صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. التحرش الجنسي
بقلم د/ أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
ينشغل المجتمع المصري من آن لآخر بما يطلق عليه شعبياً وإعلامياً قضايا التحرش. فعلى سبيل المثال، وفي شهر أكتوبر 2020م، حدثت الواقعة المشهورة إعلامياً باسم «طبيب الميكروباص»، وهو الطبيب المقيم في مدينة الزقازيق والمنسوب إليه ارتكاب فعل خادش للحياء داخل إحدى سيارات الميكروباص المستخدمة في نقل الأشخاص. وقد صدر حكم محكمة أول درجة في هذه القضية يوم الخميس الموافق الخامس والعشرين من فبراير 2021م بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ. وتعليقاً على هذه القضية، شاع في وسائل الإعلام استخدام تعبير «طبيب الزقازيق المتحرش» أو «طبيب الزقازيق المتهم بالتحرش». في المقابل، استخدمت بعض وسائل الإعلام تعبير «طبيب الزقازيق المتهم بارتكاب فعل خادش للحياء». والحق أن السلوك المنسوب إلى المتهم يقع تحت طائلة التجريم طبقاً للمادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري، والتي تعاقب «بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه. وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى».
ومؤخراً، وفي نهاية الأسبوع الأول من شهر مارس 2021م، حدثت الواقعة المعروفة إعلامياً باسم «طفلة المعادي»، حيث حدثت ضجة كبيرة أثارها مقطع فيديو متداول يظهر فيه قيام شخص تجرد من كل صفات الإنسانية وقام بالاعتداء جنسياً على طفلة داخل مدخل عقار في حي المعادي. ومرة أخرى، وتعليقاً على هذه الواقعة، شاع في وسائل الإعلام استخدام عبارات مثل «التحرش بطفلة المعادي» و«المتحرش بطفلة المعادي» و«المتهم المتحرش بطفلة المعادي». ولم يقتصر الأمر على الأخبار الصحفية، وإنما امتد إلى مقالات الرأي، التي استخدم بعضها لفظ «التحرش» مجرداً، بينما استخدم البعض الآخر مصطلح «هتك العرض» ولكن مع شيء من الخلط بينه وبين التحرش، بحيث يتم ذكرهما كمترادفين. والواقع أن الجريمة الجائز نسبتها للمتهم في هذه الواقعة هي «الخطف» المقترن ﺑــ «هتك العرض»، وذلك لتوافر أركان الجريمة في شأنه، حيث تحيل لاستدراج طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات، قاصداً إبعادها عن أعين الرقباء، واستجابت له، واقترنت تلك الجناية بجناية أخرى، هي أنه في ذات الزمان والمكان هتك عرض الطفلة بالقوة باستطالته إلى مواطن العفة في جسدها، وذلك على حد وصف البيان الصادر عن النيابة العامة في هذا الشأن. إذ تنص المادة 290 من قانون العقوبات على أن «كل من خطف بالتحيل أو الإكراه شخصاً، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنين. فإذا كان الخطف مصحوبا بطلب فدية تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ولا تزيد على عشرين سنة. أما إذا كان المخطوف طفلا أو أنثى، فتكون العقوبة السجن المؤبد. ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه».
وعلى هذا النحو، يبدو جلياً عدم انطباق تكييف «التحرش» على الوقائع سالفة الذكر. وقد يتساءل البعض عن السبب وراء عدم انطباق هذا الوصف الإجرامي على الوقائع المشار إليها في صدر هذا المقال. وفي الإجابة عن هذا التساؤل، يزعم البعض أنه «لا يوجد في القانون المصري ما يسمى بالتحرش، بينما يندرج تحت جريمة الفعل الفاضح، وفقاً للمادتين 269 و269 مكرر، وعقوبته الحبس 3 سنوات، حيث إن جريمتي هتك العرض والفعل الفاضح لا يقترنا معاً، وفي حالة ارتكاب الجاني للجريمتين يعاقب بالأشد جسامة فيهما وهي هتك العرض. فالمشرع يحمي بتجريم هتك العرض في جميع صوره، الحرية الجنسية للمجني عليه، وهي جريمة تمس بعرض المجني عليه، وحصانة جسمه وحريته الجنسية، والمساس بهذه الأمور واضحاً حين يرتكب هتك العرض بالقوة أو التهديد، أو برضاء المجني عليه بالفعل دون استعمال قوة أو تهديد، إذا لم يكن للرضاء قيمة قانونية بسبب صغر سن المجني عليه، أو لأي سبب آخر» (يراجع على سبيل المثال: محمود أحمد راغب، شيطان المعادي والعقوبة الرادعة، مقال منشور على موقع نقابة المحامين المصرية، الجمعة الموافق 12 مارس 2021م).
والواقع أن المشرع الجنائي المصري قد استحدث جريمة التحرش، وذلك بموجب قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 50 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937م. وقد سارت بعض التشريعات الجنائية العربية الأخرى في الاتجاه ذاته. وتبنى المشرع السعودي اتجاهاً مغايراً، بإصدار نظام متكامل لجريمة التحرش، متضمناً العديد من الأحكام التفصيلية الموضوعية والإجرائية الحاكمة لهذه الجريمة. على النقيض من ذلك، تخلو بعض التشريعات العربية من نص صريح خاص في شأن سلوك التحرش. وأخيراً، فإن بعض الدول اختارت النص على تجريم التحرش بنص صريح في قانون الطفل، بينما يخلو قانون العقوبات العام من النص صراحة على تجريم هذا السلوك. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على هذه الاتجاهات الأربعة تباعاً، كما يلي:
الاتجاه التشريعي المستحدث لجريمة التحرش في قانون العقوبات العام
في جمهورية مصر العربية، ووفقاً للمادة الأولى من القرار الجمهوري بقانون رقم 50 لسنة 2014م، استبدل المشرع المادة 306 مكرراً (أ) من قانون العقوبات، بحيث غدا نصها كما يلي: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه. وفى حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى». وطبقاً للمادة الثانية من القرار الجمهوري بالقانون المشار إليه، تم إضافة مادة جديدة، برقم 306 مكرراً (ب)، يجري نصها كما يلي: «يعد تحرشاً جنسياً إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرراً (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظرف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه».
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وبموجب المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م، تم إضافة مادة جديدة برقم (359) مكرراً، يجري نصها كما يلي: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب جريمة التحرش الجنسي. ويعد تحرشاً جنسياً كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تخدش حياءه بقصد حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تعدد الجناة، أو حمل الجاني سلاحاً، أو كان الجاني ممن له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه».
الاتجاه التشريعي القائم على إصدار قانون خاص للتحرش
في المملكة العربية السعودية، صدر المرسوم الملكي رقم (م/ 96) وتاريخ 16 /9 /1439هـ بالموافقة على نظام مكافحة جريمة التحرش (راجع: أم القرى، العدد 4730، السنة 96، الجمعة 24 رمضان 1439هـ الموافق 8 يونية 2018م). وطبقاً للمادة الأولى من هذا النظام، «يقصد بجريمة التحرش، لغرض تطبيق أحكام هذا النظام، كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة».
وتحدد المادة الثانية من النظام الأهداف المرجوة منه، بنصها على أن «يهدف هذا النظام إلى مكافحة جريمة التحرش، والحيلولة دون وقوعها، وتطبيق العقوبة على مرتكبيها، وحماية المجني عليه؛ وذلك صيانة لخصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية، التي كفلتها أحكام الشريعة الإسلامية، والأنظمة».
وتنص المادة الثالثة على أن «1- لا يحول تنازل المجني عليه أو عدم تقديم شكوى دون حق الجهات المختصة – نظاماً – في اتخاذ ما تراه محققًا للمصلحة العامة، وذلك وفقًا لأحكام نظام الإجراءات الجزائية، والأنظمة الأخرى ذات الصلة. 2- لكل من اطلع على حالة تحرش إبلاغ الجهات المختصة، لاتخاذ ما تراه وفقًا للفقرة رقم (1) من هذه المادة».
وتنص المادة الرابعة على أن «1- يلتزم كل من يطلع – بحكم عمله- على معلومات عن أي من حالات التحرش؛ بالمحافظة على سرية هذه المعلومات. 2- لا يجوز الإفصاح عن هوية المجني عليه، إلا في الحالات التي تستلزمها إجراءات الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة».
وتنص المادة الخامسة على أن «1- يجب على الجهات المعنية في القطاع الحكومي، والقطاع الأهلي، وضع التدابير اللازمة للوقاية من التحرش ومكافحته في إطار بيئة العمل في كل منها، على أن يشمل ذلك: أ- آلية تلقي الشكاوى داخل الجهة. ب- الإجراءات اللازمة للتأكد من صحة الشكاوى وجديتها وبما يحافظ على سريتها. ج- نشر تلك التدابير، وتعريف منسوبيها بها. 2- يجب على الجهات المعنية في القطاع الحكومي والقطاع الأهلي مساءلة أي من منسوبيها –تأديبياً – في حالة مخالفته أياً من الأحكام المنصوص عليها في هذا النظام، وذلك وفقًا للإجراءات المتبعة. 3- لا تخل المساءلة التأديبية التي تتم وفقًا لهذه المادة بحق المجني عليه في التقدم بشكوى أمام الجهات المختصة نظاماً».
وطبقاً للمادة السادسة، معدلة بموجب المرسوم الملكي رقم (م/ 48) وتاريخ 1/ 6/ 1442هـ، «1- مع مراعاة ما تقضي به الفقرة رقم (2) من هذه المادة، ودون إخلال بأي عقوبة أخرى تقررها أحكام الشريعة الإسلامية أو أي عقوبة أشد ينص عليها أي نظام آخر؛ يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من ارتكب جريمة تحرش. 2- تكون عقوبة جريمة التحرش السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حالة العود أو في حالة اقتران الجريمة بأي مما يأتي: أ- إن كان المجني عليه طفلاً. ب- إن كان المجني عليه من ذوي الاحتياجات الخاصة. ج- إن كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه. د- إن وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية. هـ- إن كان الجاني والمجني عليه من جنس واحد. و- إن كان المجني عليه نائماً، أو فاقداً للوعي، أو في حكم ذلك. ز- إن وقعت الجريمة في أي من حالات الأزمات أو الكوارث أو الحوادث. 3- يجوز تضمين الحكم الصادر بتحديد العقوبات المشار إليها في هذه المادة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر من الصحف المحلية، أو في أي وسيلة أخرى مناسبة، وذلك بحسب جسامة الجريمة، وتأثيرها على المجتمع، على أن يكون النشر بعد اكتساب الحكم الصفة القطعية».
وتنص المادة السابعة من النظام على أن «1- يعاقب كل من حرض غيره، أو اتفق معه، أو ساعده بأي صورة كانت، على ارتكاب جريمة تحرش؛ بالعقوبة المقررة للجريمة. 2- يعاقب كل من شرع في جريمة تحرش بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها. 3- يعاقب كل من قدم بلاغاً كيدياً عن جريمة تحرش، أو ادعى كيداً بتعرضه لها، بالعقوبة المقررة للجريمة».
اتجاه النص على التحرش في قانون الطفل وخلو قانون العقوبات العام من النص عليه
في سلطنة عمان، يخلو قانون الجزاء العماني من النص على التحرش، مقتصراً فحسب على تجريم «إتيان الأفعال المخلة التي تخدش حياء الأنثى»، فنص في المادة (266) منه على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن (100) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (300) ثلاثمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل ذكر: أ- تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل. ب- تطفل على أنثى في خلوتها. ج- تنكر في زي امرأة أو دخل متنكرا مكانا خاصا بالنساء أو محظورا دخوله آنذاك لغير النساء. د- ظهر علنا بمظهر النساء في لباسه أو هيئته».
أما قانون الطفل، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 22 لسنة 2014م، فقد اختار النص صراحة على تجريم التحرش الواقع على طفل، فنص في المادة السادسة والخمسين منه على أن «يحظر على أي شخص ارتكاب أي من الأفعال الآتية: أ- اختطاف، أو بيع طفل، أو نقل عضو من أعضائه بأي شكل من الأشكال سواء بمقابل، أو بدون مقابل. ب- اغتصاب طفل أو هتك عرضه أو التحرش به جنسيًّا». وتنص المادة الثانية والسبعون منه على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (5) خمس سنوات، ولا تزيد على (15) خمس عشرة سنة، وبغرامة لا تقل عن (5000) خمسة آلاف ريال عماني، ولا تزيد على (10000) عشرة آلاف ريال عماني، كل من ارتكب أيًّا من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في المادتين (55)، (56) من هذا القانون».
وجدير بالذكر في هذا الصدد أن قانون الجزاء العماني قد صدر بموجب المرسوم السلطاني رقم 7 لسنة 2018م، أي في تاريخ لاحق على صدور قانون الطفل، والذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم 22 لسنة 2014م. ومن ثم، يبدو سائغاً الاعتقاد بأن اغفال النص على تجريم التحرش بنص خاص في قانون الجزاء قد يكون مقصوداً.
اتجاه التشريعات الخالية من نص خاص للتحرش
في مملكة البحرين، لا توجد نصوص جنائية خاصة بالتحرش الجنسي. ومن ثم، فإن ملاحقة هذا السلوك تخضع لمدى انطباق النصوص الخاصة بجرائم العرض والفعل الفاضح أو الفعل الخادش بالحياء، متى انطبق النموذج القانوني لها على واقعة التحرش.
وفي دولة الكويت، فإن سلوكيات التحرش الجنسي يمكن أن تقع تحت طائلة التجريم بموجب المادة المائتين من قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960م، وذلك فيما تضمنته من تجريم التحريض على الفسق والفجور، بنصها على أن «كل من حرض ذكراً أو أنثى على ارتكاب أفعال الفجور والدعارة، أو ساعده على ذلك بأية طريقة كانت، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين. فإذا كانت سن المجني عليه تقل عن الثامنة عشرة، كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين والغرامة التي لا تجاوز ألفي روبية أو إحدى هاتين العقوبتين». وريمكن فهم خلو قانون الجزاء الكويتي من نص خاص يجرم التحرش بشكل واضح وصريح، وذلك بالنظر إلى تاريخ صدور هذا القانون. وربما يشهد المستقبل القريب تدخلاً تشريعياً بتجريم التحرش، حيث قدم مؤخراً مقترح لمجلس النواب الكويتي لإقرار مواد تشريعية لمواجهة جريمة التحرش الجنسي.
وفي دولة قطر، لم يجرم المشرع الجنائي سلوك التحرش (بلفظه)، وإنما يمكن أن يخضع لجريمة خدش حياء الأنثى، المنصوص عليها في المادة (291) من قانون العقوبات رقم (11) لسنة 2004م، بنصها على أن «يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة، وبالغرامة التي لا تزيد على خمسة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قصد خدش حياء أنثى، بأن تفوه بأي كلمة، أو صدر عنه أي صوت أو إيماء أو عرض أي شيء، قاصدًا أن تصل الكلمة أو الصوت إلى سمع تلك الأنثى أو يقع بصرها على الإيماء أو الشيء الذي يعرضه. ويُعاقب بذات العقوبة، كل من تطفل على أنثى في خلوتها».
ومن خلال العرض السابق، يبدو جلياً أن لفظ التحرش هو أحد الألفاظ التي دخلت مؤخراً في المنظومة التشريعية الجنائية العربية، ولم يكن لها وجود في التشريعات الجنائية العربية قبل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ويمكن تبرير استحداث نصوص خاصة بالتحرش في قوانين العقوبات في ضوء الاتجاه المتزايد نحو عولمة التشريعات بوجه عام وعولمة التشريعات الجنائية بوجه خاص. والله من وراء القصد…