صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. إباحة القنب الهندي

بقلم الدكتور/  أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

بادئ ذي بدء، أود التأكيد على أن هذا المقال ليس دعوة لإباحة القنب الهندي أو مخدر الحشيش كما يطلق عليه في المجتمع المصري. وإنما الهدف من هذه الإطلالة هو بيان التطورات التشريعية الحديثة في شأن تجريم القنب الهندي، من خلال إلقاء الضوء على الاتجاهات التشريعية المتعاظمة نحو نزع التجريم عن القنب الهندي، وإباحة زراعته وتعاطيه، وصولاً إلى تحديد التداعيات الأمنية لهذا التطور والآثار القانونية له واستشراف المستقبل بشأن حركة تجارة المخدرات العابرة للحدود، سواء من حيث المسارات الجديدة لهذه التجارة وطبيعة المواد التي يتم الاتجار بها. وهكذا، فإن هذا المقال ليس دعوة إلى إباحة تعاطي القنب الهندي أو الحشيش، وإنما هو دعوة للتعاطي مع تداعيات الاتجاه التشريعي المتزايد والمتعاظم على مستوى العالم نحو إباحة تعاطي الماريجوانا أو القنب الهندي.

وانطلاقاً مما سبق، نرى من الملائم الحديث عن بعض التشريعات الأجنبية التي جنحت مؤخراً نحو إباحة القنب الهندي أو الحشيش، حتى يمكن إعادة رسم السياسة التشريعية الوطنية بشأن مكافحة المواد المخدرة، وذلك في ضوء هذه التطورات التشريعية الأجنبية. وقد يعتقد البعض أن الحديث عن إباحة القنب الهندي أو الحشيش قد يتعلق بدول بعيدة عن المحيط الجغرافي لنا، وهو أمر غير صحيح، حيث إن بعض الدول العربية قد تبنت مؤخراً هذا الاتجاه، وثمة دول عربية أخرى تدرس هذا الأمر بجدية. وقبل أن نلقي الضوء على هذه التطورات التشريعية الأجنبية، نرى من المناسب أن نتناول أولاً بالحديث تاريخ تجريم القنب الهندي في مصر.

تاريخ تجريم القنب الهندي في مصر

مر تجريم القنب الهندي في مصر بالعديد من المراحل والتطورات. وكانت البداية في العاشر من مارس سنة 1884م، حيث صدر الأمر العالي بشأن تقرير أحكام وإجراءات تتعلق بزراعة الحشيش وبيعه وإدخاله.

وفي الثامن عشر من يونية 1931م، صدر المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1931م بشأن استيراد بذور القنب الهندي المعروفة بالشنارق. وطبقاً للمادة الأولى من هذا المرسوم بقانون، «يمنع ورود بذور القنب الهندي المعروفة بالشنارق الى القطر المصري الا بترخيص خاص يعطى من وزارة الزراعة بناء على طلب المستورد». وتنص المادة الثانية من المرسوم بقانون ذاته، «لا يعطى الترخيص المشار اليه في المادة السابقة الا عن البذور المحموسة حمسا يكفل عدم انباتها». ورغم أن عنوان المرسوم بقانون يتعلق باستيراد بذور القنب الهندي، فإن نصوصه تتناول بالحظر والتجريم أيضاً بيع هذه البذور أو عرضها للبيع أو مجرد حيازتها. إذ تنص المادة الثالثة منه على أن «يمنع أيضا بيع بذور القنب الهندي غير المحموسة أو عرضها للبيع أو مجرد حيازتها». وترتيباً على ما سبق، وما دام استيراد وبيع وعرض وحيازة البذور غير المحموسة محظوراً، فإن من الواجب «على من يكون في حيازته وقت سريان هذا القانون بذور القنب الهندي غير المحموسة أن يبلغ عنها مكتب وزارة الزراعة الذي يتبعه محل وجود البذور في ظرف سبعة أيام من تاريخ سريان القانون ويحدد المكتب المشار اليه الميعاد الذي يجب فيه حمس البذور بمعرفة حائزها» (المادة الخامسة من المرسوم بقانون). ومع ذلك، فإن العقوبة المقررة لمن يخالف أحكام المرسوم بقانون لم تكن جسيمة. بيان ذلك أن المادة الرابعة من المرسوم بقانون المشار إليه تنص على أن «كل مخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات الصادرة بتنفيذه يعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تزيد على سبعة أيام وبغرامة لا تتجاوز جنيها مصريا أو بإحدى هاتين العقوبتين وتضبط البذور موضوع المخالفة وتصادر».

ويبدو أن قلة جسامة العقوبة المقررة هو الذي استدعى إلغاء المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1931م، حيث حل محله القانون رقم 42 لسنة 1944 بشأن منع زراعة الحشيش (القنب الهندي) في مصر. وطبقاً للمادة الأولى من هذا القانون، فإن «زراعة الحشيش ممنوعة في جميع أنحاء المملكة المصرية». وتحدد المادة الثانية من القانون ذاته العقوبة المقررة لمن يخالف منع زراعة الحشيش، بنصها على أن «كل مخالفة لحكم المادة السابقة يعاقب مرتكبها بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 100 جنيه إلى 200 جنيه عن كل فدان أو جزء من فدان». أما المادة الثالثة، فتحدد عقوبة الحائز أو المحرز لشجيرات حشيش مقلوعة أو بذور حشيش غير محموسة أو لأوراق شجيرات الحشيش، وذلك بنصها على أن «يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة من 50 جنيهاً إلى 100 جنيه من يضبط حائزاً أو محرزا لشجيرات حشيش مقلوعة أو لبذور الحشيش غير المحموسة حمساً يكفل عدم إنباتها أو لأوراق شجيرات الحشيش سواء أكانت مخلوطة بمواد أخرى أم غير المخلوطة بشيء. ويحكم بمصادرة الدواب والعربات والأدوات التي استخدمت في نقل الشجيرات أو البذور أو الأوراق وكذلك البضائع التي اتخذت وسيلة لإخفائها وتسهيل نقلها». وتنص المادة الرابعة من القانون ذاته على أنه «مع عدم الإخلال بالمحاكمة الجنائية يقوم رجال الإدارة بناء على طلب وزارة الزراعة بإعدام كل زراعة حشيش قائمة أو مقلوعة وكذلك البذور والأوراق موضوع الجريمة وتحصل بالطريق الإداري نفقات هذا الإجراء من المخالفين ومن الأشخاص المسئولين مدنياً بطريق التضامن على ألا تتجاوز هذه النفقات 100 قرش على كل فدان بالنسبة للزراعات القائمة».

وأخيراً، صدر القانون رقم 351 لسنة 1952م بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها، متضمناً النص على النباتات الممنوع زراعتها، محدداً من بينها نبات القنب الهندي «كانابيس ساتيفا» (Cannabis sativa)، ذكرا كان أو أنثى، بجميع مسمياته مثل الحشيش أو الكنجة أو البانجو أو غير ذلك من الأسماء التي قد تطلق عليه.

مشروع قانون مغربي بتنظيم الاستعمال المشروع للقنب الهندي

في يوم الخميس الموافق الحادي عشر من مارس 2021م، وبعد تأجيل دام أسبوعين، وافقت الحكومة المغربية على مشروع قانون ينظم الاستعمال المشروع لنبتة القنب الهندي بغرض الاستخدامات الطبية. وتجدر الإشارة إلى أن نبتة القنب الهندي معروفة في المجتمع المغربي باسم ـ«الكيف». ويهدف مشروع القانون إلى تقنين تطوير الاستخدامات الطبية والتجميلية والصناعية للقنب الهندي، حيث تدافع الحكومة المغربية عن ذلك بأن هذه الاستخدامات تتماشى مع الالتزامات الدولية للمغرب. كذلك، تؤكد الحكومة المغربية أن الهدف من وراء السماح بزراعة القنب «الحشيش» هو بيعه محلياً وتصديره إلى الخارج، للاستخدامات الطبية والصناعية، وبالتالي مساعدة المزارعين الفقراء في جبال الريف. وينص مشروع القانون على إنشاء مؤسسة حكومية لمراقبة الإنتاج والنقل والمبيعات، إذ يبقى ما يعرف بالاستخدام الترفيهي ممنوعاً في المغرب. وجدير بالذكر أنه في شهر ديسمبر 2020م، وافقت الدول الأعضاء في وكالة الأدوية التابعة للأمم المتحدة على إزالة الحشيش من أكثر فئات العقاقير التي تخضع لرقابة مشددة، بسبب توصية منظمة الصحة العالمية من أجل البحث الطبي. وأعلنت وزارة الداخلية في المملكة المغربية أن دراسات وطنية توصلت إلى أن المغرب يمكنه أن يستثمر الفرص التي يوفرها القنب. وفي بيان صادر عنها، قالت وزارة الداخلية بالمملكة المغربية: «يمكن استثمار الفرص التي يوفرها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع بالنظر إلى مؤهلاته البشرية والبيئية، علاوة على الإمكانيات اللوجستية والموقع الاستراتيجي للمملكة القريب من أوروبا التي تعد الأكثر إقبالاً على منتجات القنب الهندي».

والحقيقة أن محاولات تقنين الحشيش في المغرب تعود إلى سنوات عدة سابقة، وليس مشروعاً مرتبطاً بالحكومة الحالية، فمنذ بضع سنوات، قدم عدد من القوى البرلمانية مقترحات لتقنين زراعته، بل وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، من خلال الدعوة إلى صدور عفو ملكي عن الملاحقين بتهم زراعة الحشيش.

القانون الصادر في ولاية أوريجون الأمريكية بإلغاء حيازة كميات صغيرة من المخدرات

منذ العام 2015م، انضمت ولاية أوريجون إلى الولايات الأمريكية التي تبنت نهج إلغاء تجريم حيازة كميات صغيرة من جميع أنواع المخدرات، مما زاد من إمكانية الوصول إلى العلاج بدلاً من ذلك. إذ يرى بعض المشرعين الديمقراطيين أن ذلك يوفر فرصة نادرة للبدء في معالجة الضرر الذي تسببت فيه الحرب على المخدرات، وخاصة للمجتمعات الملونة. في المقابل، جادل الجمهوريون بأن الولاية يجب أن تعيد تجريم حيازة المخدرات، قائلين إنه من المهم أن تكون قادراً على الاستفادة من عقوبة السجن لدفع الناس إلى العلاج.

حكم المحكمة العليا في ولاية واشنطن الأمريكية بعدم دستورية قانون حيازة المخدرات بكميات صغيرة

في شهر فبراير 2021م، وبأغلبية خمسة من أعضائها في مقابل أربعة أصوات، قضت المحكمة العليا في ولاية واشنطن الأمريكية بعدم دستورية القانون الذي يجرّم حيازة المخدرات بكميات صغيرة. ويستند هذا القضاء إلى أنه، على عكس قوانين المخدرات في جميع الولايات الأخرى، لم يلزم القانون الصادر في ولاية واشنطن المدعين بإثبات أن المدعى عليه يمتلك المخدرات عن علم. وبناء على هذا الحكم، فإن حيازة كميات صغيرة من المواد الخاضعة للرقابة، من ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD) إلى الهيروين والكوكايين، مشروعاً غير خاضع للتجريم. وقد ألقى هذا الحكم بتداعياته على عشرات الآلاف من القضايا التي يعود تاريخها إلى عقود، مع قدرة المدعى عليهم على السعي لإلغاء إدانتهم أو استرداد الغرامات. بالإضافة إلى ذلك، سيكون النزلاء الذين حُكم عليهم بالسجن لفترات أطول لجرائم أخرى نتيجة سجلهم الجنائي على خلفية إدانة سابقة بحيازة مخدرات مؤهلين لإعادة الحكم عليهم.

وقد صدر هذا الحكم في قضية شانون بليك، وهي امرأة من سبوكان أخذت سروال جينز من صديق لها، وكان في جيب السروال كيسا صغيراً من الميثامفيتامين. ووجدت المحكمة أن تجريم السلوك السلبي والجاهل ينتهك إجراءات الحماية الواجبة. وأشار غالبية أعضاء المحكمة إلى أن من بين أولئك الذين يمكن إدانتهم بموجب القانون، حامل الرسائل الذي يسلم عن غير قصد حزمة من المخدرات، وشخص يخفي زميله في الغرفة المخدرات في منطقة معيشة مشتركة، وشخص يلتقط الحقيبة الخطأ في المطار.

وعلى إثر صدور هذا الحكم، أصدر حاكم ولاية واشنطن الواقعة في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية قراراً بتخفيف الأحكام الصادرة على أكثر من عشرة من مرتكبي جرائم المخدرات، وأطلق سراحهم من السجن. وقال الحاكم إنه سيصدر تخفيفات غير مشروطة لأولئك الموجودين في السجن بتهم بسيطة تتعلق بحيازة المخدرات فقط.

وتجدر الإشارة إلى أن حيازة كميات أكبر بقصد التوزيع تبقى غير قانونية، وتقع تحت طائلة التجريم والعقاب.

القانون الصادر في ولاية نيويورك بشأن تنظيم الماريجوانا وفرض الضرائب عليها

في الحادي والثلاثين من مارس 2021م، قام حاكم ولاية نيويورك كومو بالتوقيع على قانون تنظيم الماريجوانا وفرض الضرائب عليها (Marijuana Regulation and Taxation Act). وبذلك، أصبحت نيويورك الولاية الخامسة عشرة التي تضفي الشرعية على تعاطي واستخدام البالغين مادة الماريجوانا أو الحشيش لأغراض ترفيهية. قدر مكتب الحاكم كومو أن برنامج القنب الترفيهي يمكن أن يدر حوالي 350 مليون دولار سنوياً بمجرد تنفيذه بالكامل. سيخصص جزء كبير من هذه الإيرادات نحو «برامج العدالة»، بما في ذلك القروض والمنح وبرامج الحاضنات لأولئك المتأثرين بشكل غير متناسب بتجريم الحشيش. وسيقوم البرنامج بإلغاء تجريم حيازة أقل من ثلاث أونصات من الحشيش، ويسمح بمسح سجلات الأشخاص الذين أدينوا بجرائم متعلقة بالقنب لم تعد جنائية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى