عناصر الإخلال بحق الدفاع

بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد المحامى

الدعوى لغة هي الإدعاء وفي الاصطلاح القانوني للمرافعات إدعاء معروض أمام القضاء وإذا كانت الدعوى (من وجهة نظر القانون الموضوعي) هي وسيلة صاحب الحق لحماية حقه فإنها من وجهة نظر قانون المرافعات مجرد إدعاء يبحثه ويحققه القاضي ليؤكد الحق أو ينفيه وهذا يعني أن قانون المرافعات يسمح بمباشرة الدعوى لشخص قد يكون صاحب حق وقد لا يكون ولا يمكن التحقق من حقه إلا بعد مباشرة الدعوى وتحقيقها والحكم فيها وهذا يؤكد أن الدعوى مجرد إدعاء أمام القضاء قد يكون على أساس أو على غير أساس.

د/ وجدي راغب، د/سيد أحمد محمود- قانون المرافعات الكويتي – مؤسسة دار الكتب للطباعة- الطبعة الأولي- سنة (1994)- الصفحة (46).

ولبحث وتحقيق الدعوى يظهر حق الدفاع فهو الركيزة الأساسية لتحقيق الدعوى وبحثها وكما قال الأستاذ/ رجائي عطية (رحمه الله) أن المحاماة هي وسيلة إظهار حق الدفاع فهي رسالة ينهض بها المحامون فرسان الحق والكلمة، ويخوضون فيها الغمار، ويسبحون ضد التيار يحملون راية العدل في صدق وأمانة وذمّة ووقار يناصرون الحق، ويدرءون الظلم ويناضل المحامي في القيام بأمانته مناضلة قد تتعرض فيها مصالحه وحريته للخطر وربما حياته نفسها وسيبقى رائعًا وعظيمًا ومنشودًا، أن يكون العدل مُهجة وضمير وغاية ولسان وقلّم القاضي فيما به يحكم، بيد أنه ليس يكفي المحامي أن يكون العدل مهجته وضميره وغايته، وإنما عليه أن يكون مفطورًا على النضال من أجله وأن يسترخص كل عنّاء ومجاهدة وخطر في سبيل الوصول إليه أما القاضي حسبه أن يقتنع بالعدل فيحكم به، فالكلمة به صادرة من لسانه وقلبه، ثم هو محصّن بالاستقلال وبالحصّانة القضائية وبالمنصة العالية التي إليها يجلس، أما المحامي فيخوض غمارًا عليه أن يقف فيه شامخًا منتصبًا رغم أنه بلا حماية ولا حصانة، يكافح من أجل الحق الذي ينشده ويستصغر في سبيله مصالحه ويستهين بما قد يصيبه في شخصه وحريته، وربما في حياته نفسها المحاماة رسالة، تستمد هذا المعنى الجليل من غايتها ونهجها.. فالمحامي يكرس موهبته وعلمه ومعارفه وقدراته لحماية (الغير) والدفاع عنه فإنه يؤدي رسالته في ظروف غير مواتية، ما بين خصم يناوئه، ورول مزحوم قد يدفع إلى العجلة أو ضيق الصدر، ومتلقي نادرًا ما يحب سماعه وغالبًا ما يضيق به وقد يصادر عليه ويرى أنه يستغني بعلمه عن الاستماع إليه لذلك كانت المحاماة رسالة، الكلمة والحجة أداتها، والفروسية خلقها وسجيتها فكان حق الدفاع أساساً لقياس إلمام القاضي بالقضية.

فالإخلال بحق الدفاع هو إطراح الحكم للدفاع والدفوع التي أُبديت أمامه والدفاع الجوهري يتمثل في حق الخصم فى طلب إثباته أو نفيه بإحدى وسائل الإثبات الجائزة قانوناً إذا كان الوسيلة الوحيدة في الإثبات وإغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم مؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها يؤدي لبطلان الحكم.

وقد قضت محكمة التمييز في هذا النهج بأن (عدم رد الحكم على دفاع جوهري قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى. يعيبه بالقصور في التسبيب.)

الطعن رقم (84/1996 عمالي) –  جلسة (17/2/1997) –  مج القسم الرابع المجلد الرابع صفحة (780).

كما أكدت محكمة النقض المصرية ذات الأمر فقضت بأن (إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً  ومؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها  إذ يعتبر ذلك الإغفال قصوراً في الأسباب الواقعية  يقتضى بطلانه  وبما مؤداه أنه إذا طُرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر في أثره في الدعوى  فإن كان منتجاً فعليها أن تقدر مدى جديته  حتى إذا ما رأته متسماً بالجدية مضت إلى فحصه لتقف على أثره في قضائها فإن هى لم تفعل كان حكمها قاصراً ).

الطعن رقم (12046 لسنة 83 ق) – جلسة (12/5/2014) – الدوائر المدنية.

نصل مما سبق لحقيقة مؤداها أن عناصر الإخلال بحق الدفاع هي:

  • عدم بحث دفاع جوهري يؤثر في حقيقة الدعوى حال بحثه.
  • امتناع المحكمة عن تمكيّن الخصم من إثبات أو نفي دفاع جوهري بوسيلة إثبات هي الوحيدة لتمكيّنه من ذلك وهو فساد في الاستدلال كذلك.
  • عدم إلمام المحكمة بجميع عناصر الدعوى الواقعية.
  • عدم رد المحكمة على دفاع أو دفع جوهري يبدي أمامها بالدعوى.
  • مخالفة مستند جوهري دون الرد على مضمونة رغم طرحه أمام المحكمة.

يظهر مما سبق أن القانون اهتم بحق الدفاع فأجاز للمدعى الدفاع عن دعواه كما اعترف للمدعى عليه بحق الدفاع للرد على الدعوى، وحقوق الدفاع للخصوم ضمانة رئيسية لحسن أداء العمل القضائي فليس هناك من هو أقدر من الخصوم على تزويد القاضي بوسائل اكتشاف الحقيقة في الدعوى هذه الحقيقة قطعة مجتزأة من تاريخ حياتهم وتمثل مصالحهم حافزاً قوياً لهم على كشف الجوانب الواقعية والقانونية للدعوى، ومن هذه الحقوق حق الخصم في تقديم الدفوع عملاً بالمادتان (69، 77) من قانون المرافعات الكويتي وحقه في الإثبات عملاً بالمواد ( 42، 58، 61، 71) من قانون الإثبات وفي المرافعة الشفوية عملاً بأحكام قانون المرافعات والإجراءات الجزائية والمرافعة الكتابية وتقديم المذكرات وكذلك ما يتيحه له القانون من حقوق مساعدة مثل حقه في أجل للاستعداد سواء حدد له ميعادا حتمياً مثل ميعاد الحضور أو تركه للقاضي مثل التأجيل للإطلاع على المستندات المقدمة والرد عليها.

ذات المرجع السابق – صفحة (112)

يظهر جلياً أن حق الدفاع من الأعمدة الرئيسية للقضاء وعلى ذلك كان الاهتمام به واسعاً سواء من الناحية التشريعية أو التطبيقات القضائية بل كان له دور هام في تقسيم درجات القضاء للوقوف على مدى احترام حق الدفاع من عدمه والتأكد من صحة وسلامة تطبيق القانون على نحو سليم فكانت محاكم أول درجة ثم الاستئناف كطرق طعن عادية على الأحكام ثم جاءت محكمة النقض (في مصر) والتمييز (في الكويت) لمراقبة صحة وسلامة تطبيق القانون.

وقامت الحاجة التشريعية إلى تدرج القضاء على درجتين من أجل هذا الهدف فيجب أن يقيم القاضي حكمه على أسس صحيحة وللتأكد من صحة تلك الأسس فلابد من محكمة تراقب وترصد حتى نتيقن من صحة تلك الأسس ومع الوقت ظهرت الحاجة إلى محكمة علياً توحّد المبادئ وتراقب صحة تطبيق القانون وعلى ذلك ظهرت محكمة النقض (كما في مصر) ومحكمة التمييز (كما في الكويت) حتى تراقب صحة تطبيق القانون وكان من أسباب الطعن بالنقض أو التمييز الإخلال بحق الدفاع، وفي ذلك ذكر المستشار/عبدالعزيز باشا فهمي (أول رئيس لمحكمة النقض المصرية) أن هذه المحكمة التي أنشئت لتلافي الأخطاء القانونية في الأحكام النهائية كان وجودها أمراً ضرورياً جدا ، فإنه لا يوجد أي قاض يستطيع أن يدعي لنفسه العصّمة من الخطأ  ولقد حاول الشارع المصري أن يتلافى بعض ما قد كان يقّع من الخطأ في المسائل القانونية فأنشأ نظام الدوائر المجتمعة ولكنه  (كما تعلمون حضراتكم) كان نظاماً قاصراً جداً لا يتعرض للأحكام النهائية بشيء ولا يمسها أدني مساس بل كان مقصوراً علي ناحية خاصة من نواحي التقويم والإرشاد في المبادئ القانونية دون أن يصلح من الأحكام ذاتها فأصبح غير واف بالغرض وأصبح من الضرورات القصوى إيجاد نظام النقض والإبرام الذي هو وحده الكفيل بتحري أوجه الصواب فيما يتعلق بالأحكام النهائية وإصلاح الخطأ فيها لأنه يؤثر في تلك الأحكام ويبيّن ما بها من الأخطاء القانونية ويدعو إلي إعادة الإجراءات في القضايا الصادرة فيها.

كلمة عبدالعزيز باشا فهمي أول رئيس لمحكمة النقض المصرية في حفل افتتاحها سنة 1931.

خلاصة القول:

حق الدفاع (أحد الدعائم الرئيسية للنظام القضائي ويقاس به مدى احترام الحقوق ففي حال تمكين الخصوم من إبداء دفاعهم ودفوعهم وحمايتها نكون أمام نظام قضائي متكامل وحال انتفاء ذلك نكون أمام نظام قضائي مشوه لا يقيم الحق والعدل بين الناس) .

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى