عثمان على الشريف نقيب محامي السودان: النقابة هي الضمير النابض للأمة
– الوضع الانتقالي في السودان يحتاج إلى دستور مؤقت
– التجربة المصرية رائدة ورشيدة وأفضت إلى استقرار نعتز به
– لدينا فراغ حكومي ونسعى لسده بحكم دستوري للفترة الانتقالية
– استقلال السلطة القضائية والنيابة العامة والمحاماة أبرز ملامح وثيقتنا الدستورية
– ما حدث في السودان ثورة شعبية ونريد أن نجعلها مشروعية دستورية
– لا مجال للمعارضة الآن وإلا فلن يكون هناك مجال للتأسيس للحكم الديمقراطي
– الدولة المدنية هدف السودان جيشا وشعبا
– المجلس السيادي خطوة مهمة نحو المدنية
– لا بد من إعداد قانون انتخابات حر ونزيه
– الدور المصري في دعم الحراك السوداني فاعل وقوي
– نحن بحاجة إلى عقد اتفاقيات سلام مع حركات مسلحة
حوار : علي عبدالجواد
رفعت الثورة السودانية المستمرة عدة شعارات تطالب ببسط الحرية، وتحقيق السلام والعدالة، وتبنت العديد من الشعارات التي تنادي باحترام حقوق وكرامة الإنسان السوداني. فما يحدث الآن في السودان ثورة شعبية حقيقية، تداعى إليها جميع أفراد الشعب السوداني، وانتصرت، وأهم مقومات الانتصار هو انحياز القوات المسلحة لهذه الثورة، وجاء الانحياز من رأس القوات المسلحة جميعها دون انقلاب منها، وكانت الخشية أن يتم انقلاب في ثنايا هذه الثورة، وبالتالي يفسد المظهر الحضاري الثوري.. هكذا، يصف عثمان على الشريف، نقيب محامي السودان، الوضع في السودان الشقيق.
حظينا بحوار مع الشريف على هامش زيارته لمصر، وتبنيه مبادرة تحمل شعار “وحدة واستقرار السودان”، والتي تؤكد أن الوضع الانتقالي في بلاده لمدة ثلاث سنوات، قانونًا ودستورًا، يحتاج إلى دستور مؤقت، وليس مجرد إعلان أو مرسوم دستوري بهياكل الحكم الثلاثة وصلاحياتها.
يؤكد نقيب محامي السودان أن النقابة هي الضمير النابض للأمة السودانية، وكان لها السبق وقت اندلاع الثورة في التأييد والاصطفاف خلفها، وأصدرت ١١ بيانا كلها تواصل مع الثورة، والمجلس العسكري، وجميع فئات الشعب السوداني.. فإلى نص الحوار.
– إلام تتجه الدولة السودانية في مرحلتها الانتقالية؟
حكومتنا الآن في السودان من قوى الحرية والتغيير، وجميع القوى الوطنية، يؤمنون بالدولة المدنية السودانية، وهي في الأساس دولة المواطنة، وتم الاتفاق على أن تكون الفترة الانتقالية ثلاث سنوات، ونريد أن تكون هذه الفترة محكومة بدستور مؤقت بدلا من الإعلان الدستوري.
– ما الذي تم في ترتيبات الفترة الانتقالية؟
تم اتفاق نحن ندعمه تماما بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، من بين بنوده أن تكون الفترة الانتقالية ثلاث سنوات، تكون فيها ثلاثة مستويات للحكم، أولها المجلس السيادي بدلا من المجلس العسكري، وهذه خطوة مهمة نحو المدنية، ثانيا الحكومة التنفيذية، وثالثا المجلس التشريعي، الذي أرجع تشكيله إلى فترة ثلاث سنوات بعد قيام السلطة التشريعية.
– ماهي مهام المجلس السيادي؟
المجلس السيادي يتداول السلطة بينه وبين المدنيين، إذ يحكم الفترة الأولى من السنوات الثلاث عسكري الآن، هو رئيس المجلس العسكري، ثم بعد ذلك مدني من بين المدنيين الستة في المجلس السيادي المكون من عشرة أفراد.
– ما الذي تراه يجب أن يتم في هذه الفترة؟
في هذه الفترة، لا بد من إعداد قانون انتخابات حر ونزيه، ولا بد من قيام لجنة للدستور على غرار ما حدث في مصر في لجنة الخمسين، ثم بعد ذلك تجرى انتخابات لانتخاب جمعية تأسيسية لإجازة الدستور الذي تعده لجنة قومية. وفي هذا الدستور في فترة ما بعد الانتخابات، سوف تحدد فترة الحكم لتكون أربع سنوات أو خمسا، أو غير ذلك.
ـ بم تصف الدور المصري الرسمي بشأن تطور الوضع في السودان؟
الدور المصري في دعم الحراك السوداني لا يخفى على أحد، فهو دور فاعل وقوي، وقد كان له أثر كبير جدا في نجاح الثورة، وما زلنا نعول عليه في إنجاح الفترة الانتقالية لوضع أمن مستقر ديمقرطي للسودان.
ـ ماذا عن دور نقابة محامي السودان في هذه المرحلة؟
تسعى نقابة محامي السودان جاهدة في تلك الفترة إلى أن يكون الوضع الانتقالي مقننا ودستوريا. والحقيقة أننا في هذه الفترة الانتقالية أهم ما نحتاج إليه هو دراسات عميقة في الدستور والقانون، وقد توافقنا ونقابتا محامي مصر، بقيادة النقيب سامح عاشور، والأردن، بقيادة النقيب مازن أرشيدات، على مبادرة نعتقد أنها مبادرة مهمة وفاعلة، هي “وحدة واستقرار السودان”، سنتجه بعدها إلى اتحاد المحامين العرب، والجامعة العربية.
ـ ما الهدف من تلك المبادرة؟
تهدف المبادرة في الأساس إلى أن يكون الوضع الانتقالي دستوريا يضمن الحقوق، والحريات، والواجبات، ويضمن صلاحيات دستورية لهياكل الحكم الثلاثة، ويضمن وضعا انتقاليا يفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة، تفضي بدورها إلى وضع ديمقراطي، وهو ما يرجوه أهل وشباب السودان الذين انتفضوا عن بكرة أبيهم مطالبين بالحرية، والسلام، والعدالة، وأمامنا الكثير الذي نرجوه من إخواننا في مصر، الدولة الشقيقة، ونقابة المحامين المصرية.
ـ هل هناك حاجة الآن إلى عقد اتفاقيات سلام مع الحركات المسلحة في السودان؟
نعم، نحن في حاجة إلى أن نعقد اتفاقيات سلام مع حركات مسلحة، رحبت الآن بالثورة، كما تدور الآن مشاورات كثيفة جدًا لاستيعابهم في الفترة الانتقالية، التي أهم ما فيها أن يكون هناك سلام مستدام للسودان بأطرافه في غرب السودان، وجنوب النيل الأبيض، وجنوب كردفان. كما أننا في حاجة إلى المساندة من جانب جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ونقابات العالم العربي، والنقابات الدولية. وقد بدأنا الخطوة الأولى من وجودنا في مصر، وعقد مؤتمر، بالتعاون مع نقيبي محامي مصر والأردن، تحت عنوان “مبادرة وحدة واستقرار السودان”.
ـ ما الذي ترونه في مبادرتكم للوضع الانتقالي في السودان؟
تؤكد مبادرتنا أن الوضع الانتقالي ولمدة ثلاث سنوات، قانونًا ودستورًا، يحتاج إلى دستور مؤقت، وليس مجرد إعلان أو مرسوم دستوري بهياكل وصلاحيات الهياكل الثلاثة للحكم.
ـ نقابة السودان أعدت مشروع دستور للمرحلة الانتقالية. ما هي ملامحه؟
الوثيقة، التي هي مشروع من النقابة، تؤمن على وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي 2005، وهي جميع حقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي 66 بجميع الحقوق، وتتضمن صلاحيات يتفق عليها المجلس السيادي، وثانية لمجلس الوزراء، وأخرى للمجلس التشريعي، كما أن فيها تأمينا على استقلال القضاء الذي صدق عليه البيان الأول لهذه الثورة المجيدة، وهو استقلال السلطة القضائية، والنيابة العامة، والمحاماة، وهذا شىء مؤمن عليه، ومضمون الآن، لكن نريد أن يسجل، ويكتب، ويمهر في دستور انتقالي، أو وثيقة انتقالية نحتكم إليها، ويحتكم إليها كل صاحب حق لا يجد حقه في الممارسة من السلطات المختلفة، طوال الفترة الانتقالية، التي تبلغ ثلاث سنوات، وهي فترة ليست بالهينة، وتحتاج إلى دستور مؤقت بدلا من مجرد إعلان دستوري.
ـ ما هي مساعي نقابة محامي السودان لحشد التوافق حول الوثيقة الدستورية؟
ناشدنا، ولا نزال، المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير، وجميع القوى السياسية في السودان، بمنطق بسيط، أنهم الآن يحتاجون إلى وثيقة دستور انتقالي، ودستور مؤقت، وليس مجرد إعلان دستوري، هذه دعوى قانونية دستورية اتفقنا عليها نحن كنقابة محامي السودان، ومعنا نقابتا مصر والأردن، ونعتقد أن كثيرا من النقابات العربية ستؤيدنا في ذلك. ونحن كرأي قانوني، نقدم كل ما وجد سندًا، وتأييدًا، وتعضيدًا من النقابات، والمحامين العرب، والجامعة العربية.
– هل لديكم مخاوف من الاتفاق الذي تم بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري؟ و ما هو الفرق بين الإعلان الدستوري والدستور المؤقت في السودان؟
الاتفاق الذي تم بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري هو حدث واقع. وفي هذا الاتفاق، نحن نقدم وثيقة دستورية، كنقابة محامي السودان، كدستور، فيما نخشى أن يذهب هذا الاتفاق إلى إعلان دستوري، أو مرسوم دستوري. لدينا في السودان الإعلان الدستوري مثل الأمر الدستوري، أو كالبيان الأول لهذه الثورة، الذي أودعه القائد العام للجيش السوداني، ونحن الآن نعمل على تطوير المسألة، حتى لا يكون الأمر مجرد مرسوم دستوري، أو أمر دستوري بصلاحيات هياكل الحكم الثلاثة فقط لتقاسم المناصب، ولذلك لجأنا إلى إخواننا في النقابات وشرحنا لهم خشيتنا من أن نأتي باسم هو ذاته البيان الأول، وهو ما حدث قديما في ثورة النميري، وانقلاب عمر البشير، وهو بيان الأمر الواقع، وليس فيه سمة دستورية. فالدستور المؤقت فيه سمة دستورية. فنحن منذ أكثر من ثلاثة أشهر، نعيش في فراغ حكومي ودستوري، ونحن نسعى لسد هذا الفراغ بحكم دستوري يحكم الفترة الانتقالية.
ـ ماذا إذا تم التوافق وصدر إعلان دستوري؟
إذا صدر إعلان دستوري، فإن الحاجة لدستور مؤقت تظل قائمة، فنحن لا نقول بعدم صدور الإعلان الدستوري، لكن نقول إنه ينبغي أن تكون هناك وثيقة حاكمة خلال السنوات الثلاث الانتقالية. فالفرصة متاحة حتى بعد توقيع الإعلان الدستوري، فنحن ندعو مع الاتفاق إلى أن يدعم بوثيقة دستور انتقالي.
ـ إلام وصلت النقابة في حشد التوافق داخل السودان؟
في السودان، هناك قوى كبيرة جدا تؤيد أن يكون هناك دستور مؤقت، وحتى قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري لا يعارضان الدستور المؤقت، فهذه ثلاث سنوات من الأفضل أن يكون الحكم بأمر دستوري. فما حدث في السودان ثورة شعبية، ولها مشروعية ثورية، ونريد أن نجعلها مشروعية دستورية، بدستور متوافق عليه يكون ضامنا للوضع الانتقالي في هذه المدة.
ـ ما هو الغرض من إطالة الفترة الانتقالية؟
في تقديرنا، تكفي السنتان اللتان أعلنتا في الأمر الأول لانحياز القوات المسلحة الثورة الشعبية، لكن ظهرت الآراء المختلفة، فرأى البعض أن سنة واحدة تكفي، ورأي قال أربع سنوات، مبررا ذلك بالحاجة إلى تأسيس وتهيئة مناخ الوضع الانتقالي، لأن هناك مظالم على مدى ثلاثين سنة وما إلى ذلك، لكن تم الاتفاق على ثلاث سنوات، ونحن في هذه الفترة نسعى إلى ترشيد وضمان أن تفضي بنا إلى وضع آمن ومستقر وديمقراطى.
ـ ماذا تقول في الخلاف بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في السودان؟
ظهر أن هناك توافقا كبيرا، وبعض الإشكاليات البسيطة التي لا يزال يجري التوافق عليها، ونتوقع أن يتم ذلك في فترة بسيطة مقبلة.
– كيف ترى دور جامعة الدول العربية في المسألة الانتقالية؟
جامعة الدول العربية رمت بسهمها في المسألة الانتقالية، وحل المشكلة السودانية، وكان رأيها إلى حد كبير متوافقا مع أهل السودان جميعا على إدارة الفترة الانتقالية إدارة رشيدة، حتى نأمن في هذه الفترة من أي معارضة، فهذه الفترة لا تحتمل المعارضة، وإلا فلن يكون هناك مجال للتأسيس للحكم الديمقراطي المرجو، بعد نهاية الفترة الانتقالية.
– هل لديكم تأثر بما حدث في مصر إبان ثورة يناير وما تم في المرحلة الانتقالية؟
التجربة المصرية تجربة رائدة جدا ورشيدة، وأفضت إلى استقرار نحن نعتز به كثيرا، ونسعى إلى تقنين الوضع بعجلة شديدة، حتى لا يكون مقننا بالبيان الأول الخاص بالانحياز، ونريد دستورا، وأن تكون هناك لجنة قومية من جميع أطياف الشعب السوداني تضع الدستور، ثم بعد ذلك تتم الانتخابات، وهذا الأمر ربما يكون متاحا طوال فترة الانتقال، فهي فترة طويلة، ويمكن أن يطرح هذا الأمر، ونحن نعد، إذا ما كانت هنالك فرصة، لاستلهام هذه التجربة، ودراستها فيما بيننا، ومع خبراء الدستور السوداني.
– هل هناك تشديدات أو ضوابط الآن تجاه الشخصيات التي غادرت أو هربت من السودان في حكم البشير؟
الآن، لا حجر على أي شخص غادر السودان مغضوبا عليه، أو هاربا، أن يعود إليه، فالشعار المرفوع الآن هو حرية وعدالة، ونحن نؤكد ذلك في مسودتنا التي قدمناها، كما نؤكد الدولة المدنية.
ـ كيف يجد مواطنو السودان أنفسهم وحمايتهم في الدستور الانتقالي من وجهة نظرك؟
نحن متأثرون بالتجربة المصرية في وضع الدستور. ففي مصر، كانت قد شكلت لجنة قومية من كل أطياف المجتمع المصري، وهي لجنة تأسيسية لوضع الدستور، بموجبها تم وضع الدستور المصري، ثم أجريت بموجبه الانتخابات. ونحن في السودان الآن، بسود تفكير بأن تكون هناك لجنة قومية تقوم بالإعداد للدستور، وتضع مسودة للجهة المنتخبة، وهو ما يسمى بالجمعية التأسيسية، أو برلمان تأسيسي. ومع ذلك، يمكن أن بوضع في هذا الدستور الانتقالي أنه يجوز بإعداد اللجنة الفنية، والسلطة البرلمانية التأسيسية، ثم بعد ذلك يمكن أن يطرح للاستفتاء، وهذا أدعى لأن يجد كل مواطن سوداني نفسه في هذا الدستور، ويحميه كما يحمي حرماته الخاصة.