صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. جرائم الشرف

بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

لم يرد في القانون مصطلح «جرائم الشرف»، ولا يعرف القانون استخداماً واحداً له، ولكن يجري استخدام هذا الاصطلاح في وسائل الإعلام وفي أدبيات منظمات حقوق المرأة. ويتم إطلاق تعبير «جرائم الشرف» أو «القتل بدعوى الشرف» على جرائم القتل التي يرتكبها غالباً أحد الأعضاء الذكور في أسرة أو عائلة ما أو قريب ذكر لذات الأسرة أو العائلة على أنثى أو مجموعة إناث في ذات الأسرة أو العائلة. إذ يقدم الجاني على ارتكاب سلوك إزهاق الروح لأسباب في الغالب الأعم تكون ظنّية تتعلق بشكوك حول ارتكاب الأنثى (المرأة أو البنت إلخ) فعلاً مُخلَّا بالأخلاق في نظر الجاني، ويزعم مرتكبو مثل هذه الجرائم أن جريمتهم حصلت من أجل «الحفاظ على شرف العائلة»، أو ما يوصف في أوساط قبلية بعملية «غسل العار».

وإذا كان الغالب في جرائم الشرف أن تقع على الأنثى، فإن بعضها قد يقع من ذكر على ذكر، كما هو الشأن في القتل الذي يقع على الذكر المفعول به في جريمة اللواط. وقد تقع جريمة الشرف من امرأة، كما هو الحال في جريمة قتل المرأة وليدها المولود سفاحاً أو إجهاض نفسها اتقاءً للعار.

ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في سنة 2020م، يقع سنوياً حوالي خمسة آلاف شخص، أغلبهم من النساء، ضحية لجرائم قتل ترتكب باسم حماية شرف العائلة في أنحاء متفرقة في العالم. ورغم التعديلات القانونية التي أصبحت تفرض عقوبة على الجاني في العديد من الدول العربية، إلا أن هذا النوع من الجرائم ما يزال يستخدم لتصفية الحسابات داخل العائلة. وتحدث هذه الجرائم في بلدان كثيرة، نذكر منها باكستان والأردن واليمن وتركيا والعراق والمغرب ومصر.

جرائم الشرف في الأدب العربي

في رواية «دعاء الكروان» لعميد الأدب العربي، طه حسين، تدور الأحداث حول شخصية «آمنة» التي قُتلت أختها «هنادي» على يد خالها بعد أن اكتشف حملها سفاحا «ليغسل عاره بيده»، كما يقول في الرواية. ورغم إزهاق روح أختها على يد خالهما، فقد آمنت شقيقتها «آمنة» أن الجاني ومستحق العقاب الحقيقي هو المهندس الزراعي الذي غرر بأختها وأن أختها ضحية.

المبحث الأول

ماهية جرائم الشرف

«جرائم الشرف» و«الجرائم المخلة بالشرف والأمانة»

تختلف «جرائم الشرف» عما اصطلح على تسميته «الجرائم المخلة بالشرف والأمانة»، والتي يرد النص عليها عادة في قوانين التوظف حين تشترك فيمن يعين في الوظيفة العامة ألا يكون قد سبق الحكم عليه في جناية أو في جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد صدر عفو عنه من السلطة المختصة أو رد إليه اعتباره طبقا للقانون. وفي بيان المقصود بالجرائم المخلة بالشرف والأمانة، وفي أحد أحكامها الشهيرة، قالت المحكمة الإدارية العليا في مصر إن «الجرائم المخلة بالشرف لم تحدد في قانون العقوبات أو في سواه تحديدا جامعا مانعا. على أن المتفق عليه أنه يمكن تعريف هذه الجرائم بأنها تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع. والشخص إذا انحدر إلى هذا المستوى الأخلاقي لا يكون أهلا لتولي المناصب العامة التي تقتضي فيمن يتولاها أن يكون متحلياً بالأمانة والنزاهة والشرف واستقامة الخلق». وتطبيقاً لهذا المعيار، رأت المحكمة في هذا الحكم أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تماثل جريمة النصب، لأنها «تقتضي الالتجاء إلى الكذب كوسيلة لسلب مال الغير فهي لذلك لا تصدر إلا عن انحراف في الطبع وضعف في النفس، ومن ثم فإنها تكون في ضوء التعريف – سالف الذكر – مخلة بالشرف» (حكم المحكمة الإدارية العليا، 5 نوفمبر سنة 1966م، مجموعة المبادئ، س 12، رقم 9، ص 56).

في المقابل، أرسى القضاء الإداري بمجلس الدولة مبدأً قانونياً جديداً مؤداه أن الحكم على العامل أو الموظف في جريمة إصدار شيك بدون رصيد لا يؤدي إلى إنهاء خدمة العامل – الموظف – لأن الشيك لم يعد أداة وفاء وصار أداة ائتمان في حالة إصداره لشراء سلع بالتقسيط.  والمبدأ الجديد أخرج الشيك من كينونته كأداة وفاء إلى أداة ائتمان، وذلك طبقاً لما نحته المجتمع من أداته القانونية وتحويله الشيك إلى أداة أخرى في عرف المجتمع. فالشيك يتحول إلى أداة ائتمان في حالة ما إذا كان الشيك ضماناً لأداء العامل لأقساطه. وقضت المحكمة بإلغاء قرار إحدى الوزارات بإنهاء خدمة أحد الموظفين للحكم عليه بعقوبة الحبس لإصداره شيكا بدون رصيد لشرائه سلعا استهلاكية. وقالت المحكمة إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد لا تعد مخلة بالشرف تؤدي إلى إنهاء خدمة العامل، لأن المجتمع تعارف على إصدار الشيك باعتباره أداة ائتمان وليست أداة وفاء كما تعارف المجتمع في شراء احتياجاته بالتقسيط بالأجل وأن الشيك أصبح وسيلة لشراء احتياجات المواطن وضمانة لسداد المديونية التي ارتضى البائع والمشتري على أدائها بالأجل ومن ثم فإن الشيك في هذه الحالة يخرج من كونه جريمة مخلة بالشرف. وكان أحد العاملين بالجهة الإدارية قد قام بشراء ثلاجة فارهة بالتقسيط وتم استكتابه شيكا بكامل مبلغ الثلاجة لا يقابله رصيد، وتعثر العامل في دفع بعض الأقساط المستحقة ومن ثم فإن الشيك فقد سماته الأصلية وأصبح ورقة ائتمان وتم الحكم على العامل بالحبس سنة مع الشغل وقضى العامل فترة الحبس وعند عودته لعمله أصدرت جهة إدارته قراراً بإنهاء خدمته فقضت المحكمة حكمها المتقدم (يراجع: جريدة الأهرام، 10 أغسطس سنة 2009م، ص 8).

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أكدت دائرة الفتوى والتشريع بوزارة العدل – في ظل قانون الخدمة المدنية الملغي – أن المشرع بقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1973م وإن كان لم يعرف الجريمة المخلة بالشرف والأمانة إلا أن الفقه والقضاء قد استقر على تعريف هذه الجريمة بأنها تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع وخضوع للشهوات مما يزري بالشخص ويوجب احتقاره فلا يكون جديرا بالثقة وبالتالي لا يكون أهلا لتولي المناصب العامة والتي تتطلب فيمن يتولاها أن يكون متحليا بالأمانة والنزاهة والشرف واستقامة الخلق (الملف رقم 1217 فتوى بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1990م). ومن تطبيقاتها في شأن تعريف الجريمة المخلة بالشرف والأمانة، انتهت دائرة الفتوى والتشريع إلى انطباق هذا الوصف على الجرائم التالية:

أولا: جريمة خيانة الأمانة (الملف رقم 1217 فتوى بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1990م).

ثانيا: جريمة إعطاء شيك بدون رصيد، وذلك باعتبار أنها تقوم على الاحتيال (ملف رقم 1502 فتوى بتاريخ 21 يناير 1993م؛ ملف رقم 1562 فتوى بتاريخ 18 أغسطس 1993م؛ ملف رقم 2197 فتوى بتاريخ 16 أكتوبر 2000م).

ثالثا: جريمة شرب الخمر، وذلك لأن الشريعة الإسلامية الغراء قد حرمت شرب الخمر وتعاطي المسكرات لحكمة ارتآها الشارع الحكيم وهي حفظ العقل، فشارب الخمر يفقد عادة عقله، وإذا فقد عقله وقعت منه كل كبيرة دون أن يدري، وكان محل ازدراء المجتمع واحتقاره (الملف رقم 527 فتوى بتاريخ 2 أبريل 1981م؛ الملف رقم 906 فتوى بتاريخ 9 يونيو 1985م).

وفي المقابل، أفتت دائرة الفتوى والتشريع بأن جريمة إحراز كمية من نبات القات التي أدين بها الموظف المعروضة حالته لا تعد من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، وذلك بالنظر إلى الظروف المحيطة بها إذ تبين أن الإحراز في الحالة المعروضة لم يكن بقصد الاتجار كما أن المحكوم عليه يمني الجنسية وكان عند ضبطه محرزا القات قادما من اليمن، وفضلا عن ذلك فإن الوظيفة التي يشغلها، وهي كاتب في إحدى المستشفيات الحكومية، ليست من الوظائف التي تتطلب في شاغلها قدرا أكبر من التحرز والنقاء (الملف رقم 571 فتوى بتاريخ 15 نوفمبر 1981م).

وهكذا، ومن جماع الأحكام القضائية والفتاوى سالفة الذكر، يذهب بعض الفقه إلى أن الجريمة المخلة بالشرف والأمانة هي تلك التي تشين مقترفها، وتلوث سمعته وتهدر مكانته في أعين الناس، كالسرقة والنصب وخيانة الأمانة (د. ماجد راغب الحلو ود. محمد رفعت عبد الوهاب، مبادئ القانون الإداري، ص 366).

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن الجريمة المخلة بالشرف أو الأمانة هي جريمة يؤدي ارتكابها إلى الإخلال بالشرف أو الأمانة. أما مصطلح جرائم الشرف، فهي جرائم يكون الجاني مدفوعاً إلى ارتكابها تحت تأثير العار الذي لحقه في نظر المجتمع من جراء ارتكاب أحد أفراد أسرته، ولاسيما من النساء، علاقات جنسية غير مشروعة، فيقدم على قتل هذا القريب معتقداً أن سلوك القتل هو الوسيلة الوحيدة لدفع وصمة العار الذي لحقت به، واسترداد كرامته الجريحة.

الشرف بالمعنى الواسع والشرف بالمعنى الضيق

إن لفظ «الشرف» في المدلول اللغوي قوامه خصائص تتوافر أو ينبغي أن تتوافر لدى الشخص بوصفه شخصاً؛ فكلمة الشرف تعنى في أصل اللغة العلو أو المكان العالي أو الارتفاع بالقيمة والقدر (راجع: لسان العرب لابن منظور، طبعة دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1992، المجلد السابع، باب الشين، ص 90 و91؛ المعجم الوسيط، الجزء الأول، مجمع اللغة العربية، المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، اسطنبول، الطبعة الثانية، باب الشين، ص 479). وتجرى أمور الناس على أن من يتمتع بصفات معينة، كالأمانة والفضيلة والإخلاص وغيرها من الصفات والخصال الحميدة يرتفع قدره ويكبر بينهم. ومن ثم، يحرص كل شخص على التمسك بحسب قدرته على هذه الصفات وهذه الفضائل ليكون شريفاً بين الناس.

ومع ذلك، فإن الاستعمال الشائع بين العامة غدا يربط بين «الشرف» و«العفة»، بحيث يقصد بالشرف اجتناب صور الاتصال الجنسي غير المشروع.

وهذا المعنى الضيق للشرف لا يمكن الأخذ به، وإنما ينبغي الاحتفاظ له بمدلول واسع يشمل مجموعة الصفات الأدبية، مثل الأمانة والإخلاص، وغير ذلك من الفضائل التي تحدد مدى تقدير الشخص في البيئة التي يعيش فيها (د. آمال عثمان، جريمة القذف، مجلة القانون والاقتصاد، تصدر عن كلية الحقوق بجامعة القاهرة، س 38، 1968م، العدد الثالث، ص 737). وهكذا، نخلص إلى أن المقصود بالشرف هو ألا يعاب على الشخص شيء ينافي القيم التي استقر المجتمع الذي يعيش فيه على احترامها وإنزالها منزلة الاحترام والتقدير (د. عماد عبد الحميد النجار، الوسيط في تشريعات الصحافة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1985م، ص 262).

وإزاء هذا الاختلاف بين المدلول الواسع والمدلول الضيق للشرف، يؤكد البعض أن من الضروري الاعتراف بطغيان العرف على القانون، وبطش الذكر الذي لا يعتبر أنه يتجرد من شرفه إذا تقاضى رشوة، أو باع وطنه. رغم أن بعض هذه الجرائم هي جرائم «مخلة بالشرف قانوناً» وبعضها الآخر يُفقده حقوقه السياسية (يراجع: سحر الجعارة، «غش تجاري» في قسيمة زواج، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الجمعة الموافق 10 سبتمبر 2021م، السنة العاشرة، العدد 3421، الصفحة السادسة).

شرف الذكر وشرف الأنثى

يلاحظ بعض الكتاب أن العرف يمارس تأثيراً هائلاً فيما يتعلق بجرائم الشرف، وبقوة هذا العرف، فإن الرجل لا يفقد شرفه بالزنى، بينما تفقد المرأة شرفها بالزنى. ومن ثم، يرى أحد هؤلاء الكتاب أنه قد آن الأوان لـما أسماه «تأنيث مفهوم الشرف»، ويعني بذلك تحرير جسد المرأة من تبعيته للرجل مثل جارية يشتريها أو يهديها أو يعاشرها أو يقتلها.. وهذا لن يتحقق إلا عندما تختفي كلمة «الدفاع عن الشرف» من قاموس الدفاع عن القتلة والمجرمين. المساواة القانونية مدخل وحيد لتحريرها من قبضة الذكور وسطوة تجار الدين (يراجع: سحر الجعارة، «غش تجاري» في قسيمة زواج، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الجمعة الموافق 10 سبتمبر 2021م، السنة العاشرة، العدد 3421، الصفحة السادسة).

الشرف الحقيقي والشرف المصطنع

تستغرب إحدى الكاتبات الصحفيات ما تطلق عليه «مزاد فتاوى الشرف»، مبينة وجهة نظرها في هذا الشأن باختصار، ومبررة رأيها بأن ترقيع «غشاء البكارة» الذي أجازته «الإفتاء» في بعض الحالات قد يتحول إلى عروس معيبة: «غش تجارى» في الزواج! وبافتراض أنه «مغُرَّر بها»، فقد دخلت في علاقة جنسية كاملة وقد تكون متكررة، ونحن ندفعها دفعاً لتستغل رجلاً جديداً يمنحها اسمه وأولاده، ويوفر لها الستر والأمان، بينما هي تخدعه وتمنحه «عذرية زائفة»! هذا اغتيال لفكرة «البكارة» في عقول ووجدان الجميع: «المخطئة والمُغرَّر بها معاً».. اغتيال للضمير الذي يفرض علينا الصدق والمكاشفة قبل الزواج.. «الستر» يا سادة لا يكون بقاعدة: «القانون لا يحمى المسالمين»! (يراجع: سحر الجعارة، «غش تجاري» في قسيمة زواج، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الجمعة الموافق 10 سبتمبر 2021م، السنة العاشرة، العدد 3421، الصفحة السادسة).

القتل لأسباب حقيقية والقتل بدافع الشك

نسمع من وقت لآخر عن ارتكاب بعض جرائم القتل بدعوى الحفاظ على شرف العائلة أو الأسرة. وقد يحدث ذلك في إطار الأسرة بالمعنى الضيق، أي الزوج والزوجة والأولاد. وقد يحدث في إطار الأسرة بالمعنى الواسع، أو العائلة، والتي تضم أبناء العم وأبناء الخال وغيرهم (راجع على سبيل المثال: بوابة جريدة الوطن الالكترونية، القاهرة، الجمعة الموافق 24 ديسمبر 2021م، خبر تحت عنوان شاب يطلق الرصاص على ابنة عمه بسبب سلوكها: «سيرتها بقت على كل لسان»).

وقد يكون القتل بسبب مفاجأة الزوج أو الأب أو الأخ زوجته أو بنته أو اخته في وضع مخل فعلاً من شخص غريب عنها، ولكن قد يقدم أحدهم على ارتكاب فعل إزهاق الروح بناء على شكوك أو ريبة. وتعليقاً على إحدى الحالات التي تم فيها القتل بناء على مجرد الشكوك، تقول إحدى الكاتبات الصحفيات: قتلوها.. وكانت بريئة: كانت قرنفلة حمراء تتبسم للندى، الكل يحلم بسحر عينيها.. بأبيات الشعر المنثورة على شفتيها.. كانت ضحوكاً تُباهى الربيع بفتنتها دون خجل. كانت لماحة، ذكية، أفلتت من كل المؤامرات على أنوثتها.. المجتمع الذي فتح «باب التوبة» للمخطئات دون شرط أو قيد، وتعاطف مع المغتصبة لإعلاء قيمة «الستر».. تركهم يغتالونها معنوياً.. مضغوا سمعتها على المقاهي.. نشروا شائعات ملوثة حولها.. نسجوا ألف حكاية عن جسدها البضّ، وثغرها الواعد، وتجلياتها في الغرف المغلقة.. قالوا إنها فقدت شرفها، فقتلها أخوها ثأراً لشرفه. ثم جاء تقرير الطب الشرعي ليؤكد أنها ماتت بكراً (!!)ما هذا الشرف الرخيص الذي تغتاله النميمة على المقاهي، وتمضغه النساء كالعلكة على سبيل التسالي؟ (يراجع: سحر الجعارة، «غش تجاري» في قسيمة زواج، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الجمعة الموافق 10 سبتمبر 2021م، السنة العاشرة، العدد 3421، الصفحة السادسة).

جرائم الشرف والمجرم العاطفي

تندرج «جرائم الشرف» تحت ما يطلق عليه علماء الإجراء تعبير «القتل العاطفي». ويقع ما يعرف بالقتل العاطفي ضمن طائفة الجرائم المبررة أو المباحة في تقدير مرتكبيها (Délits légitimés)، وهي التي تكون في نظرهم غير ذات صفة إجرامية أو على الأقل غير مستهجنة ومقبولة ومبررة في الثقافة الفرعية التي يعيشون فيها ويقعون تحت تأثيرها. ولبيان ذلك، يلاحظ أن مسار الجريمة يمر بعدة مراحل، وعلى نحو تدريجي وبطريقة تحدث تغييراً في طبيعة الحكم الذي يصدره الشخص على الفكرة الإجرامية التي تراوده. وهكذا، فإن الشخص تنفيذ الجريمة، إذا توصل من خلال المراحل السابقة إلى إضفاء صفة المشروعية على الجريمة المزمع ارتكابها وإلى تفادي كل مقاومة أخلاقية ضد تنفيذها والنظر إلى المجني عليه المقصود باعتباره مذنباً. وتتم كل هذه القرارات في اللاشعور، حتى ينتهي الأمر بفقدان تأثير القوى الأخلاقية والاجتماعية المانعة من الجريمة وبالنظر إلى السلوك الإجرامي المزمع كضرورة حتمية. فالمجرم لا يتمثل جريمته كفعل مطابق للقانون أو للأخلاق، وإنما يتصرف كما لو كان يمارس حقاً من حقوق السيادة في معاقبة الآخر. وقد يبلغ الأمر بالقاتل حداً يجعله يرتكب الجريمة باسم العدالة، مؤكداً أن ما دفعه إلى ذلك شعور إنساني طبيعي يطالب بالانتقام أو الردع، وأنه لم يكن يستطيع لما وقع دفعاً. وعندما تقع الجريمة، قد يلجأ القاتل إلى اتهام نفسه، ويعلن ندمه على فعله، ولكن هذا الندم ظاهري أكثر منه حقيقي. وهذا الفرض هو الذي ينطبق عليه وصف «القتل العاطفي».

وإذا كانت كل جريمة هي في المعنى العام ذات صفة عاطفية، باعتبارها تهدف إلى إشباع عاطفة معينة بالمعنى الدارج لهذا التعبير، فإن «الجريمة العاطفية» بالمدلول الدقيق لهذا الاصطلاح لها خصائص ذاتية تميزها عما عداها من طوائف الجرائم الأخرى. بيان ذلك أن «الجريمة العاطفية» تنشأ على أثر تنازع بين الحب والكراهية بين شخصين. وإذا كان المجرم في «الجريمة النفعية» يسعى إلى تحسين نمط حياته والنظر إلى مستقبل أفضل على ضوء المغنم الذي تجلبه له الجريمة، فإن المجرم في «الجريمة العاطفية» يفكر بطريقة مختلفة. إذ يعتقد أن حياته التي تملكها تماماً أو عكر صفوها شخص آخر، لم يعد لها معنى وقد يفكر في الانتحار قبل التخلص من هذا الشخص الآخر. ومن هنا، كان تعاطف الجمهور معه باعتباره مستحقاً لهذا التعاطف. ومع ذلك، يشير العالم دي جريف إلى أن الفحص النفسي للمجرم العاطفي لا يؤكد جدارته بذلك الوصف؛ فهو شديد الأنانية، ذو حساسية مرضية بدائية، قليل التعليم، غير قادر على التحكم في نفسه، والحب الذي يتحدث عنه ليس حباً ناضجاً وإنما مرادف للتملك.

أما عن دوافع القتل العاطفي، فقد خلصت بعض الدراسات إلى أن أهمها يتمثل في الشعور بالكبرياء المجروحة أو بظلم واقع عليه أو الغرور الذي تعرض للإثارة أو الخوف من التعرض للسخرية أو الاستفزاز من جانب المجني عليه أو الشعور بالغيرة (د. أحمد عوض بلال، علم الإجرام، النظرية العامة والتطبيقات، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1985م، ص 442 و443).

المبحث الثاني

جرائم الشرف في خطة التشريعات العربية

تمهيد وتقسيم:

تتعدد صور السلوك الإجرامي المعتبرة من جرائم الشرف، وإن كانت جميعا تحت الجرائم الماسة بالأشخاص أو بالأجنة، ويمكن حصرها في ثلاث صور، هي قتل الزوج زوجته المتلبسة بالزنا، وقتل المرأة وليدها المولود سفاحاً، والإجهاض اتقاءً للعار. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على هذه الصور الثلاث تباعاً، مبينين خطة التشريعات العربية بشأن كل جريمة منها، وذلك في مطالب ثلاثة، كما يلي:

المطلب الأول: قتل الزوج زوجته المتلبسة بالزنا.

المطلب الثاني: قتل المرأة وليدها المولود سفاحاً.

المطلب الثالث: الإجهاض اتقاءً للعار.

المطلب الأول

قتل الزوج زوجته المتلبسة بالزنا

تمهيد وتقسيم:

باستقراء خطة التشريعات العربية في شأن قتل الزوج زوجته المتلبسة بالزنا، يبدو سائغاً التمييز بين طوائف ثلاث؛ أولها، يقرر عقوبة مخففة لقتل الزوجة المتلبسة بالزنا. وثانيها، كان يقرر عقوبة مخففة لقتل الزوجة المتلبسة بالزنا، ولكن اتجه مؤخراً إلى إلغاء العذر المخفف. وثالثها، يخلو من العذر المخفف، بحيث لم يتجه مطلقاً إلى تخفيف عقوبة القاتل في أي وقت من الأوقات.

اتجاه تقرير عقوبة مخففة لقتل الزوجة المتلبسة بالزنا

في جمهورية مصر العربية، وطبقاً للمادة (237) من قانون العقوبات، الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937م، «من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236».

وفي مملكة البحرين، ووفقاً للمادة (334) من قانون العقوبات، الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م، «يعاقب بالحبس من فاجأ زوجه متلبسا بجريمة الزنا فقتله وشريكه في الحال أو اعتدى عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة. ويسري هذا الحكم على من فاجأ أحد أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر».

وفي دولة الكويت، وطبقاً للمادة (153) من قانون الجزاء رقم (16) لسنة 1960م، معدلة بموجب القانون رقم 46 لسنة 1960م، «من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا، أو فاجأ بنته أو أمه أو أخته حال تلبسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها أو قتلهما معًا، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».

وفي الاتجاه ذاته، تنص المادة (340) من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960م على أن «-1 يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو اخواته حال تلبسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع فقتلها في الحال او قتل من يزني بها او قتلهما معا او اعتدى على أحدهما او كليهما اعتداء أفضى إلى جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة أو موت. -2 ويستفيد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية فقتلته في الحال أو قتلت من يزني بها أو قتلتهما معا أو اعتدت على أحدهما أو كليهما اعتداء أفضى إلى جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة أو موت. -3أ- ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي بحق من يستفيد من هذا العذر. ب- كما لا تطبق على من يستفيد من العذر المخفف أحكام الظروف المشددة». وبالإضافة إلى ذلك، فإن المادة الثامنة والتسعين من قانون العقوبات الأردني كانت تنص على أن «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه». ولكن، وبموجب القانون رقم 27 لسنة 2017م، تم تعديل المادة الثامنة والتسعين من قانون العقوبات، باعتبار ما ورد فيها الفقرة (1) منها وبإضافة الفقرة (2) إليها بالنص التالي: 2- لا يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف المنصوص عليه في الفقرة (1) من هذه المادة إذا وقع الفعل على أنثى خارج نطاق أحكام المادة (340) من هذا القانون.

وينتقد بعض الكتاب موقف التشريعات المخففة لعقوبة القتل بدافع الشرف، قائلين إنه: «ما دام قانون العقوبات يعتبر أن المساس بالأعراض والأخلاق والدوافع المتعلقة بشرف الإنسان كفيلة بتخفيض عقوبة القاتل من الإعدام إلى ثلاث سنوات.. وما دامت الشبهات تختلط بالعادات والتقاليد بالحلال والحرام، فرأىُ الشرع ليس ملزماً لزوج يريد التخلص من زوجته أو أخ يريد القضاء على أخته، وذلك فيما عدا حالات التلبس (سحر الجعارة، «غش تجاري» في قسيمة زواج، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الجمعة الموافق 10 سبتمبر 2021م، السنة العاشرة، العدد 3421، الصفحة السادسة).

اتجاه الغاء العذر المخفف

في سلطنة عمان، كانت المادة (252) من قانون الجزاء الملغي، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/ 74)، تنص على أن «يستفيد من العذر المحل أو من تخفيف العقوبة وفاقاً لأحكام المادة 109 من هذا القانون، من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا، أو فاجأ أمه أو أخته أو ابنته، حال تلبسها بالمضاجعة غير المشروعة، فأقدم في الحال على قتلها أو إيذائها أو قتل من يزني بها أو يضاجعها أو إيذائه، أو قتلهما معًا أو إيذائهما». ولكن، وألغي قانون الجزاء رقم (7/ 74)، وحل محله قانون الجزاء الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/ 2018). وقد ورد قانون الجزاء الجديد خلواً من نص مماثل.

في دولة الإمارات العربية، كانت المادة (334) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م تنص على أن «يعاقب بالسجن المؤقت من فوجئ بمشاهدة زوجته أو ابنته أو أخته حال تلبسها بجريمة الزنا فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً، ويعاقب بالحبس إذا اعتدى عليها أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة. وتعاقب بالسجن المؤقت الزوجة التي فوجئت بمشاهدة زوجها حال تلبسه بجريمة الزنا في مسكن الزوجية فقتلته في الحال أو قتلت من يزني بها أو قتلتهما معاً، وتعاقب بالحبس إذا اعتدت عليه أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر». ولكن، وبموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (15) لسنة 2020م، تم إلغاء المادة سالفة الذكر، بما يؤدي إلى خضوع جريمة القتل المرتكبة في هذه الحالة للنصوص العامة بشأن جريمة القتل. ومؤخراً، صدر المرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم والعقوبات، والذي يعمل به اعتباراً من 2 يناير 2022م، والذي ألغى قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م. وبالاطلاع على قانون الجرائم والعقوبات، نجد أنه قد ورد خلواً من نص مماثل للمادة (334) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987م قبل تعديله بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (15) لسنة 2020م.

وفي الجمهورية العربية السورية، كانت المادة 548 من قانون العقوبات الصادر سنة 1949م تنص على أن «1. يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو اخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو على قتل أو ايذاء أحدهما بغير عمد. 2. يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر». ولكن، وفي يوم الأربعاء الموافق الأول من يوليو عام 2009م، صدر المرسوم التشريعي رقم 37 لعام 2009 بتعديل قانون العقوبات العام حول تعديل المادة 548م، متضمناً تعديل هذه المادة، بحيث أصبح نصها كما يلي: «يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل». ثم، وفي يوم الاثنين الموافق الثالث من يناير سنة 2011م، صدر المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2011 بتعديل قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949م، والذي عُدل بموجبه عدد من مواد قانون العقوبات السوري، ومن بينها المادة (548) من قانون العقوبات، حيث نص المرسوم على إلغائها والاستعاضة عنها بالنص التالي: «يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد وتكون العقوبة الحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل». وأخيراً، وفي السابع عشر من مارس 2020م، صدر القانون رقم 2 لعام 2020 القاضي بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات المتعلقة بمنح العذر المخفف بـجرائم الشرف. وبذلك، صار سلوك إزهاق الروح في هذه الحالة خاضعاً للنصوص العامة بشأن جريمة القتل.

اتجاه الخلو من العذر المخفف

في المملكة العربية السعودية، لم تتضمن النظم الجنائية الصادرة في المملكة أي نص يقرر عذراً مخففاً لمن يقتل زوجته أو أي من شقيقاته أو بناته حال تلبسهم بالزنا وحدوث المفاجأة له بهذه الجريمة.

في دولة قطر، لم يتضمن قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 2004م أي نص مقرر لعذر مخفف لمن يرتكب جريمة القتل في هذه الحالة. وبدوره، لم يرد مثل هذا النص في قانون العقوبات القطري الملغي رقم (14) لسنة 1971م.

المطلب الثاني

قتل المرأة وليدها المولود سفاحاً

تمهيد وتقسيم:

باستقراء خطة التشريعات العربية بشأن جريمة قتل المرأة وليدها المولود سفاحاً، يمكن التمييز بين اتجاهين؛ أولهما، يقرر عقوبة مخففة لقتل المرأة وليدها المولود سفاحاً. أما ثانيهما، فيخلو من نص خاص في شأن هذه الجريمة، الأمر الذي يعني خضوعها لنصوص التجريم العامة بشأن جريمة القتل.

اتجاه تقرير عقوبة مخففة لقتل المرأة وليدها المولود سفاحاً

طبقاً للمادة (159) من قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960م، «كل امرأة تعمدت قتل وليدها فور ولادته، دفعاً للعار، تعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز خمسة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».

وفي الإطار ذاته، تنص المادة (332) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960م على أن «تعاقب بالاعتقال مدة لا تنقص عن خمس سنوات، الوالدة التي تسببت – اتقاء العار – بفعل أو ترك مقصود في موت وليدها من السفاح عقب ولادته».

وفي الاتجاه ذاته، كانت المادة (156) من قانون العقوبات القطري الملغي رقم (14) لسنة 1971م تنص على أنه «إذا تسببت امرأة في قتل طفلها الذي حملته سفاحا، اتقاء للعار، بفعل أو ترك مقصود، تعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ألفي ريال أو بالعقوبتين معا». وبدورها، تنص المادة (303) من قانون عقوبات قطر الساري حالياً رقم (11) لسنة 2004م والمعمول به اعتباراً من 14 يونيو 2004م، على أن «تُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، المرأة التي قتلت عمداً طفلها الذي حملته سفاحاً، عقب ولادته مباشرة، اتقاءً للعار».

وبدورها، تنص المادة (303) من قانون الجزاء العماني رقم (7/ 2018) على أن «تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (10) عشر سنوات، المرأة التي قتلت عمدا طفلها الذي حملت به سفاحا، عقب ولادته مباشرة، اتقاء للعار».

وفي الجمهورية العربية السورية، وبموجب المرسوم التشريعي رقم (1) لسنة 2011م بتعديل قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949م، تم إلغاء المادة (537) من قانون العقوبات، والاستعاضة عنها بالنص التالي: «1- تعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات الوالدة التي تقدم، اتقاءً للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحاً. 2- ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا وقع الفعل عمداً».

اتجاه الخلو من تقرير عقوبة مخففة لهذه الجريمة

باستثناء التشريعات العربية سالفة الذكر، يمكن القول إن التشريعات العربية الأخرى تخلو من تقرير عقوبة مخففة لجريمة قتل المرأة وليدها المولود سفاحاً. ومن ثم، فإن هذا السلوك يخضع للعقاب تحت نصوص التجريم العامة بشأن القتل.

والواقع أن قتل الأطفال حديثي الولادة (Infanticide) هي جريمة بشعة، وتكمن بشاعة هذه الجريمة في ضعف المجني عليه فيها وبراءته. وقد كانت هذه الجريمة شائعة الوقوع في العصور القديمة وفي العصور الوسطى وجانب من العصور الحديثة. وهذه الجريمة لم تختف في الوقت الحالي، ولاسيما في حالة قتل الأبوين أو أحدهما للطفل خشية الفضيحة. ولعل هذا الباعث هو الذي كان شائعاً لفترة طويلة في تفسير وقوع هذه الجريمة. ومع ذلك، فقد لوحظ أن الاتجاهات التساهلية للمجتمعات الغربية الحديثة وغيرها من المجتمعات المعاصرة حول الحرية الجنسية لم تقض رغم ذلك على هذه الجريمة. ومن هنا، تساءل الباحثون عن تفسير آخر لارتكابها. وقد وجده البعض في التكوين النفسي الخاص بالأم التي تقتل وليدها، حيث رأوها مصابة بخلل عاطفي مصحوب بأزمات إثارة وقلق يمكن أن يؤدي إلى حالات اكتئاب بالغة الخطورة يقع خلالها القتل (د. أحمد عوض بلال، علم الإجرام، النظرية العامة والتطبيقات، المرجع السابق، ص 445).

المطلب الثالث

الإجهاض اتقاءً للعار

تمهيد وتقسيم:

باستقراء خطة التشريعات العربية في شأن جريمة الإجهاض اتقاءً للعار، يبدو مستساغاً ومقبولاً التمييز بين اتجاهات ثلاثة؛ أولها، يقرر عذراً مخففاً في حالة الإجهاض اتقاءً للعار. وثانيها، يقرر عقوبة مخففة للمرأة التي تجهض نفسها اتقاءً للعار، وبحيث تكون هذه العقوبة أقل من العقوبة المقررة لجريمة الإجهاض بوجه عام. أما ثالثها، فيخلو من نص خاص في هذا الشأن، الأمر الذي يقود إلى تطبيق نصوص التجريم العامة في شأن جريمة الإجهاض على سلوك من يرتكب فعل الإجهاض أو يسهم فيه، اتقاءً للعار.

اتجاه تقرير عذر مخفف في حالة الإجهاض اتقاءً للعار

تنص المادة (324) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960م على أن «تستفيد من عذر مخفف، المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين (322 و323) للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثالثة».

ولعل من المفيد في هذا الشأن الإشارة إلى الفتوى الصادرة عن «دار الإفتاء المصرية» بجواز ترقيع «غشاء البكارة» للمغتصبة والمغرَّر بها. كذلك، أفتت دار الإفتاء بجواز إجهاض المرأة المغتصبة، شريطة ألا تكون مدة الحمل قد تجاوزت أربعة أشهر. ويبدو أن بعض الكتاب يستنكرون صدور هذه الفتاوى من الأساس، مؤكدين من الأولى تغيير الثقافات المجتمعية الفاسدة وتغيير العادات والتقاليد المضادة للشرائع والقوانين، ناظرين إلى هذه الفتاوى على أنها تعكس مفهوم الشرف باعتباره مجرد «اختراع ذكوري» لفرض السلطة الأبوية ووصاية الأخ والزوج من بعده ليظل مستقبل الأنثى ودخلها وميراثها تتنقل من عصمة ذكر إلى عصمة الآخر. فعلى حد قولهم، «البغي ليست بحاجة لفتاواكم، والمغتصبة تعرف حقوقها، والبكر الرشيد أيضاً.. فلا تفتحوا سوقاً للأغشية المزوَّرة وتغلقوا أبواب الصدق.. المفروض أن تتغير ثقافة المجتمع ليصبح أكثر رقياً وإنسانية ليقبل بالمُغرَّر بها، وليس أن يتم ترقيع ثقافته وتدينه!» (سحر الجعارة، «غش تجاري» في قسيمة زواج، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الجمعة الموافق 10 سبتمبر 2021م، السنة العاشرة، العدد 3421، الصفحة السادسة).

اتجاه تقرير عقوبة مخففة للمرأة التي تجهض نفسها اتقاءً للعار

تنص المادة (315) من قانون الجزاء العماني رقم (7/ 2018) على أن «تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر، ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات كل امرأة أجهضت نفسها عمدا بأي وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن (10) عشرة أيام، ولا تزيد على (3) ثلاثة أشهر إذا أجهضت المرأة نفسها أو مكنت غيرها من ذلك اتقاء للعار».

اتجاه الخلو من عذر مخفف أو عقوبة مخففة

باستثناء التشريعات العربية سالفة الذكر، يمكن القول إن التشريعات العربية الأخرى تخلو من تقرير عقوبة مخففة لجريمة الإجهاض اتقاءً للعار. ومن ثم، فإن هذا السلوك يخضع للعقاب تحت نصوص التجريم العامة بشأن إجهاض المرأة نفسها، لأي سبب آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى