومـة أظافـره فى قاعـات الدرس ، مبدأ الحوار وشرعية الاختلاف ، وثقافةَ : « إن قيل : قُلنا » ، و« لا يُقال كذا ؛ لأنَّا نقول كذا » ، و « لا يُعترض علينا بكذا ؛ لأنّا نُجيب بكذا » .
« وقد تمثل كل ذلك فى نظام تعليمى تربوى فى آن واحد ، يتيح للتلميذ الصغير المبتدئ أن يختار منذ الطفولة الباكرة مذهبًا من بين المذاهب الفقهية المتعددة ، يدرسه ويتعمق فيه ، ويهيئ ذهنه ـ شيئًا فشيئًا ـ لاستيعاب أكثر من مذهب وأكثر من رأى فيما يدرسه من علوم ويحصله من معارف ، وأن جميع هذه الآراء ـ راغم تبايناتها الواسعة ـ مقبولة وصحيحة ، وليس من حق أحد أن يصادر على أحد آخر رأيًا ارتآه ، بعد أن درسه دراسة تعلمية ، توفرت لها كل أدوات المعرفة والنظر والترجيح .
« هذا المنهج الحوارى المعتدل نجح فى أن يجنب طلاب الأزهر الانغلاق فى مذهب واحد بعينه ، يراه صحيحًا ويرى غيره باطلا ».
ولا ينكر الإمام الأكبرأن تاريخ المسلمين ، قد ابتُلى قديمًا وحديثًا ، بمدارس واتجاهات مذهبية متشددة متطرفة ، تقصى الرأى الآخر والمذهب المخالف ، وتكفره ، وتحكم عليه بالخروج من الملّة .
غير أن أمثال هذه المدارس والاتجاهات ، مثلت شذوذًا ، سرعان ما يلفظه وعى الأمة ، وتحصره فى أنه استثناء فى تاريخ الأمة العلمى والفكرى . وذلك رغم ما حظيت وتحظى به هذه المدارس من دعم مادى ومعنوى ، من السلطان ومن الأموال التى تهيأ لها .
وسيرة هذه المدارس أو الاتجاهات ، تؤكد أنها قد تطفو حينًا ، وتتسلط على البسطاء والأغرار ، إلاّ أنها سرعان ما ينكشف إنحرافها وتسقط وتنهار .
والأحداث المعاصرة التى نراها ، تؤكد كيف كانت هذه الاتجاهات الشاذة وبالاً على المسلمين ، ووبالاً أيضًا على الإسلام بتشويهه فى عيون الناس !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى