سلطة القاضي في تقدير دليل الإثبات

بقلم/ أحمد مسعد زهران

من المستقر عليه فقها وقضاء، هو حرية القاضي الكاملة في تقدير أدلة الإثبات المطروحة على بساط المحكمة من الخصوم جميعهم، وفق ما يطمئن إليه ضميره، وما يرتاح إليه وجدانه وشعوره، وذلك في العموم.

إلا إنه على سبيل التخصيص، ميز القانون بين حرية القاضي المدني، وحرية القاضي الجنائي في تقدير الدليل وذلك علي النحو التالي:ـ

أولاً:ـ حرية القاضي المدني في تقدير الدليل: أسست أحكام النقض إلي أن للقاضي المدني الحرية في تقدير الدليل المطروح علي بساط حكمه، ولايخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض، فالمحكمة ليست ملزمة بتسبيب قرارها بالإطمئنان، أو عدم الإطمئنان لشهادة شخص معين، أما إذا أوردت أسباباً لذلك فيتعين أن تكون تلك الأسباب سائغة.

  “نقض مدني ١٩٩٠/٤/٨”

وأن هذه السلطة في التقدير ورد عليها بعض القيود أهمها أن يبني القاضي حكمه علي أساس الأدلة التي قدمت في الدعوي بالطريق الذي رسمه القانون، فإحترماً وتثبيتاً لمبدأ حياد القاضي المنصوص عليه بالمادة ١٤٦ من قانون المرافعات، لايستطيع أن يقضي بعلمه الشخصي بوقائع للدعوي لم يُراعِ في تقديمها الطريق الجائز قانوناً، ويستثني من ذلك ما يتعلق بمعلومات أو خبرة عامة يفترض إلمام الكافة بها فذلك لا يعتبر عندئذٍ من قبيل العلم الشخصي، وإنما ينصب ذلك فقط علي المسائل الفنية التي لا يفترض علم الشخص العادي بها، وتحتاج إلي علم ودراية خاصة من أهل أهل الخبرة.

ثانياً:- نصت المادة ٣٠٢ من قانون الإجراءات الجنائية، علي أن يحكم القاضي في الدعوي حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته) ومرد ذلك النص؛ أن للقاضي الجنائي الحرية في تقدير عناصر الإثبات (الدليل) التي يستمد منها إقتناعه أو بتعبير آخر حريته في تقدير قيمة الدليل ذاته المعروض علي بساط بحثه تقديراً منطقياً سليماً.

وقد ذهب قضاء النقض أيضاً إلي أن العبرة في المحاكمات الجنائية، هي بإقتناع القاضي بناءً علي الأدلة المطروحة أمامه، سواء أكانت بالإدانة، أو البراءة ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون غيره.

ولمحكمة الموضوع في المسائل الجنائية كامل الحرية في تقدير في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن له مأخذ صحيح في أوراق الدعوي، إلا أنه أورد القانون قيوداً علي حرية القاضي في تقدير الدليل :-

فقد ذهبت محكمة النقض إلي أن (القانون أمد القاضي الجنائي بسلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت الجرائم، أو عدم ثبوتها، والوقوف علي حقيقة علاقة المتهمين، ومقدار إتصالهم بها ففتح له باب الإثبات على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلي الكشف عن الحقيقة، ويزيد فوه الإثبات المستمدة من كل عنصر بمحض وجدانه فيأخذ بما تطمئن إليه عقيدته، ويطرح ما لا ترتاح إليه غير ملزم بأن يسترشد في قضائه بقرائن معينة بل له مطلق الحرية في كل حالة، حسبما يستفاد من وقائع كل دعوى، وظروفها بغية الحقيقة ينشدها أني وجدها، ومن أي سبيل يجده مؤدياً ولا رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده، وهذا هو الأصل الذي أقام عليه القانون الجنائي قواعد الإثبات لتكون موائمة لما تستلزمه طبيعة الأفعال الجنائية، وتقتضيه مصلحة الجماعة من وجوب معاقبة كل جانٍ وتبرئة كل برئ).

“نقض جنائي ١٩٣٩/٦/١٢”

وقد وضعت محكمة النقض عن طريق رقابة التسبيب قيداً قيدت به حرية القاضي الجنائي في الإقتناع يقوم علي ضرورة أن يكون اقتناعه يقينياً غير منطوي علي مخالفة لمقتضيات العقل والمنطق.

حتي في غير المسائل الجنائية ألزم القانون المحاكم الجنائية بنص المادة ٢٢٥ إجراءات جنائية من أن “تتبع المحاكم الجنائية في المسائل غير الجنائية التي تفصل فيها تبعاً للدعوى الجنائية طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بتلك المسائل.”

وكذلك نصت المادة ٣٠٢ إجراءات نصت علي  “يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة، وكل قول يثبت أنه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة الإكراه أو التهديد به يهدر ولا يعول عليه”.

زر الذهاب إلى الأعلى