ضوابط الصياغة التشريعية لأحكام العقوبات الجنائية

بقلم: محمد جمال عبد المقصود المحامي

استرشادا بما جاء بدليل جمهورية مصر العربية الصادر عن وزارة العدل لإعداد، وصياغة القوانين والصادر في يوليو 2018 ( الطبعة الأولي ).

حيث إنه وضح للمشرع الضوابط التشريعية الواجب الإلتزام بها عند تشريع أحكام العقوبات الجنائية و التي تتمثل في ( تسعة ضوابط عليه الإلتزام بها ) و أيضا ( خمسة ضوابط عليه تجنبها )
ضوابط صياغة أحكام العقوبات الجنائية.

أولا : تأتي الأحكام العقابية في الأغلب في نهاية مشروع القانون إلا أن ليس هناك ما يمنع من أن بعض الصياغ التشريعيين يلجأ إلى وضع النصوص العقابية داخل مواد الصلب، والمتن فنجد أنها ترد مباشرة بعد ما أشار اليه المشروع من النهي عن عمل أو فعل معين.

ثانيا : يجب عند صياغة الأفعال المجرمة أن تتم الصياغة على نحو ضيق ومحكم فليس من الممكن أن تكون صياغة فضفاضة أو يشوبها ابهام أو تداخل مع أفعال مشروعة.

أما فيما يخص الأحكام العقابية فيتعين أن تتم تلك الصياغة بحرفية، ودقة على نحو تجعلها قاطعة و محددة بحيث يستطيع المخاطب بها استخلاص ما تشير إليه دون حاجة للاعتماد علي التقدير الشخصي وتتيح للقاضي أيضا استخلاص أركان الفعل المقترف و خاصة ركنه المادي .

ثالثا : مراعاة أن يكون الحد الأدنى من العقوبة محققا للغرض من تطبيق العقوبة كأصل عام و هو ( الردع العام و الخاص ) بمعني أنه يجب أن يكون الحد الأدنى وحده كافيا و محققا للردع.

رابعا : عند الحاجة لصياغة حكما عقابيا يؤثم فعلا أو أفعالا في زمان أو مكان معين يجب تحديدهما تحديدا شديد الدقة نافيا للجهالة.

خامسا : عند صياغة فعلا أو أفعالا غير عمدية يتم الاستهداء بمعيار الرجل العادي ( فالرجل العادي ملتزم بقدر معقول من الحيطة و الحذر ) فبداية يجب حصر كافة الصور التي تمثل انحرافا ظاهرا عن سلوك الرجل العادي ثم بعد ذلك يتم افراغها في شكل جرائم غير عمدية.

سادسا : مراعاة مبد التفريد و بمعني ألا يحوي الحكم العقابي علي عقوبة واحدة محددة علي سبيل المثال ( عقوبة السجن خمس سنوات ) لا تسمح للقاضي بإعمال سلتطه التقديرية بل يجب دائما أن يسمح النص للقاضي ببمارسة سلتطه في التدرج بالعقوبة وفق جسامة الفعل، و مراعاة لاختلاف أنماط الأشخاص، و ما لديهم من ظروف و دوافع تستدعي التشديد في العقوبة، أو التخفيف منها للحد الأدنى.

سابعا : فيما يخص جرائم الجنح و الجنايات التي تمثل قدر كبير من الخطورة و تطلب اخذ الشدة المناسبة يجب دائما وضع حد أدني لعقوبة الحبس حتي تحقق الغرض من منها المتمثل في الردع بنوعية( الخاص – العام ).

ثامنا : يجب النظرعند وضع الأحكام العقابية للجنح إذا كان متصور الشروع في تلك الجريمة من عدمه فإذا كان متصورا وجب إدراك نص خاص و صريح معاقبا علي الشروع في تلك الجريمة.

ثامنا : يجب عند وضع حكم عقابي على الشروع الأخذ في الاعتبار بالقاعدة العامة التي تنص على أن عقوبة الشروع أقل من عقوبة الجريمة التامة ما لم ينص علي غير ذلك، و هذا يعني أنه في حالة الرغبة في المساواة بين عقوبة جريمة الشروع و الجريمة التامة في فعل ما يتطلب ذلك وجود مبرر قوي و يجب إبرازه و ايضاحه في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون منعا لتعرضه لشبه عدم الدستورية على أساس مخالفته لمبدأ ضرورة تناسب شدة العقوبة مع مقدار الجرم في غير غلو.

تاسعا : يجب دائما عند صياغة الأحكام العقابية المتضمنة لعقوبة الغرامة أن يتم النص علي حدين أدني و أقصي و ذلك منعا لتعرض النص لشبهة عدم الدستورية تاسيسا علي تعارضه مع مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات.

يفضل عند وضع أحكام عقابية تتضمن غرامات إلا يجاوز حدها الأقصي عشرة أضعاف حدها الادني و ذلك لتوافر التناسب بين الحدين.

ما يجب تجنبه عند صياغة أحكام العقوبات الجنائية
أولا : يجب علي من يصيغ مشروع النص التشريعي عدم اللجوء إلى التفويض التشريعي للسلطة التنفيذية فيما يتعلق باحكام التجريم و العقاب إلا عند توافر اسباب و ظروف جعلته مضطرا إلي اللجوء لذلك و في تلك الحالة يتعين حصر التفويض في بعض الجوانب فقط و ذلك بعد أن يكون الصائغ قد وضع بنفسه في صلب مشروع القانون الحدود و الشروط التي يمكن للسلطة التنفيذية التحرك في إطارها و في حالة حدوث غير ذلك يكون المشرع قد تنازل عن سلطته في تحديد الجرائم و العقوبات للسلطة التنفيذية و هذا يعرض النص لشبهة عدم الدستورية
ثانيا : يجب علي المشرع ايضا عنده وضعه لعقوبة مقيدة للحرية ان لا تكون تلك العقوبة ممعنة في القسوة ، فالجزاء يجب أن يتناسب مع الفعل المؤثم و هذا المعيار يرتبط ارتباطا وثيقا بالحق الدستوري في الحرية الشخصية و ما يتفرع عنه من ضرورة عدم المساس بهذه الحرية إلا بالقدر المبتغي من العقوبة في تحقيق الردع سواء كان ردع عام او خاص
ثالثا : عدم استخدام القرائن القانونية لإثبات وقوع الجريمةعند صياغة نصوص التجرايم و العقاب حيث ان هذا يغل يد المحكمة عن التحقيق من قيام اركان الجريمة و بالتالي ذلك يخل بمبدأ الفصل بين السلطات و هذا يجعل النص يشوبه عدم الدستورية .
رابعا : يجب عدم صياغة حكم عقابي يمنع القاضي من استخدام سلطته في وقف تنفيذ العقوبة فسلطة الفاضي في وقف تنفيذ العقوبة تعتبر فرعا من تفريد العقوبة و حيث ان حرمان القاضي من ذلك لا يصح و يجعل النص يشوبه عيب من عيوب عدم الدستورية .
خامسا : يجب عدم صياغة حكم عقابي في الجنايات يحول بين القاضي و حقه في ان يشمل المتهم بالرأفة و النزول بالعقوبة عن الحد الادني المقرر لها اذا ما اقتضت الاحوال التي وقعت فيها الجريمة او ظروف المتهم ذاته.

فحق القاضي في استعمال الرأفة في الجنايات هو حق من الحقوق الاصلية الممنوحة للقضاه وفقا لقانون العقوبات المصري و ذلك مراعأة انه اذا ارتكب المتهمون ذات الجريمة إلا انهم لا ينتمون الي ذات النمط.

في النهاية جميع تلك الضوابط التي تم ذكرها و التاكيد عليها لتكون وجه استرشادي للمشرع عند اتجاه لوضع مشروع قانون متضمن لأحكام عقابية جنائية ملزمة له حتي لا يشوب النص عيب عدم الدستورية.

زر الذهاب إلى الأعلى