شطط ضرير !
شطط ضرير !
نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 24 / 7 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
منذ نحو اثنى عشر عامًا، وتحديدًا فى ديسمبر2008 ، وقع حادث بالمنيا أدى إلى سقوط أتوبيس مغاغة بترعة الإبراهيمية، وغرق للأسف سبعون غريقًا .. وبين الأحزان التى شملتنا جميعًا ، فوجئت بإحدى الصحف الخاصة تخرج علينا فى 16 ديسمبر بمانشيت سماوى على صدر الجريدة، يقول : « عقاب إلهى لأحمد ضياء الدين ( وكان محافظًا للمنيا ) على دفاعه عن تعذيب ضباط الشرطة للمواطنين ؟! ».
والعجيب فى هذا المانشيت وصف المأساة التى طالت سبعين نفسًا من الأبرياء الذين لم يرتكب أحدهم وزرًا ـ بأنها ـ أى المأساة : « عقاب إلهى » .
وبداهة لا يمكن أن ينزل « عقاب إلهى » بأبرياء , والله لا يعاقب أحدًا بوزر أو ذنب آخر , فلكل إنسان طائره فى عنقه , وكل امرئ بما كسب رهين , ولا تزر وازرة وزر أخرى .
فإذا كانت الجريدة تنسب الوزر إلى « محافظ » , فإن شيئًا لم ينزل به حتى يتصدر المانشيت « عقاب إلهى » !! وإنما راح ضحية الحادث سبعون غريقًا أبرياء لا ذنب لهم فى حادث مأساوى وجف له قلب مصر !
هل بوصلة العقاب الإلهى ـ لا تعرف طريقها وتخطئ هدفها ، فتودى بحياة سبعين بريئا ليغرقوا فى قاع ترعة الإبراهيمية على مذبح عقاب السيد المحافظ عقابا إلهيا ؟!
ما ذنب هؤلاء الغرقى السبعين أن تذهب حياتهم عقابا ـ إلهيا ـ للسيد المحافظ ، وما ذنب الزوجات والأمهات الثكلى ، والأطفال الذين يتموا ، أن يكابدوا رحيل ضحاياهم ويحتملوا تبعات رحيلهم على حياتهم وأقواتهم ومعايشهم ومصائرهم ومعاناتهم من بعدهم ؟!
ذكرنى هذا الربط المخيف الضرير ، بقالة لأحد علماء الدين أطلق فيها أن ضحايا إعصار مدمر ذهب بحياة مئات الألوف فى دولة غربية ، بأنه ما كان جزاءً ( إلهيا !) وفاقا للعالم على خروجه على الدين !
هل التزمنا بحدودنا البشرية وأدركنا كم هو مخيف وضرير أن ننسب الحوادث والكوارث والملمات إلى عقاب إلهى ، بينما لا صلة ولا رابط ولا سببية بين ضحايا الحادث أو الكارثة أو الملمة وبين ما يعتقده المعتقد ـ صح أم أخطأ ـ فى أوزار وخطايا آخرين لا علاقة للضحايا بهم أو بأوزارهم !!
هل يستطيع مخلوق أن يستقرئ الإرادة الإلهية ، وأن يرد وينسب إليها ما يريد أو ما يعتقد ؟! أليس هذا تطاولا على المشيئة الإلهية ، ورجما فيما لا يجوز فيه الرجم ؟!
وهل يدرك الراجم أن « شخصية المسئولية » ركن ركين فى مبادئ القرآن الحكيم ، فإذا خرجـت ـ ظاهريا ! ـ عن هذه الحدود ، فلعلةٍ لا يعرفها ولا يدركها المخلوقون ، فالله تعالى يقول فى محكم تنزيله : « وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه » . ويقول : « كل امرئ بما كسب رهين ».. ويقول فى عدة سور : « ولا تزر وازرة وزر أخـرى ».. ويقول : « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يــره » .
مؤدى هذا المبدأ القرآنى أن الواحد لا يؤخذ بوزر غيره ، وأن الأمة لا تؤخذ بوزر أخرى ، وأن الوزر موقوف على مقارفه لا يمتد خارجه ولا يمس سواه !
لا يمكن لمخلوق أن يفترض ناهيك عن أن ينسب شيئا كبر أم صغر إلى إرادة الله ، ناهيك بأن يكيفه ويستقرئ أسبابه حسب معتقده أو هواه . مخيف وضرير أن نصدر للناس أن الضحايا السبعين الأبرياء الذى ابتلعتهم مياه ترعة الإبراهيمية عند مغاغة ، كانوا قرباناً لعقاب إلهى ! ـ أرادت المشيئة الإلهية إنزاله بالسيد محافظ المنيا !!
هذا الشطط الضرير يصيب بالحول معتقدات الناس ، ويمثل أسوأ مواساة لأسر الضحايا الأبرياء الراحلين !!
من المؤسف أن تضل « بوصلة » جريدة تخاطب الآلاف هذه الضلالة , ويتوه منها أن الأصل الواجب هو التوجيه والإصلاح والتنوير ، وليس الغرق فى هاوية « المسايرة » التى ترضى غرائز الضالين وأصحاب الهوى ، وتثير أشواق النميمة ، ولا تسعى إلاَّ لاستجلاب زيادة التوزيع ، حتى وإن بثت الحول والعماء ونشرت مدركة أو غير مدركة عوامل الفساد والإفساد والضلال !