فساد في الاستدلال ومخالفة للثابت بالأوراق.. من أحكام “النقض” في الامتداد القانوني لعقد الإيجار

كتب: علي عبدالجواد

نصت المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977، على أنه لاينتهى عقد ايجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا مقيمين معه حتى الوفاه أو الترك وفيما عدا هؤلاء من اقارب المستأجر نسبا أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، ويشترط لاستمرار عقد الإيجار اقامتهم في المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل.

كما نصت المادة على أنه إذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر أو تركه العين ويستمر لصالح ورثته وشركاؤه في استعمال العين بحسب الأحوال، وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم حق في الاستمرار في شغل العين ويلزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد.

وجرى قضاء محكمة النقض على أنه يكفي لكي يتمتع أي من هؤلاء ـ زوجة أو أولاد أو أي من والدي المتوفى ـ بميزة الامتداد القانوني لعقد الإيجار أن تثبت له إقامة مستقرة مع المستأجر بالعين المؤجرة أيا كانت مدتها وأيا كانت بدايتها بشرط أن تستمر حتى تاريخ الوفاة أو الترك ولئن كان تقدير الإقامة المستقرة من أمور الواقع وتدخل في سلطة محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط أن يكون استخلاصها سائغًا وألا تخرج بأقوال الشهود عن حدودها أو إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها.

أكدت محكمة النقض بحكمها في الطعن في حكم بفسخ عقد إيجار ـ رقم ١٤٠٥٣ لسنة ٨٨ قضائية دوائر الايجارات ـ جلسة 19 يونيه 2019، أن المقرر في قضاء محكمة النقض أن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت ماديًا ببعض المستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالف لما هو ثابت بأوراق الدعوى من وقائع لم تكن محل مناضلة بين الخصوم .

الوقائع

المطعون ضدها الأولى أقامت على الطاعنة والمطعون ضدهما الثاني والثالثة الدعوى رقم ١٧٤٥ لسنة ٢٠١٦ مساكن الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ ١ / ٩ / ١٩٧٠ والتسليم ، وقالت بيانًا لها إن مورثهم استأجر منها الشقة عين التداعي بموجب العقد المذكور، وإذ توفي دون أن يكون مقيمًا معه أحد ممن يمتد إليه العقد، فأقامت الدعوى.

وجهت الطاعنة طلباً عارضا بإلزام المطعون ضدها الأولى بتحرير عقد إيجار لها امتدادًا لعقد مورثها المستأجر الأصلي. حكمت المحكمة برفض الدعوى الأصلية والطلب العارض.

استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم ٦٣٣ لسنة ٧٤ ق الإسكندرية، كما استأنفته المطعون ضدها الأولى بالاستئناف رقم ٨١٩ لسنة ٧٤ ق أمام ذات المحكمة التي ضمتهما للارتباط وحكمت بتاريخ ٢٣ / ٥ / ٢٠١٨ بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الطلب العارض، وفي الدعوى الأصلية بالطلبات.

طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرِضَ الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .

الطاعنة تمسكت بامتداد عقد الإيجار لها لإقامتها المستقرة مع والدها المستأجر الأصلي وقدمت تدليلًا على ذلك

قالت محكمة النقض في حكمها: “وحيث إن الطعن أقيم على سببين ، تنعى بهما الطاعنة على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بامتداد عقد الإيجار لها لإقامتها المستقرة مع والدها المستأجر الأصلي بعين التداعي حتى وفاته، وقدمت تدليلًا على ذلك بطاقة تحقيق شخصيتها وجواز السفر الخاص بها ثابت بهما أن عين التداعي محل إقامتها”.

أسانيد محكمة الموضوع في رفض الدعوى وفسخ عقد الإيجار

وتابعت المحكمة: “اطرح الحكم المطعون فيه التدليلين بمقولة إنهما من صنعها وأقام قضاءه برفض دعواها وفسخ عقد الإيجار استنادًا إلى ما ثبت من المحضر الإداري رقم ٥٧٢٧ لسنة ٢٠١٦ الرمل من وفاة المستأجر الأصلي دون أن يكون مقيمًا معه أحد ، وأن طلب استخراج إعلام وراثته مقدم من الطاعنة ثابت به إقرارها بأن محل إقامتها مكان آخر خلاف عين التداعي، وأن إعلانات صحيفة الدعوى للطاعنة تمت بمكان آخر، ولم تطعن عليها الطاعنة بما ينفي إقامتها بعين التداعي مع مورثها حتى وفاته، رغم أن المحضر الإداري سالف الذكر من صنع المطعون ضدها الأولى ولم تؤخذ به أقوال الطاعنة فلا يُعد حجة عليها، كما أن طلب استخراج إعلام الوراثة مقدم من شقيقتها المطعون ضدها الثالثة والعنوان الثابت به يخصها ولا يخص الطاعنة، فضلاً عن أن الإعلان بصحيفة الدعوى تم على منزل شقيقها المطعون ضده الثاني واستلمته زوجته ولا يُعد دليلاً على نفي إقامتها بعين التداعي مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه” .

الإقامة التي ترتب امتداد عقد إيجار المسكن

قالت محكمة النقض ” إن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة ٢٩ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ أن الإقامة التي ترتب امتداد عقد إيجار المسكن إلى من عددهم ذلك النص في حالة وفاة المستأجر أو تركه العين هي التي تنصرف فيها نية المقيم إلى أن يجعل من هذا المسكن مراحه ومغداه وأن يقيم به إقامة مستقرة ، وأنه ولئن كانت واقعة الإقامة الفعلية من مسائل الواقع ولمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير الدليل عليها ثبوتًا أو نفيًا إلا أن ذلك مشروط بأن يكون لهذا التقدير سنده من أسباب سائغة ومقبولة تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها ولا تخالف الثابت بالأوراق”.

أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد في الاستدلال

وأشارت المحكمة في حكمها إلى أن أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم العناصر الواقعية التي تثبت لديها أو وقوع تناقض بين هذه العناصر كما في حالة عدم اللزوم المنطقي للنتيجة التي انتهت إليها المحكمة بناءً على تلك العناصر التي تثبت لديها، وأن مخالفة الثابت بالأوراق التي تبطل الحكم هي تحريف محكمة الموضوع للثابت ماديًا ببعض المستندات أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالف لما هو ثابت بأوراق الدعوى من وقائع لم تكن محل مناضلة بين الخصوم، كما أن من المقرر أن إعلان الشخص بمكان معين لا يعد بذاته دليلًا على إقامته بهذا المكان .

نقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف

واصدرت النقض حكمها قائلة: “لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق تمسك الطاعنة بإقامتها المستقرة بعين التداعي مع والدها المستأجر الأصلي حتى وفاته ودللت على ذلك بمستنداتها المبينة بوجه النعي ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بنفي هذه الإقامة استناداً إلى المحضر الإداري رقم ٥٧٢٧ لسنة ٢٠١٦ الرمل حال أنه تحرر بمعرفة المطعون ضدها الأولى لإثبات وفاة المستأجر – مورث الطاعنة – ولا يُعد حجة على الأخيرة لعدم أخذ أقوالها به ولم تتم فيه معاينة أو سؤال شهود من الجيران ، كما استدل الحكم من طلب استخراج إعلام وراثة المستأجر أنه مقدم من الطاعنة ويفيد إقامتها بمكان آخر خلاف عين التداعي رغم أن الثابت من هذا الطلب أنه مقدم من المطعون ضدها الثالثة ويحوي محل إقامتها وليس خاصاً بالطاعنة ، فضلاً عن أن إعلان الطاعنة بصحيفة الدعوى فى مسكن آخر لا يدل بذاته على إقامتها بهذا المكان ، فيكون ما ساقه الحكم لا يواجه دفاع الطاعنة ومستنداتها ولا يصلح دليلاً على انتفاء إقامتها بعين التداعي مع والدها المستأجر الأصلي حتى وفاته ، بما يعيبه بالفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب ويوجب نقضه ،لـــذلــــــــــــــك نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية ، وألزمت المطعون ضدها الأولى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى