سقوط الخصومة التأديبية

المستشار الدكتور  إسلام إحسان ـ نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية

يختلف مدلول الخصومة التأديبية عن الدعوى التأديبية ، إذ تبدأ الخصومة التأديبية بإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة إعمالاً للمادة ( 34 ) من القانون رقم 47 لسنة 1972 ،     و تشمل الخصومة كافة الأعمال الإجرائية التى تتلو الإيداع حتى يصدر الحكم البات ، و من ثم لا تعد الأعمال الإجرائية السابقة على رفع الدعوى التأديبية جزء من الخصومة التأديبية .

إذا كانت الدعوى التأديبية تسقط بمضى المدة بإنقضاء ثلاث سنوات من أخر إجراء من إجراءات التحقيق أو الإتهام أو المحاكمة أو بسقوط الدعوى الجنائية وفقاً لحكم المادة ( 68 ) من القانون 81 لسنة 2016 ، فإن ذلك يخص سقوط الدعوى التأديبية وحدها ، و لا ينصرف إلى سقوط الخصومة التأديبية التى تنتظمها قواعد قانونية أخرى تختلف تماما عن حكم المادة ( 68 ) من قانون الخدمة المدنية المشار إليها .

الإشكالية محل البحث تكمن فى أنه وفقاً لحكم المادة ( 3 ) من القانون رقم 47 لسنة 1972 تسري أحكام قانون المرافعات المدنية على المنازعات التى تختص بها محاكم مجلس الدولة ، و قد ورد النص عاماً مطلقاً ، لا يجوز تقييده أو تخصيصه بنوع معين من أنواع تلك المنازعات دون غيرها ، بما مفاده سريان أحكام قانون المرافعات المدنية على المنازعات التى تقيمها النيابة الإدارية أمام محاكم مجلس الدولة ( الخصومة التأديبية ) ، و لما كان ذلك و كانت المواد من  ( 134 ) إلى ( 140 ) مرافعات قد نظمت سقوط و إنقضاء الخصومة ، فما مدى سريان ذلك على الخصومة التأديبية التى تقيمها النيابة الإدارية أمام تلك المحاكم ؟

الأصل أن العمل الاجرائى سواء رفع دعوى او إقامة طعن او إبداء دفع ، يجب أن يتم مباشرته فى الوقت الذى يحدده القانون ، و يختلف الأثر المترتب على مخالفة ذلك ، ففى الأحوال التى يكون الميعاد مما يوجب القانون انقضاؤه قبل عمل الاجراء ، وحصل الإجراء قبل انقضاء هذا الميعاد فإن العمل الإجرائي يكون غير مقبول ، و لكن لا يسقط الحق فيه بل يجوز اجراؤه بعد انقضاء الميعاد ، كما اذا طعن بالإستئناف فى حكم فرعى قبل صدور الحكم فى الموضوع ، و كان القانون لا يجيز الطعن فى الحكم الاول قبل صدور الحكم الثانى ، فالحكم الذى يصدر بعدم قبول الإستئناف لا يمنع إعادة رفع الإستئناف بعد صدور الحكم فى الموضوع  ، أما الجزاء على القيام بالعمل الإجرائي بعد الميعاد فهو جزاء السقوط ، و الذى يرد على الحق فى مباشرة العمل الاجرائى اذا لم يقم به صاحبه خلال الفترة التى يحددها القانون .

فى المنازعات المدنية ، فإن سقوط الخصومة و انقضاؤها بمضى المدة ثابت  وفقاً للمواد من 134 الى 140 من أحكام قانون المرافعات المدنية و التجارية ، و هو جزاء يوقع على المدعى الذى يهمل السير فى دعواه او طعنه لمدة ستة شهور كامله من تاريخ توقف الخصومة ، او بمضى سنتين من تاريخ توقفها فى جميع الاحوال .

و تسقط الخصومة إذا  توقفت فترة من الزمن حددها المشرع وكان عدم السير فيها بسبب المدعى ، فإذا انتفت ارادة المدعى بأن استحال عليه لاى سبب السير فى الخصومة و القيام بالاجراء المطلوب منه يقف ميعاد السقوط  فالخصومة  تكون فى حماية من السقوط اذا قامت استحالة مادية او قانونية تمنع المدعى من موالاة اجراءاتها  ، و يتعين أن يكون ركود الخصومة لمدة ستة اشهر من اخر اجراء صحيح من اجراءات التقاضى فلا يتخذ خلال تلك المدة اى اجراء صحيح يقصد به موالاة السير فيها  .

مدى جواز سقوط الخصومة الإدارية  

سقوط الخصومة الإدارية ، أمر غير متفق عليه ، و تعددت و تباينت فيه إتجاهات القضاء .

الأتجاه الأول ..  جواز سقوط الخصومة الإدارية ، وفقاً لحكم  المواد (134 ، 136 ، 140 ) من قانون المرافعات المدنية المعدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999 ، و الخصومة الادارية تسقط إذا وقفت لأى سبب من الاسباب مدة تزيد على المدة المسقطة لها و هى اكثر من ستة شهور ، و تنقضى بمضى  سنتين على اخر اجراء صحيح فيها من اجراءات التقاضى ، و ذلك جزاءً للمدعى الذى اهمل او امتنع عن السير فيها  ، بناءً على دفع بذلك من المدعى عليه ( المحكمة الادارية العليا ، الطعن رقم 3247 ، 3269 لسنة 37 ق  جلسة 2 /5/ 1995 – مجلس الدولة – المكتب الفنى لرئيس المجلس – مجموعة المبادىء القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا – السنة الأربعون و الجزء الثانى  من 7 مارس 1995 حتى 26 اغسطس 1995ص 1723 ،  الطعن رقم 1279 لسنة 30 ق- جلسة 23 /5/1987 ، الطعن رقم 2434 لسنة 29 ق- جلسة 10/4/1988 ، الطعن رقم 1182 لسنة 34 قضائية عليا  جلسة 25/7/2000 ، مجلس الدولة – المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة –  مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا ، السنة الخامسة والأربعون – من أول أكتوبر سنة 1999 إلى آخر سبتمبر سنة 2000 – صـ 963 )

مع مراعاة أن المحكمة الإدارية العليا لم تعتد بتاريخ التكليف بالحضور لتعجيل نظر المنازعة الإدارية على النحو المعمول به فى المنازعات المدنية انما تأخذ المحكمة بأن التعجيل يتم فى الخصومة الإدارية إذا تم إيداع طلب  التعجيل خلال المدة التى حددها القانون دون اعتداد بتاريخ التكليف بالحضور .

الأتجاه الثانى .. عدم سريان أحكام سقوط الخصومة على الخصومات الإدارية ، و العلة فى ذلك ان الخصومة الادارية يوجهها القاضى الادارى و ليست متروكة لمشيئة الخصوم  إذ انها وسيلة لكفالة احترام مبدأ المشروعيه و سيادة و احترام القانون ، و على ذلك فإن المادتين  134 و 140 من قانون المرافعات المدنيه تتعارضان مع روح النظام القضائى لمجلس الدولة و من ثم فانهما لا تنطبقان على الخصومة الإداريه التى لا تسقط بمضى المدة ( المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 311 لسنة 31 ق .ع جلسة 5/12 /1989)

قضاء دائرة توحيد المبادئ .. أتجهت دائرة توحيد المبادىء بالمحكمة الادارية العليا إلى عدم جواز سقوط الخصومة الإدارية على إعتبار أن الدعوى الإدارية تقوم على روابط القانون العام وتتمثل فى خصومة مردها إلى مبدأ الشرعية وسيادة القانون وتتحـــرر بالتالى من لدد الخصومة الشخصية التى تهيمن على منازعات القانون الخاص ، وأن طبيعة المنازعة الإدارية تستلزم تدخل القاضى الإدارى بدور ايجابى ، فهو الذى يوجهها ويكلف الخصوم فيها لما يراه لاستيفاء تحضيرها وتهيئتها للفصل فيها ، الأمر الذى يتضح معه أن المادة (134) من قانون المرافعات تتعارض أحكامها مع روح النظام القضائى الذى تقوم عليه محاكم مجلس الدولة ( المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 1522 لسنة 27 ق .ع جلسة 9/4 /2005 )

 آثار سقوط الخصومة

يترتب على سقوط الخصومة عدد من الاثار أهمها زوال الخصومة بما تضمنته من اعمال و ما انتجته من اثار موضوعية وإجرائية، وإلغاء جميع اجراءاتها بما فى ذلك صحيفة افتتاحها فتعتبر كأن لم تكن ، و تزول كافة الاثار التى  نشأت عن رفع الدعوى بما فى ذلك قطع التقادم ، أو بعبارة أدق تعود العلاقة بين الخصوم الى ما كانت عليه قبل رفع الدعوى ،  لكن يراعى الإنتباه إلى مسألة هامة ألا و هى أن سقوط الخصومة لا يؤدى إلى تأثر الحق فى الدعوى مادامت لم  تسقط بمضى المدة ، و على ذلك يجوز للمدعى على الرغم من سقوط الخصومة ان يبدأ خصومة جديدة شريطة  ان يعاد إقامة الدعوى الجديدة خلال الميعاد المحددة قانوناً لرفعها .

ولا يترتب على سقوط الخصومة بطلان إجراءات التحقيق وأعمال الخبرة التى تمت فى الدعوى ، و ذلك وفقاً المادة  137 من قانون المرافعات المدنية ، و كذلك الاقرارات الصادرة من الخصوم أمام المحكمة و الأيمان التى حلفوها اذ ان هذه الاقرارات صدرت عن ارادة واعية من الخصوم   فلا يتصور سقوطها  ، و قد استمد المشرع هذه القاعدة من قانون المرافعات الفرنسى الذى وضع 1888 ، و هى قاعدة ظاهرة السداد لانه قد يحدث ان يتوفى الشهود الذين سمعوا او تزول المعالم التى اثبتها الخبراء , فاذا منع الاحتجاج بشهادة الشهود عند تجديد الدعوى بعد الحكم بسقوطها عاد ذلك على الخصوم بضرر لا يمكن تلافيه

عدم سريان جزاء سقوط الخصومة على كل حالات وقف الخصومة التأديبية

و تجدر الاشارة الى ان احكام سقوط الخصومة  تسري فى حالة الوقف التعليقى للخصومة التأديبية دون سواها من أحوال الوقف الأخرى ، و الوقف التعليقي نظمته المادة ( 39 ) من قانون مجلس الدولة التى تنص على أنه إذا رأت المحكمة أن الواقعة التى وردت بأمر الإحالة أو تضمنها التحقيق تكون جريمة جنائية أحالتها إلى النيابة العامة و أمرت بوقف الدعوى التأديبية حتى يتم الفصل فى الدعوى الجنائية ، و على النيابة الإدارية تعجيل نظر الدعوى بمجرد زوال سبب الوقف ،  و لذلك تلتزم النيابة الإدارية بتعجيل الخصومة التأديبية  من تاريخ زوال سبب الوقف ، و ذلك بصدور حكم نهائى حاسم فى الدعوى أو التحقيق الجنائي .

و بذلك لا تسرى أحكام وقف الخصومة فى حالتى الوقف الاتفاقى و الوقف الجزائى ، و العلة فى ذلك ان عدم تعجيل الخصومة فى الوقف الاتفاقى خلال الثمانية ايام التالية لانتهاء مدة الوقف يؤدى الى اثر اخر محدد فى القانون و اعتبار المدعى تاركا دعواه ، كما ان عدم التعجيل فى الوقف الجزائى يؤدى مباشرة الى توقيع جزاء اخر حدده القانون و هو جزاء اعتبار الخصومة  كأن لم تكن .

انقضاء الخصومة بمضى المدة

اذا ركدت الخصومة مدة طويلة من الزمن زادت على الستة اشهر و لم يكن ركودها مرجعه اهمال المدعى ، فان الخصومة لا تسقط و تظل قائمة منتجة لاثارها مدة قدرها سنتين  ، تنقضى الخصومه  بعدها  ، و الانقضاء يتم بقوة القانون بانقضاء المدة التى حددها المشرع على اخر اجراء صحيح فيها دون حاجة الى طلب بذلك من المدعى عليه ،  و يترتب عليه الغاء جميع اجراءاتها فى جميع الاحوال و مبنى انقضاء الخصومة بالتقادم الاجرائى هو مراعاة المصلحة العامة حتى لا تتراكم القضايا امام المحاكم

الانقضاء يحدث بمضى سنتين من تاريخ الوقف اما  السقوط فيحدث بمضى ستة اشهر فقط ، فضلاً عن ان المدة فى الانقضاء لا تقبل الوقف ، و السقوط جزاء مرهون توقيعه باهمال المدعى فى حين ان الانقضاء جزاء عام بغض النظر عن المتسبب فى الوقف ، كما لا تبدأ مدة السقوط فى حالة الانقطاع بسبب الوفاة الا من تاريخ اعلان ورثة المتوفى  اما فى حالة الانقضاء فانها تبدأ من تاريخ اخر اجراء صحيح ، فيما عدا ما تقدم  تتشابه قواعدهما و احكامهما و اثارهما .

و يراعى أن احكام انقضاء الخصومة بمضى المدة لا يسري على الطعن بطريق أمام محكمة النقض وفقاً للمادة ( 140 ) من قانون المرافعات  ، و قد قضت المحكمة الإدارية العليا بإنطباق ذلك على الطعون المقامة أمامها ( المحكمة الادارية العليا ،  الطعن رقم 1453 لسنة 14ق , جلسة 7/3/1981 )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى