سعد زغلول نصار ورسالة الإذاعة والمشروع القومي (2)

 

بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين

هذا الحس القومي والإيمان بقضايا الحرية، وهذا الانتماء للمشروع القومي المصري/ العربي، بكل ما يعكسه من قضايا الحرية بعامة، كان حاضرا في كثير من الأعمال التي كتبها سعد زغلول نصار أو ترجمها.. نراه يترجم للكاتب الشهير كازانتزاكـس رائعته: «الحرية و/أو الموت» Freedom and death وهي رواية عن ملحمة تحرير كريت.. لا تقل روعة عـن روايته “زوربا اليوناني” التي جسدها سينمائيا القدير أنتونى كوين .. أروع ما في كازانتزاكس ريشته الرائعة في التصوير والوصف وتحليل الشخصيات، وغوصه الدقيق في أعماق النفس البشرية، والتزامه بقضايا الإنسان المعاصر وهمومه.. البطل عنده ليس بطلاً أسطورياً، وإنمـا هـو الإنسـان بقوته وضعفـه.. بمزاياه ونقائصه.. لـم يجعل من الكابتن ميخايليس بطل “الحرية أو الموت” بطلاً أسطورياً أو سوبر مان، ولا نزع كل المزايا عن عدوه المحتل التركي نورى بك، وإنما جعل يجدل قصة تحرير كريت في بناء واقعى يصل إلى قمة التراجيديا حين يقتل الكابتن ميخايليس معشوقته زوجة نورى بك.. هل قتلها لصالح كريت فيما يصور لنفسه حتى لا ينشغل بها عن النضال رفيقه الكابتن ” بوليكسيجس “، أم قتلها لأن الإنسان في داخله يحب ويغار ؟!.

هل كان بطل الرواية بطلاً بذاته، أم كان صنيعة الأحداث.. ألم تحول هـذه الأحـداث المدرس القارئ المسالـم: ابن أخ الكابتن ميخايليس، إلى بطل يؤثر الموت مناضلا إلى جانب عمه (؟!) في هذه الدراما حـول “الحرية أو الموت” التي ترجمها سعد زغلول نصار في تمكن واقتدار ونشرتها روايات الهلال ( أبريل 1992 ) بمقدمة تنوه بالصرح الأدبي العملاق وبأن المترجم: “أحد ألمع نجوم الإذاعة والترجمة في عصرهما الذهبي”.

أما الحديث عن الترجمة فهو حديث متشعب، يشمل المترجم نفسه، والمادة المترجمة، والمتلقي، ودور الترجمة فـي التقدير المعرفي، والاتصال بين الثقافات، والتنمية الثقافية، والتعرف على ثقافة الآخر بعامة، وتنشيط الواقع الثقافي، وإثراء الحوار الحضاري.. الترجمة في الواقع والهـدف نافذة للعلم والثقافة تطل على العالم وتغترف وتنقل مـا فيه مـن علـوم ومعارف وثقافات وتجارب وخبرات.. ما دور المترجم هذا كله: هـل هـو محض مترجم أم مؤلـف ؟.. مـا أهمية المعرفة أو الموهبة الأدبية في الترجمة.. ألست تجد فارقاً في النغم والمعمار بين ترجمة كل من أحمد رامي وعبد الرحمن صدقي لرباعيات الخيام ؟! .. ألست تجد فارقـاً ملموسـاً في الترجمات المتعددة لديوان الشاعر بودلير: ” أزهار الشر ” ؟ .. كيف يصير النص الأجنبي نصًا عربيًا ؟ .. ما دور الترجمـة في نقـل الأدب العالمي شعرا وقصّا ومسرحـاً وروايةً ؟ .. ما طبيعة وكنه الصلة بين الترجمة والأصل ؟.. ما هي عناصر تكوين الشخصية الثقافية للمترجم بين العمومية والتخصص ؟.

تجمع الدراسات وتجارب الواقع على أن مستوى الترجمة فرع على ثقافة ومواهب المترجم.. هذه المواهب التي دعت عديدين من المبدعين لتلبية دعوتها والإقـدام على ترجمـات متميزة اقتطعـوا لها أوقاتًا ثمينة مما يخصصونه لإبداعهم، إيمانا منهـم بقيمة ودور الترجمة في إثراء واقعنا الثقافي.. كان المرحوم سعد زغلول نصار مقدمة جسر ممدود خارج من الإذاعة المصرية، مؤمن برسالته، فاهم لدورها، مشغول بكل ما يتضافر مع دورها في التنوير والتثقيف بعامة، وفى رعاية المشروع القومي المصري/ العربي بخاصة.. هذه الرعاية التي عاش سعد زغلول نصار وفيّا لها حياته صارفاً همّه وعلمه وثقافته وأدبه وموهبته وفنّه لخدمتهـا بإخلاص وقور بغير تشنج أو تظاهر أو استعراض !.

زر الذهاب إلى الأعلى