سلوكيات “2”
ماهر الحريري
لكل منا سلوكه. ومن شخص لآخر، يختلف ذلك السلوك الشخصي، حسبما تختلف البيئات، وتتنوع الثقافات. لكن يبقى دائما السلوك المهني ثابتا لا يتغير، وفقا لما تفرضه قوانين ولوائح كل مهنة. ولعل من أبرز ما تفرضه على المحامي مهنة المحاماة هو الالتزام في سلوكه بمبادئ الشرف والنزاهة، والقيام بواجباته على خير وجه من بذل جهد وتوظيف صحيح فكر. ومتى ارتضى لنفسه قبول الوكالة، فلا يجوز له التخلي دفاعا عن متهم جنائي إلا إذا منعته ظروفه الخاصة، أوملابسات الدعوى من أن يؤدي عمله بأمانة وكفاءة. إذا كان المحامى مطالبا ببذل كل عناية فيما يقبله أصيلا ووكيلا من دعاوى، فيصبح لزاما عليه أن تكون المساعدات القضائية لغير القادرين وفقا لحالات استوجبها القانون، ولا يجوز له التنحي، حال انتدابه في قضية، إلا بعد استئذان المحكمة المترافع أمامها، وعليه الاستمرار في مهمته حضورا حتى قبول تنحيه أو حضور غيره.
ويبقى المحامي لموكله مستودع أسراره، فلا يفشي له سرا، ولا يدلي بشهادة معلومات وواقعات علم بها بسبب ممارسته لمهنته إلا إذا كان كتمانها يشكل جريمة، سواء جناية أو جنحة. ولا يجوز لمن تولى وظيفة عامة أو خاصة قبل عمله بالمحاكم أن يقبل لنفسه ضد جهة عمله السابقة، وكالة أو بواسطة المحامين بمكتبه، إلا بعد مرور ثلاث سنوات على انتهاء علاقته بتلك الجهة، بمن في ذلك المحامون من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وكذا المجالس المحلية، ويحظر عليه استخدام أية وسيلة دعائية، ترغيبا، في أثناء مزاولته لمهنته، اللهم إلا درجة قيده وأقاربه العلمية دون الإشارة لمنصب سابق تولاه، وعليه أن يمتنع عن ذكر أية أمور شخصية تسئ للخصم موكله، أواتهامه بما يمس شرفه وكرامته في غير حالة ضرورة تقتضيها أصول الدفاع، ولا يجوز له نشر أمور من شأنها التأثير في سير الدعوي لمصلحة موكله، أوضد خصمه، أو الإدلاء بتصريحات أو بيانات عن قضايا منظورة، يتولى فيها الدفاع.. ليس هذا فحسب، بل عليه أن يراعي في مخاطبته للمحاكم والهيئات القضائية، حال انعقادها، التزام أساليب التوقير، وفقا لقواعد الاحترام المتبادل. وفوق هذا وذاك، عليه في تعامله مع زملائه التزام ما تقضي به قواعد اللياقة، وتقاليد المحاماة، فتلك هي المحاماة، سلوكا وقانونا، ومن أرادها غير ذلك، فلا مكان له بقلعة الحريات، فلا تستقيم مهنة إلا بإرساء وتعميم قواعدها وتقاليدها.