
صناعة التشريع بين الواقع والمأمول.. آلية تغيير الاسم
الدكتور أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
يُروى أن رجلاً ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شاكياً إليه عقوق ابنه. وبعد أن استمع إليه الخليفة الراشد، أحضر الولد موبخاً إياه على عقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ أجابه الفاروق عمر بن الخطاب: بلى. فسأل الولد خليفة المسلمين سؤال العارف: ما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: «أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن». وهنا انتفض الولد، وأخرج ما في بطنه من كلام، وقال: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك؛ أما أمي، فإنها زنجية كانت لمجوسي قبل أبي، وقد سماني جعلاً (أي خنفساء)، وفوق هذا وذاك، فإن أبي لم يعلمني من القرآن حرفاً واحداً! فما كان من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه إلا أن التفت إلى الرجل، وقال: «جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك».
والواقع أن الحق في الاسم هو أحد الحقوق الشخصية. وقد ورد النص على هذا الحق في العديد من المواثيق الدولية والدساتير والتشريعات الوطنية المقارنة.
وبالنظر لأن الطفل عند ولادته لا تتوافر لديه ملكات الإدراك والتمييز وليست لديه الأهلية اللازمة للتصرف، لذا فإن اختيار اسمه يتم بواسطة والديه. وواجب اختيار اسم الطفل يقع أساساً على الأب، مع تفضيل مشاركة الأم في هذه العملية، وتشمل مسؤولية الوالدين اختيار اسم حسن، لا يسبب إحراجاً للطفل عند الكبر، ولا يخالف الضوابط الشرعية، مثل الأسماء الموحية بالشرك أو العظمة، مع أهمية التشاور وتراضي الطرفين للوصول إلى اسم يرضي الجميع ويعود بالنفع على الطفل. ولكن، قد يحدث بعد وصول الطفل إلى سن الرشد أن تتجه إرادته إلى تغيير اسمه، لأي سبب من الأسباب. وتعترف التشريعات المقارنة بهذا الحق للشخص، مع وضع التنظيم المناسب له، حتى لا يساء استخدام هذا الحق. فالأصل المقرر قانوناً في التشريعات المقارنة هو ثبات الاسم وعدم تغييره بمحض الإرادة الشخصية واستقلالها. فالاسم غير قابل للتغيير والتعديل بمحض إرادة الشخص وحده، وإلا انقلب الغرض منه وكثر في شأنه الادعاء والانتحال وشاع الاختلاط بين الأشخاص، مما ينعكس أثره السيء على استقرار المعاملات في الجماعة. ومن أجل ذلك، يجب أن يخضع تغيير الاسم لإجراءات معينة تضمن جدية التغيير المطلوب وحماية الغير مما قد يكمن وراء هذا التغيير من تحايل أو انتحال. والاعتبارات التي قد تدعو إلى تغيير الاسم وتعديله كثيرة، كالاشتهار بين الجماعة بغيره من الأسماء، أو الرغبة في تفادي ما يسببه الاسم لصاحبه من عنت وحرج إذا كان فيه ما يحمل على الهزء والسخرية، والرغبة في مسايرة تغيير صاحبه لدينه. وقد يكون التغيير ضرباً من التصحيح، عند وقوع خطأ في تحرير الاسم عند قيده.
ومنع إرادة الشخص من الاستقلال بالتغيير، يقتضي تدخل سلطة عامة مختصة لرقابة جدية هذا التغيير، وللتأكد من سلامة الغرض منه وعدم إضراره بالغير، سواء كانت سلطة إدارية، أو سلطة قضائية عن طريق المحاكم على اختلاف في ذلك بين القوانين والنظم والشرائع. ومن هنا، جاءت هذه الدراسة، والتي تركز على الآلية القانونية المقررة لتغيير الاسم، وبيان خطة التشريعات العربية في هذا الشأن.
خطة الدراسة
باستقراء خطة التشريعات العربية بشأن آلية تغيير الاسم، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهات أربعة. وسنحاول في هذه الدراسة إلقاء الضوء عليها، بحيث نخصص لكل اتجاه منها مبحثاً منفصلاً، وذلك على النحو التالي:
المبحث الأول: تخويل القضاء سلطة البت في طلبات تغيير الاسم.
المبحث الثاني: تخويل لجنة إدارية سلطة البت في طلبات تغيير الاسم.
المبحث الثالث: تخويل لجنة شبه قضائية سلطة البت في طلبات تغيير الاسم.
المبحث الرابع: اتجاه التمييز بين تغيير الاسم الشخصي وتغيير الاسم العائلي.
للاطلاع على هذه الدراسة، اضغط هنـــــــــــــــــا