شخوص الأمر الواقع!

بقلم أ/ أحمد محمود سلام

سألوا الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقه من سيحكم الجزائر بعدك .. فأجاب لا أحد بعدي!

توقفت طويلاً أمام ذلك التعبير الذي قد يفهم منه أن ذلك يعني الأنانية، ولكن الواقع ينطق بأن ذلك التصريح وعلي أرض الواقع كاشفا عن أزمة صارت من معضلات تداول الأيام.!

الأماكن شاغرة وإن جلس من جلسوا بحكم تداول الأيام، والمقارنة ظالمة ليس لأن مصر تخلو من الأفضل، ولكن التجريف الممنهج طوال الحقب الماضية، واستشراء ثقافة فرق تسد واختيار أهل الثقة وإبعاد ذوو الجدارة، ترتب عليه أن طغي آثر شخوص الأمر الواقع في الفن والأدب والسياسة والصحافة، ودائما يزداد الحنين إلي الماضي رغم أن الامكانيات كانت محدودة.

لقد أثمرت الكتاتيب عن عمالقة؛ بداية من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وأجمل الأصوات كانت من ثمار عبقرية الفطرة، التي ترتب عليها أن أضحت القوة الناعمة لمصر بمثابة تاريخ موضع إلهام في أيام عنوانها علي الدنيا السلام.

التساؤل لماذا يتواري الأجمل؟، والإجابة لأن الأرض صارت كما يقال مالحة لاينبت فيها مايرجي من ثمر.!

تعيش مصر إذًا علي عبق الماضي، ومن منطلق أن الحاضر ضبابي ؟!…لم تزل أم كلثوم سيدة الغناء العربي، ولم يزل الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، لم يزل أمير الشعراء هو أحمد شوقي، ولم يزل عبق الماضي حاضراً بقوة في الصحافة والفن والأدب والرياضة وفي كل آن وحين.

نفتقد زمن المعلم الجميل، وزمن الطبيب الذي كان يطلق عليه الحكيم، ونقرأ علي ترويسة الصحف أسماء ونترحم علي العمالقة مصطفي وعلي أمين، ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين، وكامل زهيري وإحسان عبد القدوس، ومحمد التابعي والقائمة طويلة.

غاب عباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، ونجيب محفوظ، تزامنا مع غياب تعلق المصريين بالقراءة في زمن الركض وراء الستر.

الهرولة وراء حفلات غنائية لشخوص ليس لها محل من الإعراب، يجعل من زمن أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفريد الاطرش، ومحمد عبد المطلب، الغائب الحاضر في أيام العبث التي نحياها الآن .!

لم أقترب من المشهد السياسي، لأنه لايوجد ساسة بمصر منذ ثورة 23يوليو سنة1952، ولابديل عن الجيش، وسيظل خيار الرئيس المدني يخاطب العدم لأجل غير مسمى .

شخوص الأمر الواقع حجر عثرة في سبيل بناء الوطن، ولابد من فتح الأبواب أمام الكفاءات والمواهب، وأهل الخبرة واستلهام الماضي وصولا لبعث قوة مصر الناعمة التي نحيا عليها اليوم، ونغمض العين كي لانري الأماكن الشاغرة وما أكثرها .

مصر إذاً ثرية، وماكانت يوماً فقيرة واليقين أن العدل والمساواة، وثورة الأخلاق، بمثابة إنقاذ وطن من استمرار الحنين إلي الماضي، هروبا من حاضر يعج بشخوص الأمر الواقع .

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى