في التطليق للعيب.. «النقض» ليس للزوج خيار الفسخ والسبب استطاعته دفع الضرر عن نفسه بالطلاق.. وتؤكد: لقاضي الموضوع السلطة في تقدير دواعي الفرقة بين الزوجين
كتب: أشرف زهران
أوضحت محكمة النقض أثناء نظرها الطعن رقم 404 لسنة 74- أحوال شخصية – أن شرط الزواج الصحيح؛ أن تكون المرأة محلاً لعقد الزواج عليها بالنسبة لمن يريد زواجها وأن يحضر زواجهما شاهدان، موضحة أنه ليس للزوج خيار الفسخ إذا وجد في امرأته عيبًا ما؛ لأنه يقدر أن يدفع الضرر عن نفسه بالطلاق.
كما أكدت المحكمة أنه لقاضي الموضوع السلطة في تقدير دواعي الفرقة بين الزوجين وبحث دلالتها والموازنة بينها وترجيح ما يطمئن إليه منها مادام يقيم حكمه على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي خلص إليها، وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير القرائن والمستندات وأقوال الشهود واستخلاص الواقع منها ووجه الحق فيها بشرط عدم خروجها بتلك الأقوال عن مدلولها.
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم …. لسنة ….. كلى أحوال شخصية طنطا على المطعون ضدها بطلب الحكم ببطلان عقد زواجه منها المؤرخ ٢٧/ ٣/ ٢٠٠٠، وقال بيانًا لذلك إنه تزوج بها وزفت إليه، وعندما أراد معاشرتها معاشرة الأزواج وجدها رتقاء لا يوجد بها رحم أو مهبل يُمكِّنهُ من الاستمتاع بها، ولما كانت تعلم بهذا العيب الخلقي وأدخلت الغش عليه، فإن العقد يكون باطلاً، ومن ثم فقد أقام الدعوى، ندبت المحكمة خبيرًا من مصلحة الطب الشرعي، وبعد أن أودع تقريره، ضمت الدعوى رقم ….. لسنة ….. كلي أحوال شخصية طنطا التي أقامتها المطعون ضدها على الطاعن بطلب الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة وقالت بيانًا لذلك إنها زوجته ومدخولته إلا أنه قام بطردها من مسكن الزوجية وفوجئت به يعلنها بزواجه من أخرى مما أصابها بأضرار مادية وأدبية يتعذر معه دوام العشرة بينهما، ومن ثم فقد أقامت الدعوى، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين حكمت بتاريخ ….. في الدعوى الأولى برفضها، وفى الدعوى الثانية بتطليق المطعون ضدها على الطاعن طلقة بائنة، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم ….. لسنة …. ق طنطا، وبتاريخ…… قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
المحكمة
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالوجه الأول من السبب الأول، والسببين الثاني والثالث منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع وفى بيان ذلك يقول إن الحكم أيد الحكم الابتدائي لأسبابه دون أن يرد على المستندات المقدمة منه وهى تقرير الطب الشرعي الذي ثبت منه أن المطعون ضدها تعانى من عيب خلقي بالجهاز التناسلي لا يمكن البرء منه ويحول دون معاشرتها جنسيًا، فتوى الأزهر التي أجازت رد الزوجة لهذا العيب، كما أغفل الحكم الرد على أسباب الاستئناف، والتفت عن طلبه بإحالة الدعوى للتحقيق من جديد ليثبت عدم إصابة المطعون ضدها بأية أضرار نتيجة زواجه من أخرى، فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن المقرر في فقه الأحناف أنه لكي يكون الزواج صحيحًا له وجود يحترمه المشرع ويرتب عليه آثاره الشرعية أن تكون المرأة محلاً لعقد الزواج عليها بالنسبة لمن يريد زواجها، وأن يحضر زواجهما شاهدان، وأن المقرر شرعًا أن الزوج ليس له خيار الفسخ إذا وجد في امرأته عيبًا ما لأنه يقدر أن يدفع الضرر عن نفسه بالطلاق. وأن لقاضى الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها وموازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه وهو غير ملزم بالرد على كل ما يقدمه الخصوم من مستندات وحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق وتكفى لحمله، وأنه لا تثريب على محكمة الاستئناف إن هي أيدت الحكم الابتدائي لأسبابه دون إضافة متى رأت في هذه الأسباب ما يغنى عن إيراد جديد، ولأن في تأييدها له محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد فيما وجه إليه من مطاعن ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنته تلك الأسباب.
ومن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه ولئن كان طلب التحقيق بشهادة الشهود جائز تقديمه في أية حالة تكون عليها الدعوى باعتباره من وسائل الدفاع التي يجوز إبداؤها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف إلا أنه متى كانت محكمة أول درجة قد أمرت بإجرائه وأحضر الخصوم شهودهم وتم سماع أقوالهم فإنه لا على محكمة الاستئناف إذا لم تستجب إلى طلب إحالة الدعوى مرة أخرى للتحقيق طالما وجدت في أوراقها ما يكفي لتكوين عقيدتها. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي – المؤيد بالحكم المطعون فيه – قد انتهى إلى رفض طلب الطاعن ببطلان عقد زواجه من المطعون ضدها تأسيسًا على أن الراجح في فقه أبى حنيفة عدم ثبوت خيار العيب في الزواج للزوج حتى لو تبين له بعد العقد أن بالمرأة عيوبًا جسيمة أيًا كانت وليس له الخيار في فسخ العقد بحسبانه قادرًا على دفع الضرر عن نفسه بالطلاق، وكان ما أثاره الطاعن من مطاعن لم تخرج في مجموعها عما أثاره أمام محكمة الدرجة الأولى، ومن ثم فلا جناح على محكمة الاستئناف إن لم ترد بأسباب خاصة على تلك المطاعن طالما رأت أنها لم تخرج في جوهرها عما أثاره الطاعن أمام تلك المحكمة، ولا عليها إن لم تستجب لطلبه بإحالة الدعوى للتحقيق مرة ثانية طالما وجدت في أوراقها ما يكفى لتكوين عقيدتها، ولا عليها أن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم وترد استقلالاً على كل قول أو حجة أو دليل أو طلب أثاروه مادام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات ومن ثم يكون النعي في هذا الشأن على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقول إن الحكم قضى برفض دفعه بعدم دستورية نص المادة التاسعة من القانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ تأسيسًا على أن للزواج أن يدفع الضرر عن نفسه بالطلاق رغم مخالفة ذلك لنص المادة ٤٠ من الدستور التي جعلت الأفراد أمام القانون في الحقوق والواجبات سواء، كما أن فقهاء الشريعة الإسلامية جعلوا للزوج الحق في طلب التطليق مثل الزوجة تمامًا إلا مذهب أبى حنيفة، لأن الزوج لو قام بالتطليق لاستحقت الزوجة كافة حقوقها الشرعية، ولما كان العيب من قبلها، وقضى الحكم برفض الدفع فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد , ذلك أن مفاد نص المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الدفع بعدم الدستورية غير متعلق بالنظام العام، وأنه إذا دفع به أحد الخصوم فإن تقدير جديته يخضع لسلطة محكمة الموضوع فإن هي ارتأت جديته وضرورة حسم النزاع بشأن الدستورية قبل الحكم في الدعوى أجلت نظرها وحددت أجلاً لصاحب الدفع ليرفع خلاله الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا، وإن هي قدرت عدم جديته التفتت عنه ومضت في نظر الدعوى، وإذ التفتت محكمة الاستئناف عما أثاره الطاعن بشأن الدفع بعدم دستورية المادة التاسعة من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠. ومضت في نظر الدعوى فإنها تكون قد ارتأت عدم جديته، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بوجه النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير جدية الدفع مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقول إن الحكم عوَّل في قضائه بالتطليق على سند من أقوال شاهدي المطعون ضدها من أن الطاعن تزوج عليها بأخرى مما أصابها بأضرار مادية وأدبية يستحيل معها دوام العشرة بينهما، رغم مخالفة شهادتهما لما ثبت من تقرير الطب الشرعي من وجود عيب بها يمنع معاشرتها جنسيًا، ولما قرره شاهديه من موافقتها له على الزواج بأخرى فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن النص في المادة ١١ مكررًا من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ المضافة بالقانون رقم ١٠٠ لسنة ١٩٨٥ على أن ” ….. ويجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة …… ” يدل على أن الشارع وإن أجاز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق لذلك، إلا أنه اشترط للحكم بالتطليق وفق نص هذه المادة أن يثبت تضرر الزوجة من الزواج عليها بأخرى بما يتعذر عليه دوام العشرة بينهما، وأن لقاضى الموضوع السلطة في تقدير دواعي الفرقة بين الزوجين وبحث دلالتها والموازنة بينها وترجيح ما يطمئن إليه منها مادام يقيم حكمه على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي خلص إليها.
ومن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير القرائن والمستندات وأقوال الشهود واستخلاص الواقع منها ووجه الحق فيها ولا معقب عليها في ذلك طالما لم تخرج بتلك الأقوال عن مدلولها ٠ لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتطليق المطعون ضدها على الطاعن طلقة بائنة على ما استخلصه من أقوال شاهديها من أنه تزوج عليها بأخرى على ذات أعيان جهازها وبذات مسكن الزوجية الخاص بها، وأن الزوجة الثانية أقل منها في المستوى الاجتماعي، فضلاً عن أن الطاعن لم يثبت أنها رضيت بالزواج عليها، مما أصابها بأضرار معنوية يتعذر معها دوام العشرة بينهما، وهو من الحكم استخلاص موضوعي سائغ له أصله الثابت بالأوراق ويكفى لحمل قضائه، وفيه الرد الضمني المسقط لما أثاره الطاعن من حجج مخالفة، ومن ثم فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون النعي على غير أساس.
الحكم
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.