رشاد العقل بين سلطان الذات وقبضة الأرض ونواميس الحياة (6)
من تراب الطريق (998)
رشاد العقل بين سلطان الذات وقبضة الأرض ونواميس الحياة (6)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 15/12/2020
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
التفات الآدمي لخارج ذاته قديم جدًّا جدًّا.. لأن خارج ذاته هو ميدان سعيها لتمويل حاجات حياته المادية والعاطفية.. وهذا التمويل هو إلى اليوم سلم القفز الأول ـــ لاستخدام ما يمكن استخدامه للنفوذ والقوة والسلطة والمكانة واليسار.. قد تطول هذه القفزة وقد تقصر.. لأن لها حتمًا نهاية دائمة قد لا تتغير قط.. ويبدو أن هذه القفزة الأولى قد أنهكها تهافت ألوف الألوف عليها في كل مكان.. فلم يَعُدْ يمكن أن يطول أمد بقاء الموجودين أو المستجدين ـــ من ذوي النفوذ والقوة والسلطة والمكانة واليسار.. خاصة بعد فشل الاشتراكية وبعد الولع المجنون الواضح لدى ملايين مدعى اليسار الكاذب في كل مكان ـــ الذين يقتنون بالقسط جديد السيارات وغالى الملبس والزينة ويترددون على مطاعم الشهرة والملاهي ويظهرون في المصايف وأحيانًا في المشاتي.. وهذه معالم انحدار اجتماعي سريع الانهيار عواقبه أكبر بكثير جدًّا منه !
وقد لا ينجى بشرية البشر من نهايتها ـ كما قد حدث من قبل لمخلوقات لا حصر لها كانت حية زالت وبادت ـ إلاّ فريق هام من الآدميين يقظ واعٍ عاقل حازم يأخذ ـــ بتماسكه وإصراره وجده ـــ بقيادة أهل الأرض إلى الإفادة الجادة من اتصال البشرية بالفضاء الواسع العالمي في الكون العظيم بموارده وخزائنه وقواه وطاقاته التي عرفنا الآن أنها لا حدود لها، وأنها واسعة سعة أعطت وأتاحت لنا حتى الآن إنجازات هائلة لم يكن آخرها ـــ بداهة ـــ إمكان الانتقال جوا بسرعة تضاهي وتزيد على سرعة الصوت، ولا الأقمار الصناعية وما ترصده من حركة على الكرة الأرضية وما تكشفه من تضاريسها أو مكنونات جوفها، وإنما تحققت عبر الفضاء إنجازات اللاسلكي والفاكس والفضائيات وشبكات الإنترنت، والطاقة الشمسية وغيرها مما لا مجال الآن لحصره مما تحقق بسبب الخروج من قبضة الأرض إلى عالم الفضاء الواسع وخزائن الكون العظيم التي لا تبخل ويستحيل أن تبخل بإمداد البشر بما ينفعهم وينقذهم ـــ من ضائقة أرضهم وآلامها وأهوالها ـــفي عزلتها الحالية الكئيبة التي يتضور أغلبنا فيها بغير منفذ أو منقذ !
ونحن في يقظتنا دائمو التصور الارتجالي التائه الذي يتخلله من آن إلى آخر غرض أو أغراض تسوق إلى تصور متتابع قد يبرز غرضًا أكثر وضوحًا ـ إيجابيًا أو سلبيًا ـ نحاول تحقيقه أو العدول عنه.. وذلك في الأغلب الأعم سطحي وقتي لا يحرك أعماق صاحبه، وإنما يؤدى به إلى الانكباب السريع على تنفيذ مراده وما يستدعيه أو بالعكس.. هذا الانكباب الذي يملأ الآدمي همًا أو قلقًا أو أسى أو يأسًا.. وهي أمواج دائمة لا ينقطع تواليها في أي آدمي من بدايات طفولته إلى آخر حياته يستحيل قطعها أو حصرها أو ترتيبها أو تنظيمها إلاّ نادرًا.. ولذلك بدت القواعد العامة في الجماعات البشرية منذ عرفت حتى الآن دائمًا نسبية الالتزام نسبية الاتباع لدى الملتزم بها.. هذا ولاستحالة تصور الاتفاق الدائم أو حتى التشابه الدائم ـ قنع الناس من أول الدهر إلى اليوم باتباع القاعدة العامة الملائمة لمناسبتها كلما حانت فرصتها في نظر الأغلبية.. وهذا قد أفسح دائمًا الفرص لظهور الجديد في الجماعة البشرية والحماسة لنشره حتى مع شدة المقاومة . وهذا هو بداية التغييرات المطردة الدائمة الطروء على أحوال الجماعات.. سديدًا كان ذلك أو ظهر فيما بعد أنه لم يكن سديدًا !