فلسفة القانون

كتب: حسام كمال عبد الظاهر

 

لا شك أن المجتمع الذي تخلو ربوعه من ظلال القانون سيكون بمثابة غابة يأكل

القوي فيها الضعيف فتتعثر مسيرة الحياة، و يطغى الاضطراب و عدم التوازن فيها. و على العكس من ذلك يكون الأمر في المجتمع الذي يعيش تحت ظلال القانون حيث ترى التوازن بادياً فيه، إذ ان تشبع فكر أبناء ذلك المجتمع بمبادئ القانون أضفى عليه صفة الاستقرار تلك، فالإيمان بضرورة وجود القانون و حتمية الامتثال لقواعده دليل على رقي فكر المجتمع.

القانون أمر لابد منه، و لا يتسنى لمجتمـــع من المجتمعات مهما كانـــت درجة ثقافته ان يتملص نهائيا من وضع قواعد يمكنه من خلالها تسيير أموره.

بناءاً على ما تقدم من حتمية وجود القانون في المجتمعات نعرف ان هناك أسباباً لنشأة القانون، و لنــــا أن نتساءل مـــا هي تلك الأسباب أو بعبارة أوضح لماذا بات وجود القانون ضرورة حتمية في المجتمع البشري؟

ضرورة وجود القانون

إن ضرورة وجود القانون هو أمر لا يختلف فيه اثنان من أبناء الجنس البشري، إذ ان وجود القانون أمر يتناسب مع سلوكيات البشر في إدارة حياتهم. بل وجود القانون يتجاوز حدود المجتمعات البشرية ليصل إلى عالم الحيوان، فها هي ممالك الحيوانات بكافة أنواعها تراها قد جبلت و فطرت على الحياة المقننة في حين لم تمتلك تلك الجوهرة الثمينة التي يمكنها من خلالها السمو و الارتقاء ألا و هي جوهرة العقل؛ فكيف بذلك الكائن الذي قد ألقيت بين يديه هذه الجوهرة فهو لم يكن مفطوراً على حب الحياة المنظمة المقننة فحسب، بل كان بمقتضى تملكه للعقل قادرا على سن القوانين التي تنظم حياته.

فالقانون إذن هو مما تسالمت على ضرورته الكائنات الحية غير الإنسان فضلاً عنه.

وظيفة القانون

إن معرفة الوظيفة التي يتكفل بأدائها القانون أمر على غاية من الأهمية، إذ يترتب عليه معرفة الأسباب التي من اجلها نشأ القانون.

ان هذه المسألة – معرفة وظيفة القانون – تختلف في الاطروحات الوضعية عنها في الإلهية.

ففي الاطروحات الوضعية نجد ان وظيفة القانون الأسحسام كمال عبد الظاهراسية و غايته هي تنظيم سلوك الإنسان مع غيره من أبناء نوعه. فالقانون حسب تعريف تلك الاطروحات له هو:

مجموعة القواعد العامة التي تنظم سلوك الإنسان في علاقته بغيره. و يقصد بهذا الغير – طبعا – غيره من بني البشر حسب.

أما في الأطروحة الإلهية فالأمر مختلف، فوظيفة القانون أو التشريع هي أوسع منها في الاطروحات البشرية فالقانون هنا هو مجموعة الأحكام – الفرعية – التي تنظم سلوك الإنسان في علاقته مع ربه و مع نفسه و مع غيره.

حاجة الإنسان إلى القانون

تشكل معرفة حاجة الإنسان إلى القانون – بالإضافة إلى وظيفة القانون التي تقدم الحديث عنها في الفترة السابقة – ركيزة مهمة في التوصل إلى معرفة الأسباب التي من أجلها نشأ القانون و هو أحد جزئي الموضوع الذي من أجله عقد المقال.

لا تفترق هذه المسألة عن سابقتها في كون الاطروحات الوضعية تختلف في نظرتها إليها عن الاطروحات الإلهية.

فالاطروحات الوضعية تعزي احتياج الإنسان إلى القانون إلى كونه مدني بالطبع، إذ ، كون الإنسان مدني بالطبع –أي ميله إلى الحياة الاجتماعية و نفوره من الحياة الفردية – يفرض عليه إنشاء علاقات مع الآخرين، و مع تشعب هذه العلاقات و اصطدام مصالح البعض بمصالح البعض الآخر، تصبح الحاجة ملحة إلى وسيلة يمكن من خلالها تنظيم هذه العلاقات.

ان الوضعيين اعتبروا حاجة الإنسان للقانون منطلقة من ضرورة تنظيم سلوك الفرد في علاقته مع غيره كون الإنسان يندفع في جميع تحركاته بدافع مصالحه الشخصية فيلزم من هذا انتفاء الحاجة إلى القانون، و ذلك في حالة وصول المجتمع إلى المرحلة المثالية التي يفضل الفرد فيها مصلحة المجتمع على مصالحه الشخصية.

و هذا ما صرح به بعض الفلاسفة في قولهم: (انه لو كان المجتمع مثالياً مكوناً من الفلاسفة لم يحتج إلى القانون) و لكن رأيهم هذا لم يكن تاماً، فانه لو فرضنا بان كل اولئك الفلاسفة كانوا في أعلى درجات العدالة و النزاهة، أفليس اختلاف الآراء يوجب بينهم التخاصم و التدافع؟ أو ليس ذلك بحاجة إلى قانون يقرره من هو فوقهم – إذا اعتقدوا به – أو يقرره أكثريتهم، إذا كانوا يرون ذلك، أو حسب القرعة أو غير ذلك..؟

إذن فالقانون ضروري في حياة المجتمع مهما كانت ثقافة ذلك المجتمع و سواء كان بدائياً ام متوسطاً ام مثالياً في ثقافته و أخلاقه، فهو لا غنى له في كل الأحوال عن القانون.

هذه رؤية الوضعيين في حاجة الإنسان إلى القانون، أما الالهيون فهم ينظرون إلى القضية من زاوية أخرى.

فهم يرون بان حاجة الإنسان إلى القانون منبعثة من حوائج فردية و اجتماعية في مختلف الجوانب و ليس كونه مدنياً بطبيعته – كما تقدم – و ذلك بدليل انه لو عاش في غابة أو كهف بمفرده لاحتاج إلى قانون ينظم سلوكه مع نفسه و مع خالقه و مع الكون بصورة عامة.

منشأة ضرورة وجود القانون

بعد معرفة النقطتين السابقتين أعني بهما وظيفة القانون، و حاجة الإنسان إليه يمكننا التعرف على منشأ وجود القانون و ضرورته. و التي تختلف في القانون الوضعي عنها في القانون الإلهي و ذلك تبعاً لاختلاف وظيفة كل من القانونين.

فمنشأ حدوث القانون الوضعي هو ضرورة حل الاختلافات التي تحصل نتيجة التعارض بين مصالح الناس، و هذا هو الأمر المهم في المقام فحسب، إذ لا علاقة أخرى تستحق التنظيم غير هذه العلاقة.

إذن فمنشأ حدوث القانون هو احتياجات الإنسان لذلك، و هذا ما يتفق القانون الإلهي فيه مع القانون الوضعي، و لا خلاف بينهما من هذه الناحية (فلا فرق بين الأديان السابقة، و دين الإسلام، و بين القوانين المستندة إلى مختلف الفلسفات في انهم يريدون خير الإنسان – سواء كان الخير الواقعي أو المزعوم – و البحث و التنقيب هو الوسيلة الوحيدة لتمييز الصالح من غير الصالح).

فالخلاف هنا بين كل من القانون الإلهي و الوضعي ليس في الكبرى و إنما في الصغرى(1) و التطبيق.

فالعامل المادي من العلاقات الإنسانية فقط هو منشأ حدوث القانون الوضعي، أما القانون الإلهي فمنشأ حدوثه هو العامل المادي و الروحي (المعنوي) من العلاقات، و عليه فالنسبة بين كل منهما من هذا الجانب.


 

 

زر الذهاب إلى الأعلى