عبد العزيز فهمي ومسألة تعدد الزوجات ! (13)
عبد العزيز فهمي ومسألة تعدد الزوجات ! (13)
نشر بجريدة الأهرام الاثنين 5/7/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
انتهى الأستاذ عبد العزيز باشا فهمي، باستدلال صحيح، إلى أن أخذ ألفاظ مثنى وثلاث ورباع على المعنى الحرفي معناها أن يأتي الرجل إلى أنثيين ليتزوجهما معًا في وقت واحد بعقد واحد، وكذا بالنسبة لثلاث ورباع، الأمر الذي يؤكد أنه يستحيل أن يكون المعنى الحرفي هو المقصود، بل هي كناية عن الأخذ الجزاف المنافي لكل تحديد، وقد جاءت هنا للغرض الواضح الذي أشار إليه وهو تقريع المخاطبين والهزؤ بهم، لتماديهم في أكل أموال اليتيمات بالباطل عن طريق نكاحهن، وتعاميهم عن الباب الواسع الموصل إلى تحقيق رغباتهم من النكاح بلا حرج ولا فسوق ولا آثام ولا أكل للأموال بالباطل. أما رجوع الأمر بعد هذا الكلام إلى قوله: « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً…» فهو تعجيل منه بالعودة إلى ما يجب من تحقيق فكرة العدل التي قامت عليها الآية التي نحن فيها والآية التي قبلها وكثير مما بعدها من الآيات.
رابعًا: أن عبارة الآية « مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ » أتت بكل ما في العربية من ألفاظ الصفات العددية التوزيعية. إذ ليس في العربية ( خماس ) ولا ما يليها، وخلاصة ما قاله ثقات اللغويين المختصين إنه ورد فيها لفظ ( عشار ) سماعًا فقط ولكنه من الشذوذ.
وهذا يدل على أن القرآن الكريم استقصى في الآية كل ما في العربية من ألفاظ التوزيع الجزاف، ولم يترك بعدها لفظًا لمزيد، ومن التسلل الرخيص على عبارة الآية الكريمة أن تُلتمس منها إرادة تحديد الزوجات بشيء من المجاميع التوزيعية المبينة بها، وقد خيل إلى الأستاذ عبد العزيز فهمي أن هذا التسلل الرخيص هو من عمل بعضهم أيام التدوين، واجتهادهم في تصويب ما استقر عليه الإجماع في بيئتهم من عدم تعدى الأربع، ووجدوا ألفاظ هذه الآية تنتهي إلى ( رباع )، فجعلوا هذا اللفظ متكأهم وأخذوا يؤولون الآية ويفسرون العربية على غير ما لألفاظها من الدلالات والمفاهيم.
بل كان من أبلغ ضروب التجرؤ ما عمدت إليه بعض البيئات من قولهم إن الآية، إذْ قالت « مثنى وثلاث ورباع » فإنها تكون قد أباحت للمسلم تسعًا من النساء، لأن « مثنى » معناها اثنتان، و« ثلاث » معناها ثلاث، و« رباع » معناها أربع، وهي معطوفة بالواو التي تفيد الجمع، ومجموع هذا تسع، وأخطر من هذا الاجتراء والمغالطة زعم بعضهم أن للمسلم أن يجمع بين الزوجات إلى ثماني عشرة، بزعم أن ألفاظ الآية تفيد التكرار.
ويذكر عبد العزيز باشا فهمي من عبارات الحق التي تؤدى إلى دعم الباطل، أن المقتصرين على أربع، ردوا على هؤلاء المجترئين المترخصين بأن الزوجات التسع من خصوصيات النبي عليه السلام لا يشاركه فيها مسلم، وظنوا أنهم بهذا الرد قد ألزموهم بنظريتهم أن المباح هو الزواج بأربع فقط.
ويرى الأستاذ عبد العزيز فهمي أن الآية الكريمة لم تعمد قط إلى تحديد عدد الزوجات، لا بأربع، لا بتسع ولا بثماني عشرة كما يزعم الزاعمون، فإن أي دين من الأديان لن يؤخذ عليه أنه ترك تعدد الزوجات على حاله من الإباحة التي درج الناس عليها، وهو ما كان شائعًا في العالم كله، ولكن الذي يؤخذ عليه الدين أن يترك التعدد بغير أمر بوجوب العدل التام بين الزوجات المتعددة، والحاصل الثابت أن القرآن أمر بالعدل بأقوى العبارات وأشدها تعبيرًا عنه وعن وجوبه، بل وأكد أن العدل بين النساء محال الاستطاعة، حتى مع الحرص عليه، فقال: « وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ » ( النساء 129 ) وقال الحق تبارك وتعالى: « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً » ( النساء 3 ).
وأخذ على أصحاب التفسير القسري، زعمهم بأنه حينما نزلت الآية التي فسروها على غير وجهها، تكلم النبي عليه السلام مع أحدٍ كان متزوجًا بثماني نساء أو عشر، فأمره بإمساك أربع ومفارقة الباقيات ـ وهذا اجتراء على الدين وإمعان في التحريف والمغالطة، دعا عبد العزيز فهمي للتساؤل متعجبًا: كيف يمكن أن تطمئن قلوب المؤمنين إلى مثل هذه الأحاديث ؟! وهل يعقل أن ينسب إلى الدين، وإلى الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام، أن يطلب إلى رجل أن يطلق نساءً والدات له منهن أبناء وبنات، وربما في سن الرضاع، بنى بهن في الجاهلية، أو في الإسلام قبل نزول قوله تعالى:
« فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً »، وهل يعقل أن تطلب شرعة سماوية ـ أو حتى وضعية ـ بخراب هذه الأسرة، وتشتيت الزوجات، وبعثرة الأولاد والبنات، ومنهم الصغار والأطفال، وهل يمكن تصور الرحمة المهداة وقد فارقه ما فُطر عليه من الخلق العظيم، بغير ضرورة دينية أو اجتماعية عاجلة تدعو الشرع الإسلامي إلى مثل هذا التخريب العاجل الشنيع ؟ ألا يكفي ـ فيما يتساءل عبد العزيز فهمي ـ أن يكون القانون نافذًا في المستقبل، والله تعالى هو الغفور الرحيم يعفو عما سلف بلا رجعية على الماضي ؟! يرى عبد العزيز فهمي أن هذا هو الحق وأنه هو مراد القرآن وحكمه ورحمة القرآن.